شدد الإمام والخطيب الفرنسي نور الدين أوسات، على أن صمت حاخامات
فرنسا إزاء عدوان
الاحتلال الإسرائيلي المتواصل على الشعب
الفلسطيني في
غزة "أمر لا يحتمل"، مشيرا إلى أن مستقبل البشرية جمعاء رهن لما يحدث في القطاع من هجمية لم يسبق لها مثيل منذ قرون.
وقال أوسات في رسالة مفتوحة إلى حاخام فرنسا الأكبر حاييم كورسيا، عبر مدونته بموقع "
ميديا بارت" المفتوحة للرأي العام، إن "ما يحدث حالياً في غزة من همجية لم يسبق لها مثيل منذ قرون، في نظر العديد من المراقبين الذين ليس لديهم أي صلة خاصة بالإسرائيليين أو الفلسطينيين، ينطوي على مستقبل البشرية جمعاء. وما يجعل مأساة غزة فريدة من نوعها في التاريخ المعاصر هو أن هذه الحرب الانتقامية والإجرامية بشكل خاص تجري فعلياً أمام أعين الكوكب بأكمله".
وأضاف أنه "في مواجهة المذبحة المروعة التي تحدث حاليا في غزة، والهمجية التي لم يسبق لها مثيل منذ قرون، كان صمت حاخامات فرنسا، وعلى رأسهم الحاخام الأكبر، منذ الأسابيع الأولى، إشكاليا، ومع مرور الوقت بعد ما يقرب من 8 أشهر من حرب قصدها الإبادة الجماعية، يصبح هذا الصمت أمرا غير محتمل".
وأشار إلى أنه "منذ 230 يوما تقريبا، يتعرض السكان المدنيون الفلسطينيون في غزة لطوفان من النيران الجهنمية. وبحسب آخر الأرقام، فقد بلغ عدد الوفيات أكثر من 35 ألف شخص، 50 إلى 60 بالمئة منهم من النساء والأطفال. كما أن هذه التفجيرات التي تنفذ بشكل عشوائي ومن دون انقطاع على قطاع غزة تسببت بأضرار مادية في صفوف المدنيين، وهو أمر لم تشهده الإنسانية منذ فترة طويلة. وبعد 90 يوما فقط من بدء غزو غزة، كان هناك 90 مدرسة وجامعة خارج الخدمة تماما؛ وتم تدمير 102 سيارة إسعاف؛ 114 مسجدًا دُمر بالكامل، بالإضافة إلى ثلاث كنائس متضررة جدًا".
وتابع نور الدين أوسات في رسالته، أنه "من المؤكد أنه في الماضي القريب، كانت هناك بالفعل هجمات مميتة شنها الجيش الإسرائيلي ضد السكان المدنيين في غزة (ثلاثة عشر هجومًا بين عامي 2008 و2020). يمكننا أن نفترض أنها في كل مرة كانت سريعة ومختصرة نسبيا، وبالتالي لم تترك الوقت للحاخامات للتعليق عليها. ولكن عندما تستمر المأساة لعدة أشهر ويصل عدد الضحايا إلى هذه النسب، فمن الواضح أن هذا الصمت يصبح صاخبا للغاية، بل ويصم الآذان".
وشدد على أنه "في مواقف معينة، نحن نكشف عن آرائنا في كثير من الأحيان من خلال صمتنا أكثر من خلال كلماتنا، كما كتب الشاعر كونستانس دي ثيس، في كتابه أفكار متنوعة عام 1835".
وقال الإمام الفرنسي مخاطبا حاخام فرنسا الأكبر: "اسمح لي، أن أخبرك لماذا أرسل إليك. أنا واحد من بين أكثر من ألف وخمسمائة إمام يعملون في فرنسا. عمري 63 عامًا ولدي خلفية دينية وعلمانية مزدوجة. لقد قمت بإمامة صلاة الجمعة الكبرى في العديد من المساجد في إيل دو فرانس منذ ما يقرب من ثمانية وثلاثين عاما. إن تعليمي وتدريبي الديني وخلفيتي الأكاديمية وفكري المدني يقودني إلى التمييز بشكل واضح جدا بين الإسرائيلي واليهودي والصهيوني. وما زلت اليوم، كما هو الحال دائما، أعارض بشدة أي شكل من أشكال معاداة السامية في خطبي".
أضاف: "في إحدى مداخلاتي في الأشهر الأخيرة، أمام إخواني في الدين، وجدت نفسي أفصح رسميا عن اعتراف قلت فيه، إذا كانت دولة أو أي كيان يدعي أنه إسلامي قد ارتكب ولو عُشر ما ارتكبته دولة إسرائيل، لو ارتكبت جريمة قتل، لكان من المؤكد أننا كنا مئات الأئمة في فرنسا الذين كانوا سيشعرون بالغضب والتنصل منا بشكل لا لبس فيه".
وأشار نور الدين أوسات، إلى أن المقصود من هذه الرسالة ليس التشكيك ولا الإشارة إلى تمسك حاخامات فرنسا أو عدمه بأفكار المستوطنين أو بسياسات اليمين المتطرف الاستعمارية، "ولكن سؤالي أكثر جوهرية وعمقا، فما أتساءل عنه هو عدم القدرة على التعبير عن أدنى قدر من التعاطف مع المأساة التي لا توصف لعشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء، خاصة عندما نقدم أنفسنا بوصفنا رجال الله. إنه بالتأكيد أمر مخيف".
كما انتقد ما أظهره الحاخام من عدم موضوعية في حديثه عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على قناة "بي إف إم"، مشيرا إلى أنه استخدم جدلية مذهلة لتجنب التعبير عن التعاطف الذي كان سيشرفه، ولم يخرج من عدم مبالاته بمعاناة المدنيين الفلسطينيين حتى عندما سأله مدير البرنامج مباشرة عما إذا كان يشعر بالحزن على الضحايا المدنيين الفلسطينيين ليجيب بالقول "من يستطيع أن يفرح بالضحايا؟ من يستطيع أن يسعد بالضحايا المدنيين الذين هم أنفسهم رهائن لدى حماس!".
وأوضح الإمام الفرنسي أنه "عندما يسقط جيش على سكان مدنيين متجمعين بكثافة في منطقة صغيرة، في غضون أسابيع قليلة، ما يعادل ضعف قنبلة هيروشيما في عبوة ناسفة؛ لا يمكننا أن نتحدث عن حرب عادلة، سيدي الحاخام الأكبر لفرنسا. عندما يتم إسقاط آلاف القنابل من طراز مارك 84 التي تزن 2000 رطل، مما يتسبب في دمار منازل السكان الفلسطينيين؛ إنه لمن قبيل الهراء والسخافة أن نتحدث عن "حرب عادلة"".
واختتم رسالته إلى حاخام فرنسا، بالإشارة إلى أنه "مع الآلاف من إخوانه في الدين من مسلمي فرنسا، يدعون الحاخام الأكبر إلى موجة من الإنسانية والعدالة في مواجهة مثل هذا الوضع المأساوي الذي تشهده فلسطين، من دون أن يتجاهلوا آلام ومعاناة يهود إسرائيل الذين يتطلعون إلى السلام"، حسب قوله.