أثرت حرب
الاحتلال الإسرائيلي على قطاع
غزة اقتصاديا، بعد تدمير البنية التحتية، وتعطيل
الأعمال التجارية وزيادة أعداد البطالة والفقر بعد وصول حرب الاحتلال إلى شهرها
الثامن.
ونشرت صحيفة
"
نيويورك تايمز" تقريرا يتناول تأثير حرب الاحتلال في غزة على
الاقتصاد المحلي، موضحا أن القتال أدى إلى تدمير البنية التحتية وتعطيل الأعمال
التجارية، ما زاد من معاناة السكان. ويشير إلى أن حصار الاحتلال الإسرائيلي على
غزة أدى إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية؛ حيث يصعب وصول البضائع والمواد الأساسية،
مشيرا إلى أن البطالة والفقر في غزة في تزايد مستمر بسبب النزاع.
وقالت الصحيفة، في
التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن الباعة في زمن الحرب اصطفوا في
الشوارع على الطاولات والمكاتب من المدارس التي تحولت إلى ملاجئ، في الشوارع،
يبيعون الملابس المستعملة وحليب الأطفال والأطعمة المعلبة وبعض الكعك النادر المحلي
الصنع.
وفي بعض
الحالات، تم تكديس طرود المساعدات بأكملها، التي لا تزال مزينة بأعلام الدول
المانحة ومن المفترض توزيعها مجانًا، على الأرصفة وبيعها بأسعار لا يستطيع سوى
القليل من الناس تحملها.
ووقف عصام
حمودة، 51 سنة، بجوار عرضه التجاري الصغير: مجموعة من الخضروات والفاصوليا المعلبة
من علبة مساعدات تلقتها عائلته.
وقبل أن تدمر حرب
الاحتلال
اقتصاد غزة، فقد كان حمودة يعمل مدربا لتعليم القيادة، والآن هو يدعم أسرته
المكونة من ثمانية أفراد بالطريقة الوحيدة التي يستطيعها، وهي إعادة بيع بعض
المساعدات الغذائية التي يتلقونها كل بضعة أسابيع.
وأفادت الصحيفة
بأنه في الأشهر السبعة التي تلت بدء الاحتلال بقصف غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، فقد تم سحق اقتصاد القطاع، واضطر الناس إلى الفرار من منازلهم ووظائفهم؛ وتم قصف
الأسواق والمصانع والبنية التحتية وتسويتها بالأرض، وتعرضت الأراضي الزراعية للحرق
بسبب الغارات الجوية أو احتلتها القوات الإسرائيلية.
وبدلا من ذلك، فإنه نشأ اقتصاد الحرب، وهو سوق للبقاء يركز على الأساسيات: الغذاء والمأوى والمال.
وينتهي الأمر
بالمساعدات الإنسانية التي تحمل علامة "لا يُعاد بيعها" والمواد
المنهوبة في الأسواق المؤقتة؛ حيث يربح الناس بضعة دولارات يوميًا من خلال إجلاء
النازحين على ظهور الشاحنات والعربات التي تجرها الحمير، بينما يحفر آخرون المراحيض
أو يصنعون الخيام من الأغطية البلاستيكية والخشب.
وأشارت الصحيفة
إلى أنه نظرًا للأزمة الإنسانية المتزايدة واليأس العميق، فقد أصبح الوقوف في الطابور
الآن بمثابة عمل بدوام كامل، سواء في مواقع توزيع المساعدات، أو في المخابز
القليلة المفتوحة، أو في عدد قليل من أجهزة الصراف الآلي أو محلات الصرافة.
وبحسب رجا
الخالدي، الاقتصادي
الفلسطيني المقيم في الضفة الغربية التي يحتلها الاحتلال
الإسرائيلي، فإنه "اقتصاد الكفاف".
وأضاف أنها ليست
مثل أي حرب حدثت من قبل؛ حيث يتم استهداف منطقة معينة وتكون مناطق أخرى أقل تأثرًا
ويمكنها إعادة الانخراط بسرعة في الظروف الاقتصادية، بل تم إخراج الاقتصاد من
الخدمة منذ الشهر الأول.
