اقتصاد دولي

تحذيرات من أزمة مالية وشيكة في الولايات المتحدة.. 5 أسباب

القاعدة الأساسية في تقييم المخاطر المحيطة بقطاع المال هي أنه كلما بقيت أسعار الفائدة مرتفعة زاد خطر حدوث انهيار مالي- جيتي
يواجه اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية تحديات وأزمة مالية حادة، في ظل تزايد مؤشرات الخطر، والتوقعات بانخفاض قيمة العديد من الأصول، وطرق التمويل الغامضة، والعجز الهائل، إلى جانب ارتفاع التضخم ومعدلات الفائدة.

وقالت صحيفة "لوموند" الفرنسية في تقرير ترجمته "عربي21"، إن القاعدة الأساسية في تقييم المخاطر المحيطة بقطاع المال هي أنه: كلما بقيت أسعار الفائدة مرتفعة زاد خطر حدوث انهيار مالي، ولئن كانت فترة ولاية جو بايدن قد بدأت بعودة مستويات قياسية من التضخم لم تشهدها أمريكا منذ ثلاثة عقود، فإنها قد تنتهي بأزمة مالية خانقة".

وتوضح الصحيفة أن بوادر هذا الخطر تتمثل في أزمة تراجع الطلب على المكاتب، ورأس المال الاستثماري ومخاطر الديون المدرجة وفقاعة الذكاء الاصطناعي في وول ستريت والعجز الهائل. 
ورغم أن هذه الإشارات لا تزال ضعيفة، فإن تعددها وتصاعدها يثير مخاوف من عاصفة مالية في الولايات المتحدة، بسبب هذه الظواهر التي يعتبرها الخبراء "سوسا ينخر عظام القطاع المالي".

وتشير الصحيفة إلى أن هذا القطاع كان قد شهد مقدمة لهذه التطورات، ففي آذار/ مارس 2023 انهارت البنوك الإقليمية واحدا تلو الآخر بسبب ارتكابها أخطاء فادحة، حيث إنها وضعت ودائع عملائها في استثمارات على المدى الطويل، ثم تفاجأ الجميع بارتفاع نسب الفائدة، ما دفع هؤلاء العملاء لسحب ودائعهم والبحث عن أرباح قصيرة المدى مساوية للنسبة التي قدمها الاحتياطي الفيدرالي والمتمثلة في 5.25 بالمئة سنويا، على عكس أرباح الاستثمارات طويلة المدى التي انخفضت بشكل لافت.

وفي تلك الفترة، كان بنك الاحتياطي الفيدرالي وبنك "جي بي مورغان" قد تدخلا لإخماد الحريق وتجنب الكارثة، ولكن اليوم بعد عام كامل لا تزال معدلات الفائدة المرتفعة تلقي بظلالها على هذا القطاع، وقد أثبتت التجارب السابقة أن الانهيارات تحدث على حين غرة وبشكل مخالف لتوقعات الخبراء، لأن النظام المالي مصمم بطريقة غامضة ولا يسمح بتقييم المخاطر المالية بشكل شفاف.

وتوضح الصحيفة أن مؤشر الخطر الأول على هذه الأزمة هو العقارات المكتبية؛ حيث إن العشرية الثانية من القرن العشرين شهدت شغفا كبيرا في بناء المكاتب، ولكن مع تفشي فيروس كورونا والتحول إلى العمل عن بعد، خاصة في المدن الكبرى والمكلفة التي يُعد فيها الإيجار مكلفا، مثل نيويورك وسان فرانسيسكو وشيكاغو، فقد باتت الآن أكثر من 110 ملايين متر مربع من المكاتب خالية من المستأجرين، وهو ما وضع المستثمرين في هذا المجال في ورطة بين انخفاض أسعار الإيجار وخلو أغلب المكاتب، وارتفاع نسب الفائدة.

وأضافت الصحيفة أنه الآن يجب على المستثمرين في هذا المجال سداد 18 مليار دولار من القروض خلال الاثني عشر شهرا المقبلة، وهو ضعف ما كان عليه الحال في 2023.

