نشر موقع "
بلومبيرغ" الأمريكي، تقريرا، سلّط فيه الضوء على ستّ نقاط حيويّة للتجارة العالمية، تمتد من
قناة بنما إلى
مضيق هرمز، وتؤثّر بشكل كبير على التجارة البحرية والاقتصاد العالمي، ومن شأن أي تعطيل في هذه النقاط أن يؤدي إلى تعطيل الشحنات وزيادة التكاليف وتفجير التضخم.
وقال
الموقع في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"؛ إنه يمكن توفير الكثير من الأموال من خلال تركيز الإنتاج في جزء واحد من العالم، طالما يمكن شحن البضائع بأمان وبتكلفة زهيدة إلى حيث سيتم استهلاكها. وقد اختبرت الجائحة هذا الافتراض: فقد تسببت عمليات الإغلاق بسبب فيروس كورونا وإغلاق الحدود في توقف سلاسل التوريد، مما أدّى إلى نوبة مؤلمة من التضخم.
تم احتواء فيروس كورونا بشكل ما، ولكن هذا ليس الوقت المناسب للشعور بالارتياح، فإن التجارة البحرية العالمية تواجه أكبر تجمع للمخاطر منذ أجيال: الحرب في كل من أوكرانيا وغزة، والمواجهة المتوترة بين الصين والولايات المتحدة، وتعطيل الممرات المائية الرئيسية بسبب تغير المناخ.
ومن الأمثلة الواضحة على ذلك، الهجمات التي يشنّها المسلحون الحوثيون في اليمن على سفن الشحن المسافرة عبر البحر الأحمر. ويجري الآن تغيير مسار أغلب سفن الحاويات حول رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا، وارتفعت أسعار الشحن نتيجة لذلك، الأمر الذي أدى إلى تعقيد مهمة البنوك المركزية في أوروبا والولايات المتحدة، التي تقطع الميل الأخير الصعب في السيطرة على التضخم.
وقدّرت وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية في شباط/ فبراير، أن الاضطرابات في البحر الأحمر من المرجّح أن تزيد أسعار السلع المستوردة من الولايات المتحدة بنسبة 3.5 نقطة مئوية بحلول نهاية السنة.
وقد حدد
الموقع ست "نقاط اختناق"، وهي معابر أساسية تتعامل مع حصة غير متناسبة من التجارة البحرية، إلى جانب المخاطر التي تواجهها، وذلك باستخدام بيانات من شركة كلاركسون لخدمات الأبحاث المحدودة، وهي وحدة تابعة لأكبر وسيط سفن في العالم.
ويواجه كل منها مجموعة فريدة من المشاكل المتداخلة التي يمكن أن تحول بسرعة حادثة غير متوقعة إلى أزمة أكثر خطورة، مثل حادثة جنوح سفينة الحاويات "إيفر غيفن" في قناة السويس في 2021، التي عطلت 10 مليارات دولار من التجارة العالمية لمدة أسبوع تقريبا، أو انهيار جسر بالتيمور في آذار/ مارس، الذي أدى إلى إغلاق ميناء كان يتعامل مع بضائع بقيمة 80 مليار دولار في سنة 2023.
باب المندب
أطلق عليه البحارة الذين وقعوا على مر القرون ضحية تياراته المتقاطعة ورياحه التي لا يمكن التنبؤ بها اسم باب المندب. وفي الوقت الحاضر، أصبح الإبحار في الممر المائي الذي يبلغ عرضه 18 ميلا، وهو نقطة العبور الأكثر أهمية من وإلى قناة السويس، ويستأثر بأكثر من 15 بالمائة من إجمالي التجارة المنقولة بحرا من حيث القيمة، مهمة محفوفة بالمخاطر لأسباب مختلفة،
ومنذ منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر، شن الحوثيون المدعومون من إيران، الذين يسيطرون على شمال غرب اليمن، سلسلة من الهجمات على السفن. ونتيجة لذلك، اختارت معظم خطوط الحاويات الإبحار حول أفريقيا، مما أضاف ما يقارب 6000 ميل إلى الرحلة، أو أسبوعين من وقت السفر.
مضيق ملقا
كان مضيق ملقا، الذي كان محوريا للتجارة لعدة قرون ،والذي يربط المحيط الهندي بالمحيط الهادئ، نقطة الاختناق البحرية الأكثر أهمية في العالم. ويمر النفط والغاز الطبيعي المسال والسلع الأخرى عبره للوصول إلى الصين والاقتصادات الكبرى الأخرى في آسيا، في حين تتحرك السلع المصنعة في الاتجاه المعاكس، وتمر عبره حوالي 94 ألف سفينة سنويّا، ويتوقف الكثير منها في سنغافورة إما لتسليم البضائع أو للتزود بالوقود، وهذا يحول مياه الدولة الجزيرة -والطرق المؤدية إليها- إلى ساحة انتظار واسعة؛ حيث تتقاطع مسارات ناقلات النفط الضخمة مع سفن الصيد، مما يزيد من خطر الاصطدامات، وغالبا ما تحتاج السفن إلى إبطاء سرعتها عبر المضيق، مما يسهل على القراصنة الصعود إليها.
