مقالات مختارة

المشكلة ليست نتنياهو وبايدن… بل أمريكا وإسرائيل!

دعم أمريكي مطلق للاحتلال في عدوانه المتواصل على غزة- الأناضول
يتضح مع بدء الشهر التاسع من حرب الإبادة، مأزق غرق نتنياهو في مستنقع حرب غزة، وإصراره على تحقيق أهداف حربه الكارثية وغير الواقعية، ورفضه إنهاءها برغم انسداد أفقها، وتحولها لحرب استنزاف مكلفة على أشلاء الشهداء المدنيين العزل، ليبقى أطول مدة في السلطة. مراوغة نتنياهو باتت مفضوحة برفضه وتفخيخه وفريقه المتطرف مقترح الرئيس بايدن بمراحله الثلاث، بإنهاء الحرب ووقف شامل للعمليات العسكرية، والانسحاب من قطاع غزة، وإطلاق سراح الرهائن.

وسبقه إصرار نتنياهو رغم معارضة الرئيس بايدن وقيادات إدارته اجتياح رفح؛ ما عطّل دخول المساعدات الإنسانية عبر المعابر، وصعّب احتمال التوصل لصفقة توقف الحرب، وتحقق أهداف إدارة بايدن بتجاوز مأزق نزف الحرب وتشويشها على شعبيته وحملته الرئاسية، بعد دخولها مرحلة الحسم، باقتراب موسم المناظرات وعقد مؤتمري الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
ليس سرا دعم الرئيس بايدن المطلق لإسرائيل والصهيونية. 

ليس سرا دعم الرئيس بايدن المطلق لإسرائيل والصهيونية، خاصة أنه من سياسيي الصف الأول المتلقين للدعم المالي من اللوبيات الأمريكية ـ الإسرائيلية ـ وتفاخره منذ عقود بصهيونيته.

وتأكيدا لموقفه الداعم لإسرائيل منذ عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، يقدم دعما عسكريا وسياسيا بلا سقف، وقام بزيارة تل أبيب وأوفد قيادات إدارته، على رأسهم وزير الخارجية، الذي يبدأ اليوم زيارته الثامنة للمنطقة، ومثلها لمستشار الأمن الوطني ومبعوثه للشرق الأوسط ومدير الاستخبارات المركزية.


واستخدم الفيتو في مجلس الأمن بوجه الإجماع العالمي ثلاث مرات، لمنع وقف حرب إبادة إسرائيل على غزة. والفيتو الرابع لحرمان عضوية كاملة لفلسطين في الأمم المتحدة. وصادق على 26 مليار دولار مساعدات عاجلة لإسرائيل، عبر الجسر الجوي بإمدادات عسكرية تغذي حربها على غزة وتبيد الأبرياء، ومساعدات إنسانية لغزة!

أعلن الرئيس بايدن في حفل هانيكا اليهودي بحضور جماعات يهودية في البيت الأبيض نهاية العام الماضي: "لإسرائيل حق الوجود ككيان مستقل. ولولا وجود إسرائيل لم يكن هناك يهودي في العالم يشعر بالأمان"! وكرر الرئيس بايدن في نيسان/أبريل كذبة: "قتلت وشوهت حماس أكثر من 1200 من الأطفال والأهالي، ومرتادي حفل موسيقى في 7 أكتوبر"!
حرب نتنياهو تهدد أمن الإسرائيليين في الداخل واليهود في الخارج، بتصاعد موجة العداء لإسرائيل لارتكابها جرائم حرب.

بينما الواقع، أن حرب نتنياهو تهدد أمن الإسرائيليين في الداخل واليهود في الخارج، بتصاعد موجة العداء لإسرائيل لارتكابها جرائم حرب إبادة وضد الإنسانية، موثقة بالفيديو والصوت والصورة، والتطهير العرقي والحصار والتجويع والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير المتعمد لغزة، وقطع إمدادات الغذاء والماء والكهرباء وتدمير متعمد للبنى التحتية ومقار الأمم المتحدة والأونروا والمستشفيات والمدارس والجامعات، لجعل غزة قطاعا غير قابل للحياة، ورفض وقف الحرب برغم الإدانات العالمية والاعتراف بدولة فلسطين، وتوصية مدعي عام محكمة الجنايات الدولية، باعتقال نتنياهو ووزير الحرب غالانت لارتكابهم جرائم حرب إبادة.