 وبحسب تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال؛ فإن 35 بالمئة فقط من أقساط القروض تم تسديدها في موعدها في 2024، في مقابل نسبة 99 بالمئة خلال نفس الفترة من 2021. وبهذه النسبة - التي تعد أسوأ من 37 بالمئة التي تم تسجيلها في 2009 في أعقاب الأزمة المالية الكبرى - يُثار توتر كبير في الأوساط المالية الأمريكية.

توقعات قوية بحدوث انخفاضات
وذكرت الصحيفة أن مجلس الإشراف على الاستقرار المالي في الولايات المتحدة الأمريكية - الذي تم إنشاؤه لأغراض رقابية بعد أزمة 2008 - أعرب في تقريره لعام 2023، عن قلقه من المخاطر المحتملة على الاستقرار إذا واصلت الاستثمارات مواجهة صعوبات عامة.

 ومن الأمثلة على ذلك ما حدث مع برج مانهاتن الموجود في شارع برودواي في نيويورك؛ حيث تم شراؤه في 2014 من طرف مجموعة بلاكستون مقابل 605 ملايين دولار، وتم التفريط فيه في نهاية أبريل/ نيسان الماضي مقابل 185 مليون دولار، وهو ما يعني خسائر فادحة لمن استثمروا في هذه العملية.

مخاطر القروض الخاصة
وتلفت الصحيفة إلى القروض الخاصة، وهو المصطلح الذي يشير إلى القروض المقدمة لشركات صغيرة لدرجة أنها لا يمكنها إصدار سندات مدرجة في البورصة، وليست صغيرة بما يكفي لطلب قروض من البنوك. 

وهذه السوق التي ظهرت منذ حوالي 30 عاما كانت غالبا مربحة جدا للمستثمرين العارفين بخباياها، وسمحت لهم بمضاعفة استثماراتهم ثماني مرات منذ العام 2001. وقد أعلن بنك "غولدمان ساكس" أنه جمع أكثر من عشرين مليار دولار لخط تمويل الاستثمارات في القروض الخاصة، وهو ينوي ضخ مبلغ يتراوح بين 130 و300 مليار دولار في أنشطته في هذا القطاع خلال الخمس سنوات المقبلة.

وبحسب الصحيفة؛ فإن المشكلة في هذا القطاع هي أنه يفتقد للتوازن، فعند الاستثمار في الأسهم يسترد المستثمر رأس المال ويواصل جني الأرباح، ولكن مع هذه القروض الخاصة يسترد المستثمر المبلغ الذي أقرضه فقط، مع وجود مخاطر كبيرة في حال التخلف عن السداد بسبب الركود وإفلاس الشركات. 

وهذه النقطة بالذات تثير المخاوف في القطاع المالي الأمريكي، لأن القروض كانت هي السبب وراء أزمة عام 2008.

أما المؤشر الثالث الذي تحذر منه الصحيفة فهو قطاع الأسهم الخاصة؛ أي الاستثمار في الشركات غير المدرجة التي أسسها رواد أعمال مثل إيلون ماسك. إذ يحلم الجميع بالاستثمار في هذه الشركات الصاعدة، ولكن الخبراء ينبهون إلى أن تقييم بعضها قبل ارتفاع سعر الفائدة كان مبالغا فيه، وتم ضخ مبالغ خيالية في هذه الشركات من طرف المستثمرين.

بدء المستهلك في التراجع
وبينت الصحيفة أن الشركات الصغيرة لم تستعد مستويات نشاطها الاقتصادي السابقة لعام 2021، وهي في نفس الوقت تحتاج لدفع أموال المستثمرين خلال السنوات المقبلة. وأغلبها عاجزة عن تحقيق أرباح، وحتى الاكتتابات العامة باتت نادرة.

واختتمت الصحيفة التقرير بالقول إن هذا القلق في القطاع الأمريكي يشمل أيضًا بورصة وول ستريت، التي سجلت أرقاما قياسية بفضل حالة الانتشاء في شركات الذكاء الاصطناعي وتصنيع المعالجات الدقيقة، إلا أن هذا لا يخفي معاناة العديد من الأسهم الأخرى، وخاصة تلك المرتبطة مباشرة بالمستهلك الأمريكي؛ حيث إن شركات مثل ماكدونالدز اضطرت لتخفيض أسعار الوجبات التي تقدمها إلى مستوى خمسة دولارات، ونفس الشيء لصيدليات ولغرينز والخطوط الجوية الأمريكية.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع