أصدرت محكمة
العدل الدولية قرارا طلبت فيه من الاحتلال الإسرائيلي الوقف الفوري للهجوم على
رفح جنوب قطاع
غزة، وفتح المعبر بين القطاع ومصر، وذلك بعد موافقة 13 قاضيا ومعارضة اثنين فقط.
وللتعليق على هذا القرار فقد أجرت "عربي21" حوارا خاص مع الخبير في القانون الدولي الدكتور أنيس القاسم، والذي أكد أن هذا القرار "جيد جدا" لأنه طلب وقف الهجوم بشكل فوري، والأهم أنه طلب السماح بدخول لجان تحقيق إلى قطاع غزة.
ولفت القاسم إلى أنه يمكن لجنوب أفريقيا في حال استخدمت واشنطن حق النقض الفيتو ضد قرار العدل الدولية في مجلس الأمن، التوجه للجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي يمكن من خلالها إصدار عدة قرارات ضد الاحتلال منها قطع العلاقات والتعاون في شتى المجالات.
وحول احتمالية تهديد واشنطن للعدل الدولية كما فعلت مع الجنائية الدولية، فقد أكد القاسم أن واشنطن فعلت ذلك مع الجنائية لخوفها على نفسها، فهي تخاف أن تكون الدولة التالية بعد الاحتلال وتتم محاكمتها في المحكمتين بسبب جرائمها في العراق وأفغانستان.
وتاليا نص الحوار:
ماذا يعني قرار العدل الدولية الداعي إلى وقف فوري للهجوم على رفح؟
كما ورد في القرار هناك أمر فوري بوقف الهجوم على رفح وفتح معبر رفح وإدخال المعونات والسماح بإدخال لجان تحقيق لقطاع غزة وهذا مهم الآن بسبب وجود مقابر جماعية يتم اكتشافها، لأن الإسرائيليين دفنوا مواطنين
فلسطينيين بعد تعذيبهم وإطلاق النار عليهم، بمعنى إعدامات ميدانية وهذه جريمة كبرى، وهذا الأمر مهم.
بالتالي فالقرار الصادر عن المحكمة اليوم قرار جيد بل أقول إنه جيد جدا، لأنه استخدم لغة أقوى من المرات السابقة، حيث جاء النص بصيغة الأمر "أوقفوا"، والقرارات كلها صدرت بأغلبية 13 صوتا وهذه نسبة عالية جدا.
وهذا يدل على أن كافة المدارس الفقهية القانونية في العالم مع القرار، بطبيعة الحال رغم معارضة قاضيين للقرار، لكن معارضة القاضية الغامبية للقرار هي معارضة نعرفها من قبل في القرارات الأولى، ولها وجهة نظر تختلف كليا، فهي تعتقد أن القضية الفلسطينية سياسية وليست قانونية.
أما القاضي الثاني الذي عارض القرار، فهو القاضي الإسرائيلي وهو الذي شرّع وشرعن التمييز العنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة، يعني هو أستاذ في التمييز العنصري، وبالتالي لا أستغرب مواقفه المنحازة للعدوان والجرائم الإسرائيلية، وهو نفسه حينما كان رئيسا للمحكمة العليا في إسرائيل كان يستخدم المحكمة لتوظيفها في خدمة جريمة الأبارتايد في داخل "إسرائيل".
لكن ما إمكانية تنفيذ هذا القرار على أرض الواقع؟
نتنياهو صرح قبل صدور القرار، كذلك له تصريح سابق بأنه لن يلتزم بأي قرارات سواء سياسية أو أممية أو قضائية، وأعتقد أنه سيلتزم بهذا التصريح، وهذا يعني أنه مصمم أن يكون خارجا على القانون، ولا أستغرب ذلك فمن نشاهدهم الآن هناك هم عبارة عن عصابة مجرمين، وعصابة أشرار كما نعرف ما هي عصابة الأشرار في القانون الدولي.
نتنياهو وبن غفير وسموتريتش هؤلاء عصابات، فمثلا بن غفير يقول "سندمر رفح ردا على المحكمة" - يعني كيف تفسر ردود الفعل هذه؟ هؤلاء "زعران" بلطجية فأنت لا تتعامل مع رجال سياسيين أو رجال دولة، بل تتعامل مع زعران، وبن غفير نفسه عليه 7 قضايا "زعرنة" بلطجة في القضاء الإسرائيلي، ونتنياهو لا يختلف كثيرا عنه.
هل يمكن تحويل القرار إلى مجلس الأمن الدولي لتنفيذه، أم إن هناك شروطا لذلك؟
يمكن لجنوب أفريقيا إذا رأت أن إسرائيل تمعن في معارضة هذا القرار أن تذهب إلى مجلس الأمن الدولي، ونحن نعلم أن ذهابها للمجلس سوف يعترضه الفيتو الأمريكي وهذا متوقع.
ولكن هذا لا يقطع الطريق على جنوب أفريقيا ولا على الوفد الفلسطيني في هيئة الأمم المتحدة، بأن يأخذوا هذا القرار للدفع باتجاه استصدار قرارات من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهذه القرارات تبدأ بالطلب بتعليق عضوية إسرائيل في المنظمة الدولية، وسحب الاعترافات السياسية من إسرائيل ومقاطعتها في كافة المعاملات التجارية.
كما أنه يمكن الحض على مقاطعة الفرق الرياضية الإسرائيلية، كذلك سحب الاعترافات والتعاون الأكاديمي بين الجامعات الإسرائيلية ومثيلاتها في العالم وهذا مهم جدا أيضا، وبالتالي يتم عزل إسرائيل.
