ملفات وتقارير

كيف تحوّل العرب من "أصحاب القضية الفلسطينية" إلى وُسطاء فيها؟

شنّت قوات الاحتلال قصفا عنيفا على أجزاء واسعة من مدينة النصيرات ومخيمها- الأناضول
"لماذا لم تنتفض الجامعات في الدول العربية، على غرار باقي الجامعات الأمريكية؟" بهذا السؤال انطلق آدم، وهو شاب أمريكي، يدرس في جامعة "دوك" الأمريكية، قدِم للمغرب في زيارة مع زملائه، رفقة أستاذ لهم في العلوم السياسية والعلاقات الدولية.

التقى آدم مع عدد من الطلبة الفلسطينيين، والطلبة المغاربة، في الرباط، في لقاء خاص، للنقاش بخصوص جدوى المظاهرات ومقاطعة كافة منتجات الاحتلال الإسرائيلي، وصولا للسؤال الذي فرض نفسه: كيف تحوّل العرب من أصحاب للقضية الفلسطينية إلى وسطاء فيها؟

ويضيف آدم، في حديثه لـ"عربي21": "أنا أمريكي من أصل مصري، وُلدت وأعيش في أمريكا، صدقا مع اشتعال حدّة الإبادة الجماعية للأهالي في غزة، على يد الاحتلال الإسرائيلي، والصمت المُطبق عن الحلول من طرف الدول العربية، أصبحت أخجل من الكشف عن أصلي العربي، في الكثير من الحالات".

ويواصل الاحتلال الإسرائيلي، حربه الهوجاء، على كامل قطاع غزة المحاصر، لليوم الـ246 على التوالي، متعمدا استهداف المدنيين والمنازل المأهولة، في حين بات قادة الاحتلال ضمن لائحة "العار" التي أدرجت الأمم المتحدة، "إسرائيل" فيها، إثر الجرائم المتواصلة بحق الأطفال الفلسطينيين.

من "إخوة" لـ"وُسطاء" 
الأردن ومصر والسعودية والإمارات وقطر، هي خمس دول عربية، أكّدت دعمها لـ"جهود الوساطة" بخصوص الأزمة التي تعيش في ظلّها غزة، لأزيد من ثمانية أشهر، داعية إلى التعامل بما وصفته بـ"جدية وإيجابية" مع مقترح الرئيس الأمريكي، جو بايدن، للاتفاق على "صفقة" تضمن وقفا دائما لإطلاق النار.

وعبر اجتماع افتراضي، ناقشت هذه الدول، خلال الأيام القليلة الماضية، تطورات الوساطة التي تقوم بها مصر وقطر والولايات المتحدة الأمريكية، من أجل التوصل لصفقة تبادل تفضي إلى وقف دائم لإطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى والمحتجزين، وإدخال المساعدات بشكل كاف إلى قطاع غزة.

وأكدوا على "ضرورة وقف العدوان على غزة وإنهاء الكارثة الإنسانية التي يسببها، وعودة النازحين إلى مناطقهم، وانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي بشكل كامل من القطاع، وإطلاق عملية إعادة إعمار في إطار خطة شاملة لتنفيذ حل الدولتين وفق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وبتواقيت محددة وضمانات ملزمة".

واعتبر وزراء خارجية الدول الخمس "أن تنفيذ حل الدولتين الذي يجسد الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على خطوط الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية لتعيش بأمن وسلام إلى جانب إسرائيل، وفق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، هو سبيل تحقيق الأمن والسلام للجميع في المنطقة". وهو ما جعل عددا من رواد مختلف منصات التواصل الاجتماعي، يبرزون غضبهم المُتنامي مما وصفوه بـ"بيانات البؤس".


ورصدت "عربي21" أنه بعد ما يناهز ثمانية أشهر من الحرب الشرسة على قطاع غزة، بات الغضب والشعور باليأس من الدول العربية، يتصاعد على مختلف هذه المنصات، خاصّة من الشباب الفلسطينيين أنفسهم، ممّن يعبّرون عن خيبة أملهم من مواقف الدول العربية، فيما يطالبون بشكل مُتسارع بالتحرّك الحقيقي لوقف الإبادة الجماعية التي يعيش على إيقاعها كافة المتواجدين بقطاع غزة.

