نشرت صحيفة "
نيويورك تايمز" الأمريكية
تقريرًا كشفت فيه أنه تم استخدام قنبلة أمريكية الصنع - موجهة بدقة لتصيب أهدافًا
محددة وتحد من الخسائر في صفوف المدنيين - في غارات جوية على
غزة، أسفرت عن مقتل
عشرات الفلسطينيين، بمن فيهم النساء والأطفال.
وأوضحت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، أن قنبلة GBU-39 ذات القطر الصغير استُخدمت في هجوم على مدرسة
سابقة تابعة للأمم المتحدة يوم الخميس، وفي غارة على رفح في 26 أيار/ مايو. وفي
كلتا الحالتين، دافع الجيش الإسرائيلي عن أفعاله قائلًا إن الضربات كانت تستهدف
المسلحين الذين يستخدمون المدنيين كدروع بشريّة. وقال مسؤولو الصحة في غزة إن
مدنيين قُتلوا أيضًا، وهناك مقاطع فيديو وصور لنساء وأطفال بين القتلى.
ونقلت الصحيفة عن خبيرين في الأسلحة أن إسرائيل على
ما يبدو زادت من استخدام
القنابل منذ بداية هذه السنة، مقارنة بالأيام الأولى
للحرب عندما أطلقتها خلال 10 بالمئة فقط من الغارات الجوية على غزة. وكما توضح
سلسلة الغارات الإسرائيلية الأخيرة، فإنه يمكن حتى لقنبلة صغيرة نسبيًا أن تلحق خسائر
فادحة في صفوف المدنيين.
وقال براين كاستنر، خبير الأسلحة في منظمة العفو
الدولية: "الأمر هو أنه حتى استخدام سلاح أصغر أو استخدام سلاح موجه بدقة، لا
يعني أنك لا تقتل المدنيين، ولا يعني أن جميع ضرباتك أصبحت فجأة مشروعة".
إدانة دولية
وأفادت الصحيفة بأن الجيش الإسرائيلي قد شنّ في وقت
مبكر من
الحرب عمليات اجتياح واسعة النطاق لمدن غزة بالدبابات والمدفعية والقنابل
التي تزن 2000 رطل، ما أثار إدانة دولية بسبب الخسائر الفادحة في صفوف المدنيين.
وذكرت الصحيفة أن محللين قالوا إن إسرائيل، بإيعاز
من إدارة بايدن، حوّلت استراتيجيتها القتالية نحو العمليات منخفضة الكثافة
والغارات المستهدفة، وتعتمد الآن بشكل أكبر على قنبلة GBU-39. وتزن هذه
القنبلة 250 رطلاً، بما في ذلك 37 رطلاً من المتفجرات، ويتم إطلاقها من الطائرات
الحربية.
ونقلت الصحيفة تصريحات ريان بروبست، المحلل العسكري
في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، الذي قال إن التحول بدأ على ما يبدو في كانون
الثاني/ يناير أو شباط/ فبراير و"يفسر على الأرجح التغيير في الذخائر
المستخدمة". في الشهر الماضي، عُثر على قنبلة غير منفجرة من طراز GBU-39 في مدرسة في جباليا شمال قطاع غزة، وقد ظهرت زعنفة الذيل الخلفية المميزة لنفس
النوع من القنابل في موقع غارة في 13 أيار/ مايو في أقصى الجنوب على منزل عائلة
ومدرسة في النصيرات أسفرت عن مقتل ما يصل إلى 30 شخصًا.
ظهرت بقايا قنابل GBU-39 خارج المنازل السكنية
التي تعرضت لغارات جوية إسرائيلية مميتة في رفح في نيسان/ إبريل، وفي موقع غير
محدد في غزة في آذار/ مارس، وفي تل السلطان في كانون الثاني/ يناير، بحسب محللين.
وهذه الأمثلة على استخدام إسرائيل لقذائف GBU-39 لا تمثل سوى جزء بسيط من عدد
الغارات الجوية الذي يقدره الخبراء حيث استخدمت إسرائيل مجموعة متنوعة من الأسلحة لا
يقل عن عشرات الآلاف. لكن الحطام الذي تم العثور عليه في أعقاب الغارات الجوية
وطلبات تجديد المخزون الإسرائيلي يشير إلى أن إسرائيل كثفت بوضوح من استخدامها
لقذائف GBU-39، وذلك بحسب ما قاله العديد من المحللين.
ونقلت الصحيفة عن كاستنر قوله: "لقد رأينا الكثير
من خردة GBU-39 في الأشهر القليلة الماضية. لقد كان الاتجاه من الأكبر إلى
الأصغر". (ومع ذلك، فإنه قال إن محققي منظمة العفو الدولية لا يزالون يرون أدلة
على وجود ذخائر كبيرة مثل سلسلة مارك-80، التي يصل وزنها إلى 2000 رطل، والتي تم
إطلاقها على مناطق مكتظة بالسكان في وقت مبكر من الحرب).
وأشارت الصحيفة إلى أن الجيش الإسرائيلي هو الوحيد
الذي يملك قائمة دقيقة بعدد المرات التي استخدم فيها قنابل GBU-39 وأين
استخدمها منذ بدء الحرب في تشرين الأول/ أكتوبر.
