تمر العلاقات بين الولايات المتحدة ودولة
الاحتلال الإسرائيلي بمرحلة تمزق وانقسام شديد على ضوء حرب الإبادة الجماعية التي تشنها الأخيرة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع
غزة، بحسب تقرير مجلة "
فورين بوليسي".
وقالت المجلة في تقرير ترجمته "عربي21"، إن العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل شهدت أكثر من بضع حالات صعود وهبوط على مر السنين. وحتى في أعقاب التوترات الخطيرة التي حدثت في الماضي، فقد بدا أن الاستمرارية وليس التغيير هي السائدة دائما.
وأضافت أنه بمرور الوقت، خفت حدة التوترات، وعادت الأمور بشكل أو بآخر إلى طبيعتها بفضل ما أسميناه "نظام التشغيل" الأمريكي الإسرائيلي التقليدي. في الولايات المتحدة، كان هذا مدفوعا بشخصية الرئيس (في أي مكان من مؤيد معتدل إلى قوي لإسرائيل)، والسياسة الداخلية (التي تعكس وتعزز بقوة ذلك التعاطف)، وسياسات الإدارة (التي تتطلب في أغلب الأحيان التعاون مع إسرائيل بدلا من المواجهة معها لإدارة التحديات الإقليمية).
وأفادت المجلة، بأن هناك شيئا من التغيير في هذا الأمر، إلا أنه من الصعب الحكم عليه إذا كان ذلك مجرد عثرة في الطريق أو تحولا، أو نقطة انعطاف. إلا أنه من المؤكد أن التوترات الحالية بين إسرائيل وإدارة الرئيس الأمريكي جو
بايدن تجري في ظروف غير مسبوقة، لكنها أيضًا من المحتمل أن تكون مؤقتة. فمن ناحية، ظل نظام التشغيل التقليدي الذي أبقى العلاقة الأمريكية الإسرائيلية خالية من الخروقات والانقسامات المستمرة يعمل منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
وذكرت المجلة أن الرئيس الأمريكي جو بايدن يعتبر الأكثر دعما لإسرائيل وأهداف الحرب الإسرائيلية من أي رئيس آخر في تاريخ الولايات المتحدة. وقد قدمت الإدارة ما يزيد على الـ14 مليار دولار من المساعدات الطارئة، وجمعت شبكة دفاع جوي إقليمية أثبتت نفسها عندما هاجمت إيران إسرائيل بأكثر من 350 طائرة بدون طيار وصواريخ كروز وصواريخ باليستية، وهناك مليار دولار أخرى من المساعدات العسكرية قيد التنفيذ.
وأشارت المجلة إلى أن أن التنسيق السياسي والاستراتيجي بين الإدارتين كان مكثفا، وتحدث بايدن ورئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو بشكل منتظم لمحاولة تقليل فرص حدوث انتهاك علني وإبقاء العلاقات على المسار الصحيح. ومن خلال الحفاظ على هذه الدرجة من الدعم لإسرائيل، واجه بايدن مقاومة سياسية في الداخل، بما في ذلك من داخل حزبه، لكنه لم يتراجع، حتى على حساب التكلفة المحتملة لخسارة الأصوات في الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/ نوفمبر، وفقا للتقرير.
وذكرت الصحيفة أن هناك قوى مؤثرة تثير تساؤلات جدية حول مستقبل العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، موضحة أن تلك العلاقة ارتكزت على ثلاث ركائز بالغة الأهمية ترتبط ارتباطًا وثيقا: القيم المشتركة، والمصالح المشتركة، وقاعدة قوية من الدعم المحلي. واليوم، يتعرض كل من هذه الركائز لضغوط أكبر ربما من أي وقت آخر في تاريخ العلاقة.
أولا، لا تتقاسم الإدارة الأمريكية ومعظم الأمريكيين القيم مع الحكومة اليمينية الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل. وحتى قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر، اتبعت حكومة نتنياهو سياسات تتعارض مع القيم والمصالح الأمريكية - ولا سيما اقتراح الإصلاح القضائي الذي يُنظر إليه على أنه محاولة للحد بشدة من سلطة القضاء الإسرائيلي، وخاصة المحكمة العليا. وبدا أن طموحات التحالف تقوض التزام إسرائيل بالديمقراطية، بحسب التقرير.
وأشارت المجلة إلى أن نتنياهو أعطى صلاحيات واسعة لوزيرين متطرفين وصفا نفسيهما بالعنصريين والمتعصبين لليهود. لقد أعلنا صراحة عن نيتهما تعزيز سياسات الضم في الضفة الغربية وإجبار الفلسطينيين على اختيار الإذعان لحياة سياسية من الدرجة الثانية، أو المنفى، أو الصراع. وقد بارك هذا الجهد رئيس وزراء يحاكم بتهمة الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة وكان بحاجة إلى تلبية احتياجات المتطرفين من أجل البقاء في السلطة.
ثانيا، ذكرت المجلة أنه على مدى العقود العديدة الماضية، شهد المشهد السياسي الأمريكي تغيرا أيضا. لا يزال دعم الحزبين الجمهوري والديمقراطي لإسرائيل قويا، لكن الجمهوريين والديمقراطيين منقسمون أكثر من أي وقت مضى حول نوع إسرائيل الذي ينبغي عليهم دعمه. لقد أصبح الحزب الجمهوري بشكل عام هو حزب إسرائيل الذي لا يستطيع أن يخطئ. لقد كثف دونالد ترامب والحزب الذي أصبح تحت سيطرته روابطهما مع نتنياهو الراغب وحكومته اليمينية. فالديمقراطيون منقسمون على نحو متزايد، مع وجود عدد صغير ولكن متزايد من التقدميين الذين يريدون فرض قيود وتكاليف على حكومة نتنياهو بسبب معاملتها للفلسطينيين.
