أثار الإعلان عما
سُمي بـ"
مركز تكوين الفكر العربي" مؤخرا زوبعة، ليس مردها للمشروع ولا لأهدافه،
وإن كانت تحتاج لنظر وتأمل، وإنما للأشخاص الذين يقفون في مقدمته ويقومون عليه، والذين
عُرفوا خلال العقود الأخيرة من خلال تعديهم الصريح على ثوابت الإسلام، والطعن في رموزه،
والتعرض لمحطات مهمة من التاريخ الإسلامي، التي كانت ولا زالت محل اعتزاز كبير عند
كافة المسلمين، فضلا عن أنها تمثل قيمة كبرى، في مواجهة المخاطر والتحديات الحالية،
المحيطة والمحدقة بالعالم العربي والإسلامي.
كما أن "التوقيت"
الذي أعلنوا فيه عن "تكوينهم"، له أيضا دلالات عميقة تنبئ عن وجهتهم، ربما
أوضح من بصمة الأشخاص ذاتهم، ففي الوقت الذي يحتشد ضمير الأمة ووعيها وكافة أفئدتها
تجاه فلسطين.. وفي الوقت الذي تقوم إسرائيل بحرب إبادة في
غزة نددت بها كل الحكومات
والقوى المعتدلة في العالم.. وفي الوقت الذي يخرج الطلاب في الغرب ينتصرون للمقاومة،
ويدافعون عن الحق الفلسطيني..
هل هي مصادفة أن يتم الإعلان عن مشروعهم المعنون بـ"تكوين الفكر العربي"، الذي يستهدف في حقيقته تفكيك ثوابت الإسلام، في ذات الوقت الذي تم الإعلان عن الكيان المشبوه الآخر المُسمى "اتحاد القبائل العربية"، والذي يستهدف دق أخطر مسمار في نعش الدولة الوطنية المصرية تمهيدا لتفكيكها؟.. أم أن العلاقة فعلا وطيدة بين تفكيك ثوابت الإسلام في مصر (بلد الأزهر)، وبين تفكيك الدولة المصرية -الدولة القائد- وتمزيق مجتمعها
في هذا الوقت تجدهم يحاولون أن يأخذوا الجمهور إلى مسار
آخر، والسير في اتجاه عكس التيار، فهم لسوء حظهم معروفون، بل ومشهورون بمواقفهم العدائية
للمقاومة، ودعواتهم الصريحة للتطبيع مع الكيان الغاصب، وعدائهم "لصلاح الدين"
محرر "بيت المقدس"، كما يبدو عداؤهم لكل صلاح للدين!
الحقيقة أن الوصل
بين هذا "التكوين!!" وبين إلحاح الولايات المتحدة الأمريكية على استكمال
مسار "التطبيع"، هو من الوضوح بمكان، وذلك في إطار محاولات واضحة للقفز على
الإبادة الجماعية في غزة، والتي تتطاير دماؤها لتملأ جنبات الكرة الأرضية، فالهدف واحد
وإن تعددت المواقع وتباينت المراكز.
كما أن الفصل بين
"دعاة التكوين الجديد" و"دعاة الدين الإبراهيمي"، الذي يهدف أيضا
لتسويغ التطبيع، بل شرعنته دينيا، هو لون من الاستغفال ينبغي ألا يكون واردا هذه المرحلة،
ولا سيما إذا كان المشروع موجه للشباب العربي، الذي أصبح من سوء حظهم في أوج نشاطه
الثقافي والفكري، وذلك على ضوء محرقة غزة التي أيقظت الأفئدة الحية، وكشفت مواطن الخلل،
ومواقع الاختراق، فأصبحت أوضح من أي وقت مضى.
لقد وقع دعاة
"التكوين الجديد" ومن يقف وراءهم في بئر بلا قرار، حيث اختيار "الزمن
الخطأ" و"المعركة الخطأ"، فالاختيار الخاطئ للتوقيت تكشفه شلالات الدماء
المتدفقة على أرض غزة، فليس هناك عاقل يختار لحملته -أيا كانت وجهتها وأيا كان مضمونها-
هذا التوقيت!
كما قد وقع اختيارهم
على "المعركة الخطأ" والأصعب، حيث الحرب على قيم الإسلام وثوابته، التي استعصت
على مر العصور على المستشرقين ومن حذا حذوهم، ومن وسار أو دار في فلكهم، بل كانت ردة
فعل العالم الإسلامي تجاه ذلك هي التمسك بالدين الصحيح، ورفض حملات كل خصومه والمتربصين
به، في الداخل أو في الخارج على السواء.