وأشار عدد من المتفاعلين، إلى أنه: "منذ أول جلسة أعمال لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية، الأربعاء 11 أكتوبر الماضي، في القاهرة، لبحث سبل التحرك السياسي على المستوى العربي والدولي لوقف التصعيد في الأراضي الفلسطينية ووقف استهداف المدنيين، والدول العربية لا تفعل شيئا أكثر من البيانات الفضفاضة، الفارغة من التدخل الفعلي لوقف الحرب على غزة". 




أين القانون الدولي؟ 
في كل اجتماع لهم، يؤكد وزراء الخارجية العرب، على "أهمية وفاء إسرائيل بالتزاماتها بموجب القانون الدولي باعتبارها قوة احتلال للفلسطينيين"، وهو ما تكشف الصور ومقاطع الفيديو الآتية من قطاع غزة، على الضرب بها عرض الحائط، دون أي اعتبار لها.

كذلك، كان قد أكّد البيان الختامي لاجتماع وزراء الخارجية العرب، على: "وقف جميع إجراءاتها اللاشرعية التي تكرس الاحتلال وتقوض حل الدولتين وفرص تحقيق السلام العادل والشامل، بما في ذلك بناء المستوطنات وتوسيعها، ومصادرة الأراضي وتهجير الفلسطينيين من بيوتهم، والعمليات العسكرية ضد المدن والمخيمات الفلسطينية، والاعتداء على المقدسات الإسلامية والمسيحية" وهو ما تم تجاهله أيضا من دولة الاحتلال الإسرائيلي.

في المقابل، تكشف الصور ومقاطع الفيديو التي يتم تداولها، منذ ما يُناهز ثمانية أشهر، استهداف الاحتلال الإسرائيلي للمدنيين من النساء والأطفال والكبار في السن، وأيضا الأطباء والمسعفين والإعلاميين، وغيرهم من الفئات، التي تجرّم القوانين الدولية استهدافهم في الحروب.

كذلك، تم التسّوية أرضا بكل من المشافي والمدارس والمنازل والمساجد والكنائس، والأسواق والمخابز.. وهي كذلك من الأماكن التي يتم تجريم الاقتراب منها في الحروب، بحسب القوانين الدولية الإنسانية التي تم الضرب بها عرض الحائط.

هنا رفح.. 
"مضطرين من الهرب، لا مُخيّرين" هكذا تُبرّر جلّ الأهالي تواجدها على مقربة من الحدود المصرية؛ فيما يشكو عدد آخر من الأهالي المجبرين على النزوح، ندرة التغذية، وتفشّي الأمراض؛ حيث إن أغلبهم يفتقر حتى لخيمة قد تؤويه جزئيا، فظل يفترش العراء، والقصف حول المكان لا يهدأ.

وتفاعلا مع الحدث الجلل، أينما ولّيت وجهك على منصات التواصل الاجتماعي، تجد وسما أو منشورا أو صورة للنداء العاجل، لفتح معبر رفح، وهو المنفذ البرّي الوحيد بين قطاع غزة المحاصر في فلسطين، وشبه جزيرة سيناء في مصر، مستخدمين وسم: "افتحوا معبر رفح".

وفي رده، على الحملة الرقمية، كان رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، قد قال: "أروح من ربنا فين لو أنا السبب، لو أنا ما دخلش لقمة عيش أقدر أدخلها لغزة، أروح من ربنا فين؛ معبر رفح مفتوح 7 أيام 24 ساعة في 30 يوم"، وبعدها بأشهر طويلة، بات الوضع الإنساني في رفح، أكثر تدهورا، ولا من مُستجيب.

كذلك، كان الفريق القانوني لدولة الاحتلال الإسرائيلي، في محكمة العدل الدولية، قد حمّل مصر المسؤولية الكاملة عن معبر رفح، زاعما أن جانب الاحتلال لم يمنع دخول المساعدات. وهو ما أشعل فتيل المظاهرات، أكثر، وكذا تسارعت المنشورات على مختلف المنصات، المنددة باستمرار إغلاق "منفذ عيش الغزّاويين"، عبر استخدام وسم "افتحوا المعبر لدخول المساعدات".

وفي حديثه لـ"عربي21" قال المختص في القانون الدولي، عبد القادر العزة: "في ظل الأوضاع الراهنة، وجرائم الاحتلال المستمرة، فإن فتح معبر رفح بانتظام يمكن أن يُخفّف معاناة الشعب الفلسطيني المحاصر؛ وهذا ما يتطلب بالتأكيد التعاون بين جميع الجهات الدولية، لضمان تحقيق الأهداف الإنسانية والاقتصادية والسياسية المرتبطة به".

وبيّن العزة، الحاصل على شهادة دكتوراه في الحقوق القانونية والسياسية للاجئين الفلسطينيين، أن "هناك تخوفات مصرية تتعلق بفتح المعبر بشكل دائم من أجل دخول المساعدات، وتشمل: أولا، حماية الأمن القومي المصري، فمصر تخشى من أن فتح المعبر بشكل كامل في الوقت الحالي قد يؤدي إلى انتقال المقاومة إلى الأراضي المصرية، ما يمكن أن يزيد من التوتر في المنطقة".

وأشار إلى أن "مصر تعتزم الحفاظ على توازن علاقاتها مع الأطراف المختلفة في المنطقة، بما في ذلك السلطة الفلسطينية وحماس في قطاع غزة، وحتى مع الجانب الإسرائيلي"، مردفا: "إن فتح المعبر بالنسبة للجانب المصري في الوقت الحالي، قد يعني أن مصر ستكون مسؤولة عن الفلسطينيين اللاجئين إلى أراضيها، وتنفيذ المخطط الصهيوني بإعادة التوطين الدائم لمئات الآلاف من الفلسطينيين من أبناء قطاع غزة".

وسط تضامن غربي.. أين العرب؟ 
منذ أشهر، نعيش على إيقاع ما يوصف بـ"موجة احتجاج عارمة"، أحيانا تشلّ الشوارع، وأحيانا أخرى لا يحضرها إلاّ العشرات، فيما تواصل عدد من الدول الغربية احتجاجاتها الواسعة، استنكارا لعُدوان الاحتلال الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، الذي دمّر الحجر والبشر، وكسّر كافة القوانين الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان.



وجوابا على سؤال "عربي21" كيف تحوّل العرب من أصحاب للقضية إلى وُسطاء فيها؟ قال المحلل السياسي المُختص في العلاقات الدولية، حسن بلوان، "وسط تضامن غربي غير مسبوق، وموقف عربي يترنّح بين الضعف والاحتشام والتخاذل والتواطؤ، تتواصل الأحداث المرعبة في قطاع غزة، جرّاء حرب الإبادة الجماعية التي تقوم بها دولة الاحتلال الإسرائيلي في حق المدنيين العزّل".

وأضاف بلوان: "رغم بشاعة المجازر الدموية التي يقودها جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة إلا أن التعاطف الدولي أصبح حقيقة تؤرق دولة الاحتلال الإسرائيلي، وتزيد من عُزلتها ولا شك أن لها تداعيات إيجابية على مستقبل القضية الفلسطينية"، فيما استفسر بدوره: "ما موقف وموقع العرب من استمرار الحرب المجنونة في غزة؟ هل فقد العرب كل وسائل المبادرة والضغط لوقفها؟".

وأردف المتحدث لـ"عربي21": "عمليا قام العرب بمجموعة من التحركات قادتها العربية السعودية من خلال قمم عربية وإسلامية، وكذلك زيارات مكوكية لمجموعة من العواصم المؤثّرة عالميا، لكن الحصيلة كانت صفرية، وزادت من التعنّت الإسرائيلي الذي وضع أهدافا عجز عن تحقيقها، رغم مرور 8 أشهر، على بداية الغزو والدعم الغربي غير المسبوق عسكريا وإعلاميا واقتصاديا، وسياسيا، ودبلوماسيا".

