تفجرت للعام الثاني على التوالي قضية آلاف
المسلمين المخالفين لقواعد الحج النظامي والراغبين في أداء المناسك بطرق غير قانونية،
خاصة مع اتخاذ السلطات
السعودية الأمنية والدينية إجراءات بإبعاد وترحيل للكثيرين،
وإصدار
فتوى أثارت جدلا بين مؤيد ورافض لها في دول العالم الإسلامي.
والسبت، أعلنت المملكة القائمة على تنظيم
مناسك الحج، أن قواتها الأمنية أبعدت من مكة المكرمة حيث بيت الله الحرام، أكثر من
300 ألف شخص غير مسجلين لأداء الحج، وذلك قبل أسبوع من بدء مناسكه، فيما أكد
مصريون
أن الأمر طالهم.
وكالة الأنباء السعودية، أكدت أنه جرى إبعاد
153 ألفا و998 أجنبيا جاؤوا بتأشيرات سياحية دون تأشيرات الحج، فيما أبعدت 171 ألفا و587 مقيما بالسعودية ليس لديهم تصاريح حج.
"آمال الحج.. ومغامرة المخالفة"
وتحل وقفة عرفات، الركن الأساسي لمناسك
الحج هذا العام في 15 حزيران/ يونيو الجاري، فيما يظل الركن الخامس من فرائض الإسلام
على الرغم من أنه فرض على "من استطاع إليه سبيلا"؛ حلما كبيرا صعب المنال
لملايين المصريين، في ظل ارتفاع أسعار الحج الرسمي والسياحي.
لكن؛ ومع سماح السعودية بالتأشيرات السياحية
وزيارة المملكة وأداء مناسك العمرة طوال العام، زادت آمال الكثيرين في حج قليل التكلفة، رغم أن تلك المغامرة قد تكلفهم دفع غرامة قدرها 10 آلاف ريال نحو (2660 دولارا)، والعودة
دون أداء مناسك الحج.
ويلجأ مصريون لاستخدام التأشيرات السياحية
مدة عام للمكوث بمكة المكرمة وعدم مغادرة البلاد، في محاولة لأداء فريضة الحج بالمخالفة
للقوانين المنظمة للحج، وبالمخالفة لفتوى أصدرها مفتي المملكة عبدالعزيز آل شيخ، قال
فيها إن المخالفين "آثمون"، مؤكدا أنه على الحجاج "الالتزام الصارم
بالتعليمات الأمنية والرسمية".
وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2019، سمحت السعودية
بالتأشيرات السياحية عبر الإنترنت لمن يحملون تأشيرات وإقامات بأمريكا وبريطانيا وتأشيرة
شنجن لدول الاتحاد الأوروبي، لأداء العمرة خارج موسم الحج، والسياحة، وحضور الفعاليات
والمعارض والمؤتمرات.
وفي أيلول/ سبتمبر 2022، سمحت الرياض للمقيمين
بدول الخليج دخول أراضيها بتأشيرة سياحية إلكترونية، فيما أعلنت في آب/ أغسطس 2023،
عن إمكانية استخراج تأشيرة السعودية لمدة عام للمصريين، إلكترونيا، وأداء مناسك العمرة،
وزيارة المسجد النبوي، وحضور الفعاليات السياحية.
في مقابل تلك التسهيلات، تشكو بعض شركات
الحج المصرية من فرض السعودية الكثير من الرسوم، إذ يوضح مدير إحدى شركات السياحة الحاج
سيد، أن "وزارة الحج والعمرة السعودية تسعى للربح الوفير، وفي مقابل تسهيل الحصول
على التأشيرة رفعت أسعار الخدمات من نقل وطيران وفنادق".
وأضاف لـ"عربي21" أن "الأزمة
الثانية التي تواجه الحجاج المصريين وتدفعهم للالتفاف على قوانين الحج، هي تراجع قيمة
العملة المصرية بمقابل الريال (12.67 جنيه رسميا)، ما يزيد من التكلفة عليهم، وذلك
بجانب أن المصري لديه القدرة على تحمل الصعاب والاختفاء فترة طويلة مختفيا في سكنه
حتى دخول توقيت الحج".