فيما أكد الرئيس بايدن لمجلة "تايم" الأمريكية مؤخرا، أنه لا يرى ما تقوم به إسرائيل في غزة "حرب إبادة"، وانتقد بايدن توصية مدعي عام المحكمة بإلقاء القبض على نتنياهو وغالانت: "لا نعترف بالمحكمة الجنائية الدولية".

وكرر مستشاره للأمن الوطني: "لا ترتكب إسرائيل إبادة جماعية في غزة"! وصرح الناطق باسم الخارجية: "لا نمانع باستهداف المدنيين لقتل مقاتلي حماس"!

ولا تقل مواقف انحياز الكونغرس في النظام الأمريكي عن الإدارة، في مزايدة رخيصة انتقد رئيس مجلس النواب الأمريكي جونسون مع قيادات حزبه الجمهوري موقف الرئيس بايدن برغم انحيازه الصارخ، لتجميده شحنة قنابل زنة الواحدة 2000 رطل حتى لا تُستخدم في مناطق مكتظة بالسكان وفي اجتياح رفح.


وأشاد جونسون في خطاب صهيوني في ذكرى الاحتفال بـ76 عاما على العلاقات بين البلدين،  بالإنجازات التي حققت نبوءة إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وقاومت الخلافة الإسلامية ومحرقة النازيين.

وأشار إلى أن دولة إسرائيل قامت على أساس الحرية والسلام، وحوّلت حلم هرتزل إلى واقع، ليستحق الشعب اليهودي العيش بسلام في دولتهم التاريخية، ونحتفل باستقلال إسرائيل الذي اعترف به الرئيس ترومان بعد 11 ساعة! ونقلنا السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، حيث يجب أن تكون. وتقدمنا بالاتفاق الإبراهيمي نحو السلام من دارفور إلى دبي… ونحتفل بالقيم المسيحية ـ اليهودية. وانتقد صعود موجة العداء للسامية: "ولن نسمح للظلام أن ينتصر وسنقف معا".

ولم يكن تزلف رئيس مجلس النواب الأمريكي المهين كافيا، بل بالغ في الانحياز بدعوة مستفزة لمجرم الحرب نتنياهو المدان بارتكاب جرائم حرب إبادة، يدعوه لإلقاء خطاب في جلسة مشتركة لمجلسي النواب والشيوخ موقعة من قيادات الحزبين الأربع في مجلسي النواب والشيوخ الديمقراطيين والجمهوريين.

وسط انقسامات وحالة غضب نواب وأعضاء مجلس الشيوخ، يقودهم السناتور اليهودي المستقيل بيرني ساندرز، الذي استنكر دعوة ما وصفه "مجرم حرب" للكونغرس، وأعلن مقاطعته مع نواب آخرين خطاب نتنياهو.

ونددت منظمات حقوقية وناشطون بدعوة نتنياهو، خاصة بعد الإدانات الواسعة ضد الحرب والتصعيد بارتكاب مجازر متنقلة، ورفض نتنياهو وقفها ومراوغته حول مقترح الرئيس بايدن بوقف الحرب، وتبادل الأسرى وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة وإعادة إعمار القطاع.


وكأن ذلك الانحياز والاصطفاف الكامل لم يكن كافيا، يزايد الكونغرس بانحيازه على إدارة بايدن! أقر مجلس النواب الأمريكي على مشروع قرار "بلطجي"، قدمه الجمهوريون يطالب بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية لاتخاذها إجراءات تحقيق أو احتجاز أو استدعاء أشخاص بمن فيه عسكريون وموظفو الحكومة الأمريكية ومواطنو الدول الحليفة للولايات المتحدة (إسرائيل)، ضد الولايات المتحدة وحلفائها.

تشمل العقوبات إدانة المدعي العام كريم خان والمتعاونين بعمل المحكمة الجنائية الدولية: برفض إصدار تأشيرات وتجميد أصولهم في الولايات المتحدة!! كل ذلك انتقاما لتوصية اعتقال نتنياهو ووزير حربه.

الواقع أن الاصطفاف الأمريكي منهجي ومؤسساتي، ويتعدى صهيونية بايدن وقيادات إدارته وتزلف وبلطجة وانحياز الكونغرس، ونتنياهو وزمرة عتاة اليمين المتطرف المنتخبين من متطرفين، إلى النظامين الأمريكي والإسرائيلي معا. وهنا يكمن المأزق والمأساة المروعة.

القدس العربي