وإذا لم يكن من الممكن استصدار مثل هذه القرارات من الجمعية العامة – وأنا أعتقد أنه يمكننا الحصول على هذه القرارات - فإننا يجب أن لا نتوقف هنا، فعلى كل دولة أن تتصرف بمفردها وتبادر، كما فعلت نيكاراغوا، حيث قطعت علاقاتها الدبلوماسية وسحبت سفيرها من إسرائيل وسحبت أيضا استثماراتها.. الخ.
بالتالي يمكن لكل دولة فعل ذلك، ونحن نناشد الدول العربية وهي الأقرب بما فيها الدول الإبراهيمية أن تدرس هذا الوضع بدقة وتقرر كيف لها أن تقيم علاقات أو تستأنس بإقامة علاقات مع دولة تُعلن رفضها لمحكمة العدل الدولية؟!
ما أهمية تزامن قرارات العدل الدولية والجنائية الدولية الأخير ضد الاحتلال مع اعتراف ثلاث دول أوروبية بالدولة الفلسطينية؟ وهل يشكل ذلك قوة تدفع الاحتلال لوقف عدوانه على قطاع غزة؟
الاعترافات الدبلوماسية للدول الثلاث هي قرارات جيدة وممتازة، وهذه الدول تُشكر على ما قامت به، وهذا احتضان ودعم للقضية الفلسطينية.. لا شك في ذلك، إلا أنه يجب أن لا نُضخم هذا الموضوع، إلا في حالة واحدة، وهي أن تستخدم هذه الدول نفوذها لدى الدول الأوروبية الأخرى لمقاطعة إسرائيل.
وفي الواقع يمكنني القول دون إجحاف أو جحود لفضل هذه الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية، أنه يهمني أن تقوم هذه الدول بقطع علاقاتها التجارية والاستثمارية والعلمية مع إسرائيل أكثر من اهتمامي باعترافها بفلسطين.
وفي ما يخص صدور قرار العدل الدولية بعد فترة وجيزة من قرار الجنائية، فإنه لا توجد علاقة مباشرة بين المحكمتين، لكن قرارات العدل الدولية التي صدرت اليوم لها وزن وتأثير على قرارات المحكمة الجنائية الدولية، باعتبار أن ما تقوله العدل الدولية يمكن الاستئناس به وليس مُلزما لها، أي الاستئناس بها لدى الجنائية الدولية ومدعيها العام، لأن هذا القرار هو مُلزم فقط لأطرافها، لكن يمكن الاستفادة من الاجتهادات القضائية والتبريرات والشروحات القانونية التي وردت في قرار اليوم في الجنائية الدولية.
لو شاركت الدول العربية مع جنوب أفريقيا في قضيتها ضد الاحتلال في العدل الدولية، هل كان سيمنح ذلك قرار المحكمة قوة أكبر؟
نظريا.. كلما اشتركت دول أكثر في دعم طلب جنوب أفريقيا كان أمرا جيدا، لأن ذلك يدعم التفسير القانوني التي تقدمه جنوب أفريقيا للمحكمة الدولية بأن ما تقوم به إسرائيل في غزة هو جريمة إبادة، فإذا اشتركت 50 دولة وتقول نفس ما قالته جنوب أفريقيا فإن هذا سيؤثر على قرار المحكمة، وتنتهي إلى نتيجة جيدة جدا بالنسبة لموقف جنوب أفريقيا.
أما لماذا لم تتقدم الدول العربية بالدعوى وتقدمت بها جنوب أفريقيا؟ فإنني أقولها بصراحة أنه من حسن حظ القضية الفلسطينية أنه لم تتبنّها أية دولة عربية، وأن التي تبنتها هي دولة بوزن جنوب أفريقيا.
الدول العربية فقدت ثقلها ووزنها ومصداقيتها وأصبحت محكومة للرأي والاستعمار الأمريكي، وهي أصبحت في غالبيتها العظمى عبارة عن جمهوريات موز كما نعرفها في أمريكا الجنوبية، وأشكر الصدف أن جنوب أفريقيا بكل التاريخ الباهر الذي تختزنه ونضالها ضد الأبارتايد وبكل ثقلها المعنوي والأدبي الكبير هي التي تقود هذه المعركة بصلابة وبحكمة وبعلم كبير.
أيضا.. الفريق القانوني الذي أتت به جنوب أفريقيا فريق متميز، ولائحة الدعوى التي قدمتها تحتوي على لائحة اتهام من أرقى ما قرأته في القانون.
هددت الولايات المتحدة الجنائية الدولية بعد قرارها الأخير، فهل تتوقع أن تفعل ذلك مع العدل الدولية، وما تأثير ذلك؟
أمريكا هي أصلا تدافع عن نفسها، فهي خائفة وبقيت خائفة أن تقوم محكمة الجنائية الدولية بملاحقتها على جرائمها الكبرى في العراق وأفغانستان، وسمعنا أمس السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام يقول "إذا لم نوقف المحكمة الجنائية الدولية عند حدها فسنكون نحن الطرف التالي في التحقيق"، وبالتالي هم خائفون، ولذلك رأينا أن 12 سيناتورا أمريكيا يوقعون عريضة يهددون بها الجنائية الدولية.
وتهديد القضاء الدولي بهذه الطريقة هو نوع من الصفاقة، لا يليق بدولة كبرى مثل الولايات المتحدة أن تهدد المحكمة، هذا تدخل في شؤون القضاء، والقضاء في أمريكا لا يقبل بالمطلق التدخل في المسار القانوني، ولذلك فإنه كان من المعيب جدا أن تصدر مثل هذه التصريحات سواء من الرئيس بايدن أو من وزير خارجيته أو من مجلس الشيوخ.