تفاقم عجز الموازنة، وتدهورت عدد من القطاعات الخدمية والصناعية.. هذا جزء من أزمات كُبرى يُواجهها الاحتلال الإسرائيلي، والتي تتسارع يوما بعد الآخر، منذ انطلاق العدوان على قطاع
غزة المحاصر.
وما أدّى إلى تفاقم حدّة الأزمة الاقتصادية لدولة الاحتلال الإسرائيلي، هو صدور دعوى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، لإصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، ووزير الحرب يوآف غالانت، بتهمة ارتكابهم جرائم حرب في العدوان على
قطاع غزة، الذي خلّف أكثر من 35 ألف شهيد، في أقل من ثمانية أشهر.
وأشعلت المذكّرة نفسها، فتيل الأزمة الاقتصادية التي لم يعد للاحتلال الإسرائيلي منفذ منها، حيث إنها قادت إمكانية تجميد عدد من الدول لتعاونها التجاري والاستثماري مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
انكماش اقتصادي في الأفق
في ظل تصاعد مخاطر الائتمان في بنوك دولة الاحتلال الإسرائيلي، مع الصعوبات التي يُواجهها المقترضين في سداد الديون، يتواصل ما يُوصف بـ"الانكماش الاقتصادي" في دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما دفع عددا من المؤسسات العالمية للتصنيف الائتماني إلى استبعاد تعافي اقتصاد الاحتلال، في الأجل القريب.
بدوره، كشف بنك "إسرائيل" المركزي، عن توقّعاته، بالقول: "سيكون هناك انخفاض في نمو الاقتصاد المحلي بنسبة اثنين بالمئة مع نهاية العام الجاري"؛ محذّرا من أن "معدلات تأخّر سداد القروض المصرفية تشبه فترة وباء كورونا".
وفي إشارته إلى المخاوف البارزة من الفترة القادمة، أشار البنك إلى أن "الأشهر الأولى من العام الجاري، شهدت مستوى عاليا من عدم اليقين"، مضيفا أنه "بالنظر إلى المستقبل، فإن هناك خوفا من زيادة أخرى في مخاطر الائتمان ومشاكل القروض المتعثرة".
أمّا في المراجعة السنوية للبنك المركزي للاحتلال، فإن الجمهور فضّل الودائع قصيرة الأجل خلال الحرب، من أجل الحفاظ على سيولة الأموال لديهم.. مؤكدا أن الجهاز المصرفي لا يزال يخشى من أن تشكل المشكلات بين أعضاء الكنيست (البرلمان) والوزراء على المستوى السياسي خطرا أكبر على بنوك الاحتلال الإسرائيلي.
وكشف أنه "كلّما زادت التوترات الأمنية أو السياسية، اتجه العديد من المستثمرين الأجانب إلى سحب أموالهم من سوق الأوراق المالية المحلية، حيث إن الخيار الأسهل عندهم هو أسهم البنوك، وهي الأكثر سيولة وقابلية للتداول".
وكانت وكالة التصنيف الائتماني العالمية "موديز"، في شباط الماضي/ فبراير، قد خفّضت تصنيف دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى "A2" من "A1" وذلك بسبب ما وصفته بـ"المخاطر السياسية المتزايدة وضعف التمويل العام الناجم عن الحرب".
وأكدت الوكالة، آنذاك، أن "عواقب الحرب في غزة على الوضع الائتماني لإسرائيل سوف تظهر على مدى فترة طويلة"، فيما حذّرت من أنه "إذا امتد الصراع ليدخل فيه حزب الله في لبنان، حيث يتبادل الجانبان إطلاق النار عبر الحدود يوميا، فإن الأثر الاقتصادي السلبي سينتشر إلى قطاعات أخرى ويطول أمده".
غزة.. ضربت العُمق المالي لاقتصاد الاحتلال
في مراجعة أوردتها صحيفة "معاريف" العبرية، الثلاثاء، أكّدت أن "المحفظة الائتمانية لبنوك إسرائيل نمت خلال العام 2023 بنسبة 6.6 في المئة، وهو نمو منخفض مقارنة بالسنوات السابقة، إذ يرجع ذلك أساسا إلى بيئة أسعار الفائدة المرتفعة وتداعيات ما وصفته سلطات الاحتلال بـ"حرب السيوف الحديدية" على غزة، التي انطلقت في تشرين الأول/ أكتوبر 2023".
وفي نظرة أكثر تشاؤما، توقّع
صندوق النقد الدولي وصول نسبة نمو اقتصاد الاحتلال الإسرائيلي إلى 1.6 بالمئة، مشيرا إلى أن هناك أيضا تدهورا في قطاعات الاستثمار والتكنولوجيا والسياحة.
بدورها، قالت وكالة "ستاندرد آند بورز" إن تعافي اقتصاد الاحتلال الإسرائيلي من تداعيات الحرب على قطاع غزة سيكون أبطأ من تقديراتها السابقة.. متوقّعة ألاّ يتجاوز النمو الاقتصادي في إسرائيل الـ0.5 في المئة في 2024 وهي نسبة متدنّية كثيرا عن توقعات الكثير من المؤسسات المالية الدولية، على رأسها صندوق النقد الدولي.
واسترسلت بأن "المخاطر التي يتعرض لها الملف الائتماني لإسرائيل لا تزال كبيرة، في ظل استمرار المخاطر الأمنية الناجمة عن تفاقم الحرب"، مردفا بأن "هناك أيضا عدم استقرار سياسي داخلي في إسرائيل".
أمّا في الانعكاس المُباشر على الوضعية الاجتماعية للإسرائيليين، فإن الاحتلال بات مُطالبا بـ"إيجاد فرص عمل للعاطلين عن العمل في غزة، ولن يتعجل في جلب العمال من غزة، وبالتأكيد فإنه ليس بالكميات الموجودة قبل الانفصال عنها، لكن الاحتلال في كل الأحوال يستلم قطاعا يوجد فيه واحد من أعلى معدلات البطالة في العالم بنسبة 45 في المئة" وذلك بحسب تقرير مطول لموقع "زمن إسرائيل" العبري، ترجمته "عربي21".
وبيّن المصدر نفسه، أن "الاحتلال يُواجه وضعا شبه مستحيل، ويتعين عليه الاهتمام بتوفير فرص العمل لمن يعانون من ضائقة كبيرة، ما يشكل تحديا اجتماعيا واقتصادياً، من ذلك النوع الذي لم يواجهه الاحتلال من قبل".
إلى ذلك، فإن حالة التشاؤم وتوقّع الأسوأ تُسيطر على دولة الاحتلال الإسرائيلي بكافة ما فيها من مؤسسات مالية، خاصة في فترة تستنزف فيها الحرب المُتواصلة على قطاع غزة مالية الاحتلال والأنشطة الاقتصادية باختلافها.