"فشل العرب في وقف الحرب، لغياب موقف واحد وموحّد واضح عند الأطراف العربية، وتزايد الانقسامات البينية وتباعد وجهات النظر، بالاضافة إلى ارتهان معظم الدول العربية إلى أجندات أجنبية" يؤكد لمحلل سياسي المُختص في العلاقات الدولية.

وتابع: "فشل العرب باحتضار ما يسمّى بالإجماع العربي في قضيته المصيرية، وهي قضية فلسطين، مع تزايد الخلافات والنزاعات العربية وإنهاك الجامعة العربية بالاقتتال الداخلي، وتفشّي الفكر الانفصالي والإرهابي المتطرف المدعوم عربيا، لذلك كان الموقف من الحرب على غزة ضعيفا وبعيدا عن الشرف العربي".

واسترسل: "فشل العرب في التعاطي الإيجابي مع غزة ناتج أساسا عن اختلال توازن القوى العالمية، واستمرار الهيمنة الأمريكية على مجلس الأمن التي استخدمت حق النقض الفيتو لأكثر من مرة حماية لدولة الاحتلال الإسرائيلي أو ضد وقف العدوان النازي على غزة"، مبرزا أنه "رغم صور الهوان لا يمكن أن ننكر الجهود التي تبذلها المجموعة العربية في مجلس الأمن أو الجمعية العامة التي زادت الدول المعترفة بفلسطين وبينها دول أوروبية مؤثرة".

جهود غير كافية
"لكن يبقى الإنجاز الأهم رغم أنه غير كاف، هو منع الدول العربية حصول نكبة جديدة بتهجير الفلسطينيين من غزة رغم الحصيلة الثقيلة والمؤلمة في سقوط الأبرياء من الأطفال والنساء ومظاهر التجويع والتشريد والقتل الجماعي" يقول المتحدث نفسه لـ"عربي21".

ويضيف: "رغم أن انتظارات الشعوب العربية كبيرة، إلا أن هناك دولا عربية على رأسها قطر ومصر، قد نجحت أكثر من مرة في جهود الوساطة للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى، وإدخال المساعدات، رغم أنها غير كافية".

وختم بلوان، حديثه لـ"عربي21" مؤكدا أن "الموقف العربي، يتّسم بالهامشية أمام اللاعبين الدوليين، وأمام الصلف الإسرائيلي الذي تقوده حكومة يمينية متطرفة متعطّشة لدماء الفلسطينيين، ولا تهتم لا بالجوار العربي أو السلام والأمن في الشرق الأوسط".

إلى ذلك، أطلقت حركة "حماس"، فجر السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، عملية "طوفان الأقصى"، ردا على "اعتداءات القوات والمستوطنين الإسرائيليين المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني وممتلكاته ومقدساته، ولا سيما المسجد الأقصى في القدس المحتلة".

بدوره، أطلق جيش الاحتلال الإسرائيلي عملية "السيوف الحديدية"، فيما يواصل شن غارات مكثفة على مناطق عديدة في قطاع غزة، الذي يسكنه أكثر من مليوني فلسطيني يعانون من أوضاع معيشية متدهورة، جراء حصار الاحتلال المتواصل منذ 2006.

واليوم السبت، شنّت قوات الاحتلال، قصفا عنيفا على أجزاء واسعة من مدينة النصيرات ومخيمها، تسبب في سقوط 15 شهيدا وعشرات الجرحى، بالتزامن مع توغل محدود من الأجزاء الشرقية والشمالية.

وقالت مصادر طبية، إن 15 مواطنا على الأقل، بينهم أطفال ونساء، استشهدوا وأصيب العشرات بجروح، جراء قصف الاحتلال المحافظة الوسطى، طال سوق النصيرات المركزي، في حين قال شهود عيان، إن عشرات الشهداء والجرحى في المناطق التي استهدفتها قوات الاحتلال لم يجر انتشالهم حتى الآن بسبب ضراوة القصف.