وأفادت المجلة بأنه قبل عقد من الزمن، لم يكن من الممكن أن يتصور أعضاء مجلس الشيوخ كريس مورفي، وكريس كونز، وكريس فان هولين أن يضغطوا علانية على هذا المسار. وفي خطاب استثنائي ألقاه زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، أبرز مؤيدي إسرائيل في الكونغرس، دعا إلى إجراء انتخابات جديدة وحكومة جديدة.
ووفقا للمجلة، فإنه مثل العديد من القضايا في السياسة الأمريكية، أصبحت إسرائيل قضية مثيرة للخلاف، ما دفع إدارة بايدن إلى السير على خط ضيق بين الجمهوريين الذين يريدون دعما غير مشروط لإسرائيل والعديد من الديمقراطيين الذين يضغطون من أجل فرض بعض الشروط على المساعدات.
ثالثا، خلافا لأي حرب عربية إسرائيلية سابقة ـ وعلى نحو مخالف للحدس ـ كان الطابع الفريد للحرب بين إسرائيل وحماس سببا في تعميق الانقسام الداخلي، كما تقول المجلة.
وذكرت "فورين بوليسي"، أن "الأمر يبدو كما لو أن المتظاهرين نسوا هجوم حماس على إسرائيل، وبدلا من ذلك، يركز المتظاهرون فقط على الرد الإسرائيلي".
ووفقا للمجلة، فإنه بالنسبة لإدارة بايدن، كان هذا الأمر بمثابة مشكلة، لأنها تدعم فكرة إضعاف حماس إلى درجة لا يمكن أن تتكرر فيها أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر ولا يمكنها استئناف حكم قطاع غزة، لكنها تعارض بشدة استراتيجية وتكتيكات إسرائيل التي تسببت في مقتل الآلاف من المدنيين الفلسطينيين وتدمير جزء كبير من البنية التحتية في غزة. وكانت النتيجة كابوسًا إنسانيًا – كان ينبغي لإسرائيل أن تتوقعه وتتعامل معه، لكن إسرائيل قابلته بردود فعل بطيئة وغير فعالة. وبعد مرور سبعة أشهر، تفاقمت الأزمة الإنسانية: فقد أدى نزوح الغالبية العظمى من سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة إلى تركهم دون إمكانية الحصول على المأوى الملائم والمياه والغذاء والرعاية الطبية.
وأوضحت المجلة أن هناك ثلاث قضايا قسمت إسرائيل وإدارة بايدن نتيجة للسياسات والإجراءات الإسرائيلية، وهي: كيفية شن حملة عسكرية تقلل من الخسائر في صفوف المدنيين، وكيفية ضمان تقديم المساعدة الكافية لمنع وقوع كارثة إنسانية، وماذا يحدث في اليوم التالي لانتهاء القتال.
ولم تقدم إسرائيل ردا كافيا على طلب الإدارة بشأن الخطط. وفي الواقع، فقد ضاعف نتنياهو معارضته لأي خطة واقعية لرفح - أو غزة بشكل عام - ما دفع وزير دفاعه والبعض داخل الجيش الإسرائيلي إلى التحدث علنًا ضد انحراف سياسة الحكومة.
ولفتت الصحيفة إلى أنه من المرجح أن يجد نظام التشغيل الأمريكي الإسرائيلي طريقة لإدارة هذه القضايا أو التعامل معها بطريقة مشوشة - خاصة في عام الانتخابات - دون انقطاع أو شرخ مستدام في العلاقة.
وطرحت المجلة عددا من التساؤلات أبرزها: ما هي خطوط الاتجاه؟ وإلى أي مدى تضررت صورة إسرائيل وعلامتها التجارية بشكل جوهري، سواء في الولايات المتحدة أو على المستوى الدولي، نتيجة للطريقة التي خاضت بها الحرب مع حماس؟ فهل سيستمر تقارب القيم، وهو الرابط الحقيقي الذي يربط البلدين معًا؟ وهل يستطيع مفهوم القيم المشتركة المتضرر الآن أن ينجو من الانجراف نحو اليمين في السياسة الإسرائيلية، والاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ 57 سنة للضفة الغربية والقدس الشرقية، وسخط العديد من مواطني إسرائيل الفلسطينيين البالغ عددهم مليوني مواطن والذين يعيشون في ظل ديمقراطية تفضيلية لا تحترم حقوق الإنسان؟ ألا نمنحهم نفس المعاملة التي يحظى بها المواطنون اليهود؟ فهل ستتطور البيئة السياسية في الولايات المتحدة إلى النقطة التي يتساءل فيها عدد متزايد من الشباب الأمريكيين عما إذا كانت إسرائيل تشكل عبئًا أكثر من كونها فائدة لمصالح الولايات المتحدة؟
واختتمت المجلة تقريرها مبينة أن هذه أسئلة تبقى دون إجابات جيدة. ولا توجد طريقة للتنبؤ بأي قدر من اليقين أو الدقة بمسار العلاقات الأمريكية الإسرائيلية. فلا يوجد عنصر واحد يمكن أن يكون حاسما، ولكن هناك شيء واحد يبدو واضحًا تمامًا: تغيير القيادة في إسرائيل سيكون مكانا جيدا للبدء.
وشددت على أنه ينبغي على "الإسرائيليين أن يكفوا عن الاعتقاد بأنهم قادرون على الحصول على السلام والأمن الذين يستحقونهم من دون مواجهة العواقب المترتبة على الاحتلال، ويتعين علينا أن نرى ما إذا كانت الصدمة والألم الذي حدث في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، والحرب التي تبدو بلا نهاية بين إسرائيل وحماس، سوف تجعلهم أقرب إلى هذه الإدراكات".