والأكثر من ذلك، أن إندونيسيا وغيرها من المواقع القريبة معروفة بالنشاط البركاني، مما يزيد من احتمال أن يؤدي ثوران البركان في مرحلة ما إلى إجبار السفن على تحويل مسارها، وهناك خطط أولية لإنشاء قناة جديدة تمر عبر جنوب تايلاند، مما يسمح لشحنات النفط والسلع الأساسية الأخرى بالمرور عبر مضيق ملقا.
ومع ذوبان الجليد في بحر القطب الشمالي، قد تبدأ بعض السفن قريبا في تجنب المضيق، من خلال التوجه شمالا عبر الجزء العلوي من روسيا، مما يخفف بعض الضغط عن الممر المائي.
مضيق هرمز
خذ سعر النفط، وقم بمضاعفته، من المحتمل أن يكون هذا تقييما متحفظا على المدى القصير لأي سيناريو تتابع فيه طهران التهديدات التي أطلقتها على مر السنين بإغلاق مضيق هرمز.
ومع اعتماد بعض أكبر الاقتصادات في العالم على النفط الذي يتم ضخه وشحنه من المنطقة، من غير المرجح أن تنفذ إيران مثل هذه الخطوة الجذرية، لكنها استهدفت بشكل متكرر السفن التجارية هناك، واستولت على السفن كأداة للمقايضة في النزاعات، أو في الآونة الأخيرة، لاستعداء الولايات المتحدة وإسرائيل.
كما أن السفن التي تبحر عبر المضيق، معرّضة أيضا للألغام بسبب عمقها الضحل وقربها من الأرض، مما يترك السفن عرضة للهجوم من الصواريخ الشاطئية، أو الاعتراض من قبل زوارق الدوريات والمروحيات.
المضيق الدنماركي
تمر حوالي 45 بالمائة من صادرات النفط الروسية المنقولة بحرا بالقرب من الساحل الدنماركي في طريقها إلى الأسواق الدولية، والمياه هناك ضحلة نسبيّا، لذلك توصي السلطات البحرية الدولية بأن يقوم الملاحون المحليون ذوو الخبرة بتوجيه السفن عبر المنطقة.
وقد تزايد خطر وقوع حوادث منذ سنة 2022، عندما بدأت روسيا استخدام ما يسمى بأسطول الظل من الناقلات. ويختار قباطنة العديد من هذه السفن الإبحار في المضيق دون مساعدة، الأمر الذي يثير القلق بين دعاة حماية البيئة في الدنمارك.
وقد تعرضت ناقلة تابعة لأسطول الظل الروسي لحادث تصادم بالقرب من الدنمارك في آذار/ مارس الماضي، وإذا تسببت إحدى هذه السفن في كارثة بيئية، فإن حكومة الدنمارك سوف تتعرض لضغوط شديدة من عامة الناس لمنعها من دخول مياهها، وهو ما قد يؤدي إلى تضخم أسعار الطاقة.
المضائق التركية
تعد روسيا أيضا مستخدما رئيسيّا لممرات الشحن الضيقة في البوسفور والدردنيل في تركيا لنقل نفطها وسلعها الأساسية الأخرى من موانئ البحر الأسود. وقالت الحكومة التركية في الماضي؛ إنها تصر على تقديم دليل واضح على التأمين للسفن التي تمر عبر المضيق.
ومع ذلك، فإن جميع الناقلات التي تبحر من خلاله تقريبا، تتمتع اليوم بوضع غامض، وهي السمات المميزة لسفن أسطول الظل. وفي حالة وقوع حادث كبير يهدد صناعة السياحة في تركيا وقيمة العقارات الرئيسية المطلة على المضيق، فإن الحكومة ستغلق القنوات على الفور. لذا؛ فإن أي نوع من حوادث الناقلات الخطيرة في المنطقة، سيكون له أثر عميق على تجارة السلع العالمية.
ويعد مضيقا البوسفور والدردنيل، اللذان يمتلئان بالضباب وتحيط بهما أحيانا تيارات قوية، عرضة لحوادث الشحن، كما أجبرت حرائق الغابات الحكومة على إغلاق المضيق لمدة يومين في 2023 للسماح لخدمات الطوارئ بالوصول إلى المناطق المتضررة.
قناة بنما
تتم تغذية قناة بنما من خلال بحيرة جاتون الاصطناعية الواسعة، حتى تتمكن السفن من قطع الطريق بين المحيطين الأطلسي والهادئ، وقد أدى تغير المناخ إلى انخفاض مستويات المياه في جاتون، إلى درجة اضطرت فيها السلطة التي تشرف على عمليات العبور، إلى الحد من عدد السفن التي يمكنها المرور.
وتسبّب الطقس الجاف السنة الماضية في اختناق حركة السفن، ما كلف شركات الشحن ملايين الدولارات. وقد بدأ عدد المعابر اليومية في التعافي من المستوى المنخفض الذي بلغ 21 سفينة في أواخر كانون الثاني/ يناير، ومن المتوقع أن تؤدي ظاهرة النينيا الجوية المتوقعة في أواخر الصيف إلى تحسين الظروف، لكن حركة المرور اليومية تظل أقل من المتوسط طويل المدى البالغ 35 سفينة يوميّا، وسوف تحتاج هيئة القناة بقية هذه السنة على الأقل للتعافي بالكامل من الجفاف الذي حدث في 2023.