"لهذا يغامر المصريون"
وكشف عضو غرفة شركات السياحة، أحمد وحيد،
عن عدد المصريين المخالفين لتأشيرة الحج، موضحا لموقع "مصراوي" المحلي في
10 أيار/ مايو الماضي، أن الأعداد نحو 150 ألف مصري طلبوا تأشيرات زيارة مخالفة، ويوميا
يسافر نحو 4 آلاف شخص للسعودية بهدف أداء مناسك الحج بالمخالفة للقوانين.
ما دفع مصريين لاتخاذ ذلك المسلك وفق حديث
بعض المغامرين، هو ارتفاع سعر حج القرعة لأكثر من 80 ألف جنيه في عام واحد، فبينما سجل
السعر عام 2022 نحو 94 ألف جنيه، وصل العام الماضي إلى 175 ألف جنيه، فيما كان حج الجمعيات
87 ألف جنيه ارتفع إلى 225 ألفا للخمس نجوم، و186 ألفا للاقتصادي، بزيادة 130 بالمئة.
أما أسعار الحج السياحي العام الماضي فوصلت
فى حج الـ"VIP" إلى
750 ألف جنيه فأكثر، كما ارتفعت أسعار تذاكر الطيران بنحو 50 بالمئة، فالتذكرة التي
كانت تبلغ قيمتها في 2022 نحو 12 ألف جنيه، وصلت العام الماضي إلى 27 ألف جنيه بزيادة
130 بالمئة.
وعن أسعار الحج هذا العام فقد بلغ نحو نصف
مليون جنيه في أرقام يعجز الكثير من المصريين عن دفعها، ووفقا لرصد موقع "مصراوي"
المحلي، فالحج البري بين 226 و230 ألف جنيه، والحج الاقتصادي بين 226 و 230 و260 ألف
جنيه، أما السياحي فئة 5 نجوم فيكلف 450 ألف جنيه، وذلك دون حساب سعر تذكرة الطيران
(35 ألف جنيه).
"مهددون في العزيزية.. وموقوفون ضاع
حلمهم"
محمد، وسمير، وسيد، إداري، ومدرس، ومهندس،
اتفقوا سويا على خوض غمار التجربة والذهاب للعمرة قبيل الحج بنحو شهر ونصف والبقاء
في مكة مختفين حتى موعد دخول الحج، وذلك في محاولة منهم لإعادة عدة تجارب ناجحة لزملاء
وأقارب لهم في العام الماضي نجحوا في الحج بربع التكلفة.
ويؤكد محمد أنه "منذ أسبوعين تقريبا لا يخرج
من مقر سكنه، ويعاني أشد معاناة ويتخوف من أنه بين لحظة وأخرى قد تطاله يد الشرطة السعودية،
كما أنه يتخوف من الخروج خارج مكة تحسبا لعجزه عن الدخول إليها مرة ثانية مع دخول وقت الحج
في 14 حزيران/ يونيو الجاري".
"عربي21" رصدت بعض أسماء من تم
توقيفهم من قبل الأمن العام السعودي وترحيلهم خارج مكة إلى مدينة جدة تمهيدا لمغادرتهم
البلاد، وقال أحدهم ويدعى الحاج هاني، (تاجر): "تمت مداهمة مقر سكننا في العزيزية
بمكة ليلا، وجرى تبصيمنا وإبعادنا إلى جدة، أنا والعشرات"، معربا عن حزنه لعدم
تمكنه من أداء مناسك الحج.
وأكد أبوعمر، أحد المصريين الموجودين في
مكة ضمن خدمات الحجاج، أن "القيود شديدة جدا من قبل الحكومة السعودية، وأن الأمن
العام يتواجد بالحرم، ويقيمون كمائن على حدود مكة، ويقومون بتفتيش المنازل ليلا، وقاموا
بضبط مجموعة من السائقين والجزارين من عمال الخدمات أثناء أدائهم للعمرة، وتم إلغاء
تعاقدهم وترحيلهم لمصر بعد أسبوع واحد فقط من دخولهم الأراضي المقدسة".
أحد الناجين من إجراءت الحكومة السعودية
الأمنية، قال إنه "تمكن من أداء عمرة واحدة ومنذ شهر كامل لم نتمكن من دخول الحرم
المكي، ونقيم في مناطق نائية، ولأن المداهمات تكون ليلية نغلق جميع الأنوار وننام في
صمت ولا نخرج للشارع إلا للضرورة القصوى".
