أثار وصف وزير المالية
المصري، الدكتور محمد معيط، لدعم المواد البترولية بـ "الجريمة" موجة من الجدل الواسع، حيث عبّر العديد من النشطاء وخبراء الاقتصاد عن استيائهم من هذه التصريحات، مُشيرين إلى وجود "جرائم" أخرى أكثر خطورة تُقترف بحقّ المواطنين.
وفي الوقت الذي يرى فيه معيط أن دعم
الوقود يُشكل عبئا على خزينة الدولة، ويُمكن استثمار هذه الأموال في مشاريع تحسين معيشة المواطنين، يرى آخرون أن الأجور الزهيدة التي لا تتجاوز 125 دولارًا في الشهر، وتريليونا و800 مليار جنيه مصري فوائد الديون المُستحقة على الدولة، وارتفاع الأسعار، وتردي خدمات الصحة والتعليم، تمثل "جرائم" أكبر بكثير، (الدولار يعادل نحو 46.75 جنيها).
وتساءل البعض عن فائدة رفع الدعم عن الكهرباء والمياه ورفع أسعار الخدمات وتحرير الجنيه المصري، طالما لم تُثمر هذه الخطوات في تحسين معيشة المواطنين.
ويُشكل بند مدفوعات الفوائد وحده 47% من إجمالي الموازنة العامة للدولة 2024-2025، أي حوالي 1.834 تريليون جنيه (38 مليار دولار)، مقارنة بـ37 بالمئة في تقديرات الموازنة الحالية التي تنتهي بنهاية تموز/ يوليو المقبل.
وتوالت ردود الفعل على تصريحات الوزير، واعتبرها البعض مُغلوطة، ومنهم من ربطها بسياق سياسي محدد، وفيما يلي بعض ردود الفعل على تصريحات الوزير:
"الدعم جريمة؟ ماذا عن الأجور الزهيدة؟"
"أكثر من تريليون و800 مليار جنيه فوائد الديون.. الجريمة الأكبر!"
"رفعتم الدعم عن كل شيء.. أين تحسّن معيشة المواطن؟"
"الحكومة تُحاول تبرير قصورها بتصريحات مُضلّلة."
ما حقيقة قيمة دعم الوقود في الموازنة؟
وقال وزير المالية في كلمته خلال فعاليات المؤتمر العلمي السنوي "صنع السياسات الاقتصادية في أوقات تزايد المخاطر وعدم اليقين"، الذي انعقد بجامعة
القاهرة، إنه من الأفضل تخصيص هذا الدعم، الذي قدره عند 220 مليار جنيه، لتحسين معيشة المواطنين والصحة والتعليم.
وفند البعض تصريحات الوزير المغلوطة، وأشاروا إلى أن قيمة دعم المواد البترولية المتوقع في موازنة العام المالي الحالي 2023/ 2024، والذي ينتهي في 30 حزيران/ يونيو القادم، نحو 125 مليارا و419 مليون جنيه فقط، بحسب البيان المالي للموازنة العامة للدولة 2024/ 2025.
كما بلغت قيمة دعم المواد البترولية في مشروع موازنة العام المالي القادم 2024/ 2025، والذي يبدأ في الأول من تموز/ يوليو القادم، نحو 154 مليارا و499 مليون جنيه فقط، بحسب البيان المالي للموازنة العامة للدولة 2024/ 2025، ولم يصل إلى 220 مليار جنيه كما ادعى معيط.
بدوره، استنكر الإعلامي عمرو أديب، خلال برنامجه "الحكاية" المذاع عبر إحدى الفضائيات، بأن الدعم على الطاقة "جريمة".
وأضاف: "أنا فهمت تصريح وزير المالية بشكل واضح.. ولا أنا محتاج مترجم، ولا أروح للذكاء الصناعي أقوله عندما يقول وزير المالية أن الدعم على الطاقة جريمة ده معناه إيه؟".