لهذا يطل سؤال آخر
في مواجهتهم، وهو مرتبط أيضا باختيارهم توقيت إعلانهم: هل هي مصادفة أن يتم الإعلان
عن مشروعهم المعنون بـ"تكوين الفكر العربي"، الذي يستهدف في حقيقته تفكيك
ثوابت الإسلام، في ذات الوقت الذي تم الإعلان عن الكيان المشبوه الآخر المُسمى
"
اتحاد القبائل العربية"، والذي يستهدف دق أخطر مسمار في نعش الدولة الوطنية
المصرية تمهيدا لتفكيكها؟.. أم أن العلاقة فعلا وطيدة بين تفكيك ثوابت الإسلام في مصر
(بلد الأزهر)، وبين تفكيك الدولة المصرية -الدولة القائد- وتمزيق مجتمعها، الذي كان
ولا يزال -بحق- قلب العالم العربي والإسلامي الحي، الذي هزم الحملات الصليبية التي
كانت تستهدف المنطقة كلها، كما كسر غزوات التتار الوحشية التي كانت تهدد الإنسانية
كلها، ولم يتم ذلك إلا بقيادة مصر.
الحقيقة أن مشاريع التبديد والتفكيك لم تنطلق في هذا التوقيت عبثا، وإنما في إطار المشاريع الاستعمارية، التي أعلنت من قبل عن "صفقة القرن"، والتي هي في جوهرها موجهة لإنهاء القضية الفلسطينية، وإعادة ترتيب أوضاع المنطقة، في ضوء تقسيمات جديدة، تعتمد على اختراقات جوهرية للعقل العربي والإسلامي، وتبدأ بتغييرات أساسية في سيناء، كمقدمة لمشروع التغيير الكبير بالمنطقة، والذي يتوج لقيادة إسرائيلية لـ"شرق أوسط جديد"
الحقيقة الواضحة أن
هذه المشاريع ليست بريئة بحال، سواء من حيث الراعي الاستعماري، أو التوقيت المشبوه،
أو المضامين العدائية، فلا يمكن تصور انطلاق مشاريع تفكيك مصر ثقافيا وجغرافيا، إلا
في إطار الحرب العالمية على غزة، التي يشارك فيها الغرب بكل إمكانياته العسكرية والاقتصادية
والسياسية والدبلوماسية، لهذا ترك أصحاب مشروع "التكوين الجديد" الإبادة
الجماعية على الحدود، وانطلقوا يغردون في قلب مجتمعاتنا، ليأخذوا الأنظار بعيدا عن
القضايا المصيرية، علما بأنهم لم يخفوا تأييدهم للكيان الصهيوني، سواء في عدائهم الفج
للمقاومة الفلسطينية والتحريض عليها، أو في انحيازهم للتطبيع على حساب الحق الفلسطيني..
كما راح أصحاب مشروع "اتحاد القبائل الجديد" على الحدود كي يتربصوا بالفلسطينيين
شرا، ويكملوا مسيرة حصار غزة، ويتقوتوا على دماء أهلها، وهم يستلبون أموالهم بغير حق،
بل ويتوجهون بما يشبه الخطاب الرسمي للمؤسسات الدولية، وكأنهم دولة جديدة داخل أعرق
وأقدم دولة عرفها التاريخ!
الحقيقة أن مشاريع
التبديد والتفكيك لم تنطلق في هذا التوقيت عبثا، وإنما في إطار المشاريع الاستعمارية،
التي أعلنت من قبل عن "صفقة القرن"، والتي هي في جوهرها موجهة لإنهاء القضية
الفلسطينية، وإعادة ترتيب أوضاع المنطقة، في ضوء تقسيمات جديدة، تعتمد على اختراقات
جوهرية للعقل العربي والإسلامي، وتبدأ بتغييرات أساسية في سيناء، كمقدمة لمشروع التغيير
الكبير بالمنطقة، والذي يتوج لقيادة إسرائيلية لـ"شرق أوسط جديد"، فتوقيت
هذه المشاريع هو في حقيقته من لوازم استكمال تفكيك المنطقة العربية، خدمة للمشروع الصهيوني
الذي يحاول أن يخطو اليوم خطوات واسعة، برغم هزيمته أمام المقاومة في فلسطين!