الحاج مدحت، أحد الذين نجحوا في التخفي
بعيدا عن أعين الأمن السعودي، قال إن "تشديد الأمن العام السعودي مرحلة وتنتهي
قبل أيام من الحج، وعندها سنكون بين الحجاج".
أحد الحجيج الرسميين قال لـ"عربي21"
إن "المشكلة يصنعها من يملكون المال"، موضحا أن "كثيرين ممن يحجون بشكل
سنوي احترفوا الحضور قبيل الحج بأسابيع والبقاء بمكة، ومزاحمة الحجاج"، مؤكدا
أنهم أحد أسباب زيادة أسعار الحج".
"الحج وموسم الرياض"
ووفق موقع "times prayer" فإن تقديرات عدد المسلمين حول العالم الأحد،
9 حزيران/ يونيو 2024، تشير إلى مليارين و28 مليونا و551 ألف مسلم، ما يمثل أكثر من
25 بالمئة من إجمالي عدد سكان العالم البالغ 8 مليارات و114 مليونت و204 آلاف نسمة، ما
يعني أن الإسلام ثاني أكبر ديانة بالعالم.
والخميس الماضي، أعلن وزير الحج توفيق بن
فوزان، وصول أكثر من مليون و200 ألف حاج للمملكة من مختلف دول العالم، فيما شارك
1.8 مليون حاج في موسم عام 2023، منهم 1.66 مليون من خارج المملكة، بينما بلغ عدد المعتمرين
خلال 2023 رقما قياسيا تاريخيا مسجلا 13.55 مليون معتمر.
وفي المقابل، أعلن رئيس هيئة الترفيه بالسعودية
تركي آل الشيخ، أن عدد زوار "موسم الرياض 2023" وصل إلى 20 مليون زائر.
ويحذر البعض من مخاطر تعسير أداء مناسك
الحج والتي دفعت ببعض المسلمين في نيجيريا لصناعة مجسم للكعبة والطواف حوله، ملمحين
إلى أن المملكة في المقابل تتوسع في الأنشطة السياحية والفاعليات الفنية والغنائية
التي تستقبل ملايين السائحين من كل بلدان العالم.
"الأزمة مفتعلة.. و4 ملايين بموسم
الرياض"
وفي رؤيته، قال السياسي المصري والبرلماني
السابق ممدوح إسماعيل، إن "مشكلة الحج مفتعلة"، مضيفا بحديثه لـ"عربي21":
"صحيح أن تنظيم الحج مهم؛ لكن على دولة الحج أن تيسره لكل من استطاع الوصول للحرمين".
وأكد أن "ذلك أمر تملكه السعودية؛
فهي بإمكانياتها نظمت موسم الرياض للغناء والفساد، وحضر فيه كما أعلنوا 4 ملايين شخص"،
متسائلا: "فهل تتعقد الإجراءات فقط بشأن الحج".
ووصف الأمر بأنه "كلام ساقط"،
مبينا أنه "لا يجوز شرعا منع من وصل لمكة وأحرم للحج، وما يحدث حرام وإثم كبير،
وصد عن سبيل الله".
وخلص للقول: "تتيسر التأشيرات والفنادق
والطائرات لموسم الرياض للفساد بدون حد أقصى، وفي المقابل يتم رفع أسعار الحج بتعمد
واضح لتيسيره على فئة محددة تستطيع دفع مبالغ كبيرة، ولذلك يلجأ الناس للتحايل على
هذا التعنت وهذا من حقهم شرعا، فالحج لمن استطاع إليه سبيلا".
"أليس من دخله كان آمنا؟"
من جانبه، وجه الكاتب والباحث المصري عزت
النمر أسئلته إلى علماء المملكة ومتصدري الفتيا فيها؛ قائلا: "ما حكم ترويع المسلمين
في مكة بدعوى مخالفة قوانين الحج؟ أليس يحرم ترويع الطيور وحتى الهوام بالحرم؟ أليس
هناك تحريم حتى لقطع الشوك بالحرم؟ ما الذي يحدث لنسمع عن مداهمات على العمارات والفنادق
وتحطيم الأبواب واقتحام الغرف وترويع الناس؟ أليس من دخله كان آمنا؟".