وفي السنوات
التي سبقت الحرب، بدأ الاقتصاد في غزة بالتحسن، حتى في ظل الحصار الجوي والبري
والبحري الخانق الذي فرضته إسرائيل ومصر؛ حيث تم افتتاح الفنادق والمطاعم على شاطئ
البحر، وحصل المزيد من الفلسطينيين على تصاريح للعمل في إسرائيل وحصلوا على رواتب
جيدة؛ لكن كل هذه المكاسب قد ضاعت وأكثر.
وأكدت الصحيفة أن
غالبية الفلسطينيين في غزة الآن يواجهون الفقر على مستويات متعددة تتجاوز نقص
الدخل وتشمل محدودية الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم والإسكان، وفقًا لتقرير
صدر مؤخرا عن البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. وبحسب التقرير فإن
نحو 74 بالمائة من السكان عاطلون عن العمل، وكان معدل البطالة قبل الحرب، يصل إلى
45 بالمائة.
وبحسب التقرير
فإن الصدمة التي تعرض لها اقتصاد غزة هي واحدة من أكبر الصدمات في التاريخ الحديث،
وانخفض الناتج المحلي الإجمالي لغزة بنسبة 86 بالمائة في الربع الأخير من سنة 2023.
وقالت وزارة حرب الاحتلال الإسرائيلي، إن ضرباتها على غزة لا تهدف إلى الإضرار باقتصاد القطاع بل تستهدف
"البنية التحتية الإرهابية" لحركة حماس، بحسب زعمها.
ويعتمد الاقتصاد
الآن إلى حد كبير على العرض المحدود والطلب اليائس على المساعدات، وقبل الحرب،
كانت تدخل إلى قطاع غزة يوميا نحو 500 شاحنة محملة بالمساعدات الإنسانية والوقود
والسلع التجارية.
وبعد بدء الحرب
وفرض قيود جديدة، فإن هذا العدد انخفض بشكل ملحوظ، ليصل إلى 113 يوميًا في المتوسط،
على الرغم من ارتفاعه بشكل متواضع في الأشهر الأخيرة، وحتى مع التحسينات، فإن هذه
الكمية أقل بكثير مما تقول وكالات الإغاثة إنه ضروري لإطعام
سكان غزة.
وأفادت الصحيفة بأن تدفق المساعدات والسلع توقف تقريبا الآن، في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على
مدينة رفح الجنوبية والإغلاق شبه الكامل لمعبرين حدوديين رئيسيين.
وينتشر الجوع في
جميع أنحاء القطاع، في ما وصفته جماعات حقوق الإنسان ومنظمات الإغاثة باستخدام
إسرائيل للمجاعة كسلاح.
وعلى خلفية
الصراع والفوضى والخروج على القانون، فإنها ارتفعت الأسعار بشكل كبير، ومنذ التوغل في
رفح، ارتفعت أسعار السلع في السوق، وبالنسبة لمئات الآلاف من الفلسطينيين الفارين
من الهجوم الإسرائيلي، فإن وسائل النقل بعيدًا عن الغارات الجوية تكلف مئات الدولارات.
وحتى قبل تدهور
الوضع في رفح، فقد كانت عمليات تسليم المساعدات غير متسقة وفوضوية بسبب القيود
العسكرية، ما أدى إلى اليأس وإتاحة الفرصة للعصابات المسلحة أو الأفراد للنهب،
وفقًا للسكان.
وبحسب ماجدة أبو
عيشة، 49 سنة، وهي أم لعشرة أطفال، فإن المساعدات الغذائية تتم سرقتها من قبل مسلحين
مثل العصابات.
وأضافت ماجدة
أنها أثناء محاولتها الحصول على المساعدة، فقد أصيب ابنها وابن أخيها برصاص جنود الاحتلال.
ولم يتمكنوا من الحصول على أي مساعدات. وتابعت بأن "الفائز في هذه المعركة هو
المسلح الذي يستطيع أن يحصل على ما يريد من المساعدات. أي شخص ليس مسلحًا أو قويًا
بما يكفي للقتال والاندفاع يعود إلى منزله خالي اليدين".
وذكرت الصحيفة
أن جيش الاحتلال الإسرائيلي قال إنه "لن يستهدف عمدا قوافل المساعدات
والعمال". وأضاف أنه سيواصل مواجهة التهديدات "مع الاستمرار في تخفيف
الأضرار التي تلحق بالمدنيين".