ماذا عن جرائم الحكومة بحق المواطن؟
استهجن رئيس منتدى التنمية والقيمة المضافة، الدكتور أحمد خزيم، تصريحات وزير المالية ووصفها "بالمغلوطة ومردود عليها"، قائلا: "خفض الجنيه من 7 جنيهات للدولار إلى 47 جنيها أليس جريمة، التهام بند كدفوعات الفوائد حوالي 50% من إجمالي الموازنة العامة للدولة أليس جريمة، من يرتكب مثل هذه الجرائم وغيرها بحق المواطن إلى جانب طباعة الجنيه على المكشوف وانهيار قيمته هي الحكومة".
وأعرب عن اعتقاده في تصريحات لـ"عربي21": "أنه يجب محاسبة وزير المالية ووزراء المجموعة الاقتصادية على ما اقترفوه بحق المواطنين، ولولا انخفاض الجنيه إلى هذا المستوى لما كان دعم الوقود وصل إلى هذا الرقم، سعر لتر الوقود اليوم هو أعلى بكثير من سعره عالميا قبل ست سنوات عندما كان الدولار بنحو 7 جنيهات، إذن الدولة هي من تتحمل أزمة استمرار دعم الوقود الذي كان من المفترض أن ينتهي منذ سنوات".
وحمل خزيم الحكومة مسؤولية الغلاء وارتفاع الأسعار، مضيفا: "أن حديث الحكومة عن توجيه أموال الدعم إلى تحسين معيشة المواطن هو للاستهلاك المحلي، ولا قيمة له، وكل الإجراءات التي اتخذها تحت هذا المسمى لم تحقق أي شيء غير تحميل المواطن أعباء أكثر، هذا الوزير يقابل كل عجز لديه بالاقتراض، بدلا من أن يحرص على توسعة قواعد مصر الإنتاجية ولم يقدم روشتة للإصلاح المالي سوى الجباية وفرض المزيد من الرسوم والضرائب".
الدعم.. "شماعة الأنظمة لتبرير فشلها"
حول دلالة تصريحات الوزير المثيرة للجدل، قال الباحث في الاقتصاد السياسي ودراسات الجدوى والدراسات التنموية، مصطفى يوسف، "يُشير هذا الجدل إلى عمق الأزمة الاقتصادية التي تُواجهها مصر، وإلى حالة الاستياء الشعبي من السياسات الحكومية التي يُنظر إليها على أنها تُثقل كاهل المواطنين دون تقديم حلول حقيقية لتحسين معيشتهم".
وأوضح في حديثه لـ"عربي21": "يجب التركيز على تحسين الأجور وخفض الأسعار ورفع مستوى الخدمات قبل الحديث عن رفع الدعم وتستغله الحكومة في تبرير فشلها المستمر وهو شماعة كل حكومة وكل وزير بل وكل رئيس"، مشيرا إلى أن "ما تنفقه الدولة على بند الفوائد وسداد الديون كان من الممكن أن يحسن جميع الخدمات المقدمة للمواطنين مثل الصحة والتعليم وتحسين ظروف الإنتاج والتصنيع".
وفند يوسف مزاعم وزير المالية المتعلقة بالتهام الدعم لبنود الموازنة أو أنه كان من الممكن توجيهها لتحسين حياة المواطنين، قائلا: "هذا كلام باطل، لقد رفعت الدولة معظم أنواع الدعم ولم يطرأ أي تحسن على حياة المواطنين بسبب سوء الإدارة وفشلها، وبررت لجوءها إلى إجراءات اقتصادية قاسية مثل تعويم الجنيه في عام 2017 وعام 2022 و2024 لإجراء إصلاحات اقتصادية وتحسين حياة المواطنين وكانت النتيجة أن حياتهم زادت سوءا وصعوبة وألما وغير قادرين على التكيف مع الغلاء وتقلبات الأسعار".