وفي حديثه لـ"عربي21" أضاف أن
"السؤال الأهم أيضا لأولئك الشرعيين: ما الذي تغير بالمملكة لتصبح المداهمات بساحات
الحرم وشوارع مكة وحواري المشاعر؟ هل ثمة تحول في التعامل مع المشاعر والنسك بالتضييق
والمنع بالوقت الذي تفتح الأبواب مشرعة لحفلات الترفيه ومنصات تركي آل الشيخ؟".
وخاطب أهل الفتوى: "في السعودية التي
كانت محافظة، لماذا كلما تمكن محمد بن سلمان من مقاليد الأمور تجافي سياسته المشاعر
والنسك، وتسارع في التطبيع من جهة والفن التافه والحرام من جهة أخرى".
وقال: "ربما سيصدح هؤلاء الشرعيين
بالصراخ في وجه أولئك الذين يتوقون للحج وإن أخطأوا السبيل وتحايلوا للوصول إليه، بينما
لن نسمع لهؤلاء كلمة نصح لمحمد بن سلمان عن سياسته التي غيرت جلد المملكة من الوجه
الإسلامي المحافظ وإن شكلا، إلى الانخلاع من كل فضيلة والارتماء في كل رذيلة منكرة".
ويعتقد النمر أن "الواجب على المملكة
إعداد وتنظيم الأمر برمته حتى لا يتواجد إلا من يحمل تأشيرة الحج الرسمية، إذ إنه تم
ضبط أكثر من 140 حملة حج وهمية، فضلا عن ترك تأشيرات الزيارة للنصابين والمحتالين الذين
يخدعون الناس ويقنعونهم بأنها تصلح لأداء مناسك الحج، ويحصلون مبالغ طائلة في ذلك".
وأضاف: "ويجد كثير من هؤلاء الطيبين
أنفسهم مقبوضا عليهم ويتم التعامل معهم بمهانة، فضلا عن كارثة فقد الأمل في أداء النسك
وهو شعور كارثي وقاتل للكثير من هؤلاء".
وتابع: "ماذا يمكن للناس أن تفعل حينما
تصبح تكلفة رحلة حج القرعة 200 ألف جنيه مصري، وهي أرخص التأشيرات، وحج الجمعيات
300 ألف والسياحي ما بين 450 ألفا ومالا نهاية حسب الفئة".
وتساءل: "ماذا يصنع الناس ومن المسؤول
عن هذه الأسعار الخيالية؟" موضحا أن "المغالاة في تكلفة الحج الرسمي وتربح الحكومات
منها وأولها الحكومة السعودية، ومن بعدها حكومة السيسي التي تبتز المواطنين في كل أمر
وخاصة في تأشيرات الحج والعمرة، تلك المغالاة هي السبب في لجوء المصريين لاستخدام تأشيرات
الزيارة".
وختم بالقول: "ثمة حقيقة أخيرة وطلب
إلى المخلصين إن كان ما زال لهم موطئ قدم في نظم الحكم السعودي اليوم في نسخة محمد
بن سلمان، أن يترفقوا بأولئك المخالفين فإن معظمهم من كبار السن ولا يناسبهم سوط المداهمات
وسطوة الداخلية السعودية، فضلا عن مرارة فقد النسك التي تكسرهم وتقتلهم".
"مقاصد الحج وفقه المآلات"
وعبر صفحته بـ"فيسبوك"، أفتى
الأكاديمي المصري أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن رجب أبو مليح، بأن "الحج بغير
تأشيرة تحايل على السلطات"، معلنا أن من "أفتوا بأداء الحج دون تأشيرة رسمية
والتحايل على القوانين، أخطأوا، ولم يراعوا مقاصد الحج ولا فقه المآلات"، موضحا
أنه ليس بصدد الدفاع عن الحكومة السعودية، مستشهدا بمقولة الإمام علي رضي الله عنه:
"لا بد للناس من إمارة؛ برة كانت أو فاجرة".
وأكد أن "الفتوى التي تجيز لكل الناس
الذهاب بأي طريقة مشروعة أو غير مشروعة لأداء الفريضة ستؤول في النهاية إلى تعطيل الفريضة"،
منتقدا التجاوزات الأمنية ضد المخالفين، رافضا في المقابل السماح للوجهاء بتكرار الحج،
مؤكدا أنهم يضيقون على غيرهم.