ولم يُجب المسؤولون العسكريون
الإسرائيليون عن أسئلة حول هذا السلاح في غزة، لكنهم قالوا في بيان مكتوب لصحيفة
نيويورك تايمز يوم الخميس إنه "عندما يسمح نوع الهدف والظروف العملياتية بذلك
فإن الجيش الإسرائيلي يفضل استخدام ذخائر أخف".
حفر ضخمة
وخلال الأسابيع الستة الأولى من الحرب، قامت إسرائيل
بشكل روتيني بإلقاء قنابل تزن 2000 رطل من القنابل في جنوب غزة حيث طُلب من
المدنيين النزوح حفاظًا على سلامتهم. وخلص تحقيق أجرته صحيفة نيويورك تايمز في
كانون الأول/ ديسمبر إلى أن الغارات حوّلت المباني السكنية إلى حفر ضخمة وقتلت
آلاف الأشخاص.
وأضافت الصحيفة أن المسؤولين الأمريكيين حثوا
إسرائيل في تشرين الثاني/ نوفمبر على استخدام قنابل أصغر حجمًا لحماية المدنيين
بشكل أفضل. وقبل شهر واحد فقط، كانت شركة بوينغ المصنعة لقنابل GBU-39، قد
عجلت بتسليم 1000 من هذه الأسلحة من طلبية 2021 التي لم تكتمل بعد.
وبحلول كانون الأول/ ديسمبر، كان الرئيس بايدن
يحذر إسرائيل من أنها تخسر الدعم العالمي في الحرب بسبب "القصف العشوائي الذي
يحدث". وأشار أحد الخبراء إلى أن أول استخدام معروف لقنابل GBU-39 في
الحرب الحالية كان في 24 تشرين الأول/ أكتوبر في خان يونس حيث تم قصف منزلين
لعائلتين بأربع قنابل من هذا النوع.
وأضافت الصحيفة أن إسرائيل قصفت الطابقين العلويين
من مبنى سكني مكون من خمسة طوابق في رفح قبل الساعة الحادية عشرة مساءً بقليل من
كانون الثاني/ يناير، ما أسفر عن مقتل 18 مدنيًا، بينهم أربع نساء و10 أطفال،
وذلك وفقًا لتحقيق أجرته منظمة العفو الدولية خلص إلى أن القنبلة المستخدمة في
الغارة كانت من طراز GBU-39. وكان ذلك من بين الأمثلة التي جمعتها منظمة
العفو الدولية في نيسان/ إبريل على الاستخدام غير القانوني المحتمل للأسلحة الأمريكية الصنع في إسرائيل، والتي تعود إلى كانون الثاني/ يناير 2023.
وذكرت الصحيفة أن وزارة الخارجية الأمريكية خلصت في
أيار/ مايو إلى أن إسرائيل انتهكت على الأرجح المعايير الإنسانية لفشلها في حماية
المدنيين في غزة، لكنها قالت إنها لم تجد حالات محددة تبرر حجب المساعدات العسكرية
الأمريكية.
وقال مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون إن إسرائيل
بشكل عام لا تشارك المعلومات حول استخدامها لقنابل GBU-39 مع واشنطن، كما أن
نظام وزارة الخارجية الذي تم إنشاؤه في آب/ أغسطس لتتبع وفيات المدنيين بسبب الأسلحة الأمريكية الصنع في الصراعات الخارجية قد كافح من أجل تجميع قائمة شاملة. وقال أحد
المسؤولين الأمريكيين إن الغارة الجوية التي وقعت في 26 أيار/ مايو في رفح يجري
التحقيق فيها كجزء من العملية الجديدة لتحديد ما إذا كانت القوانين الإنسانية قد
انتهكت باستخدام الأسلحة الأمريكية.
وبينت الصحيفة أن إسرائيل تنشر قنابل GBU-39 منذ سنة 2008، وتستخدمها في غزة وسوريا ولبنان. ويبلغ مدى هذه القنابل 40 ميلاً
على الأقل ويتم توجيهها بواسطة نظام تحديد المواقع العالمي مع تحديد إحداثيات
لأهداف محددة قبل إطلاق الأسلحة. ويقول الخبراء إن القنابل من طراز GBU-39 دقيقة للغاية بحيث يمكنها إصابة غرف محددة داخل المباني.
وأفادت الصحيفة بأن الولايات المتحدة قد سلمت ما لا
يقل عن 9550 قذيفة GBU-39 إلى إسرائيل منذ سنة 2012، بما في ذلك 1000 قذيفة
تم شحنها في الخريف الماضي بموجب الأمر المعجل، وذلك وفقًا لبيانات معهد ستوكهولم
الدولي لأبحاث السلام الذي يتتبع عمليات نقل الأسلحة. وقال بروبست، من مؤسسة
الدفاع عن الديمقراطيات، إنه من المحتمل أن يكون قد تم شحن المزيد منذ ذلك الحين.
وأوردت الصحيفة أنه يمكن لمعظم الطائرات الهجومية
حمل ثماني قذائف GBU-39 في المرة الواحدة، ويمكن توجيه كل منها بشكل مستقل
إلى أهداف مختلفة. وقال ن. ر. جينزن جونز، مدير خدمات أبحاث التسلح، إنها "قد
تكون صغيرة مقارنةً بالقنابل الجوية الأخرى، لكن القنبلة ذات القطر الصغير لا تزال
ذات تأثير كبير" بالنسبة للمدنيين.