وأوضحت الصحيفة
أنه بدون إيصال المساعدات الكافية، فإنه يجب على السكان اللجوء إلى الأسواق المؤقتة؛
حيث يمكن بيع البضائع هناك بأي شيء يختاره البائعون. وغالبًا ما تتبع الأسعار
تصاعد الصراع.
ووفق الصحيفة، فإن السكر كان يباع مؤخرا في أسواق رفح بـ 7 شيكل، أي بأقل من دولارين. وفي اليوم
التالي، أطلقت حماس أكثر من عشرة صواريخ على القوات الإسرائيلية بالقرب من معبر
كرم أبو سالم الحدودي بين غزة وإسرائيل، ما أدى إلى إغلاقه. وفي الساعات التالية
ارتفع السعر إلى 25 شيكل. وفي اليوم التالي، انخفض سعر السكر إلى 20 شيكلاً.
ونقلت الصحيفة
عن صباح أبو غانم، 25 سنة، وهي أم لطفل وراكبة أمواج سابقة، قولها: "يمكن بيع
نفس السلعة بأسعار مختلفة في نفس السوق. عندما تكون الشرطة هناك، يبيع التجار
الأشياء بالأسعار التي تحددها الشرطة. وعندما تغادر الشرطة، ترتفع الأسعار على
الفور".
ويقول السكان إن
المسؤولين والوزارات المرتبطة بالحكومة التي تديرها حماس متواجدون في بعض المواقع،
خاصة في الجنوب.
وقال حمودة إن
المساعدات التي تتلقاها عائلته في بعض الأحيان تأتي من وزارة التنمية الاجتماعية
التي تديرها حماس، والتي تشرف على برامج الرعاية الاجتماعية.
وأضاف حمودة أن
الطرود غالبًا ما تفتقد بعض العناصر – خاصة الأطعمة مثل السكر والتمر وزيت
الطهي. وفي أحيان أخرى، كما قال، لم يحصلوا إلا على عدد قليل من الخضروات المعلبة
في أكياس بلاستيكية سوداء. وتابع بأن المواد الغذائية التي تختفي من طرود المساعدات
ينتهي بها الأمر في الأسواق وتباع بأسعار مرتفعة.
ونقلت الصحيفة
عن إسماعيل ثوابتة، نائب رئيس المكتب الإعلامي لحكومة غزة، قوله إن الوزارة تلقت
حوالي ربع المساعدات التي تم إدخالها إلى غزة، وتقوم بعد ذلك بتوزيعها. وقال:
"إن الادعاءات بأن الحكومة في غزة تسرق المساعدات كاذبة وغير صحيحة على
الإطلاق".
وأضاف ثوابتة إن
عمليات نهب المساعدات يقوم بها عدد صغير من الأشخاص الذين أجبرتهم إسرائيل على
اليأس، مشيرًا إلى أن حكومة حماس حاولت قمع عمليات النهب هذه، لكن الشرطة وأفراد
الأمن التابعين لها تعرضوا للاستهداف من قبل الغارات الجوية الإسرائيلية.
ولفتت الصحيفة
إلى تصريحات جيش الاحتلال الإسرائيلي التي قال فيها إنه استهدف ضباطًا وقادة شرطة،
فضلًا عن مراكز ومركبات، في إطار محاولته "تفكيك القدرات العسكرية والإدارية
لحماس".
وأوضحت الصحيفة
أنه مع اختفاء معظم الوظائف، فقد وجد الناس طرقًا جديدة لكسب بضعة دولارات حيث أدت
الحرب إلى ظهور احتياجات جديدة. ويعيش العديد من سكان غزة النازحين في الخيام،
وبالتالي فإن صناعة الملاجئ المؤقتة والحمامات أصبحت صناعة منزلية.
وبحسب الصحيفة، فقد قال سكان في مدينة رفح إن الخيام المصنوعة من أغطية بلاستيكية رقيقة وألواح خشبية
يمكن بيعها بمبلغ يصل إلى 3000 شيكل، أو 800 دولار. ومع عدم قدرتهم على الدفع، قام
آخرون بتركيب خيامهم الخاصة من القماش والأخشاب التي تم إنقاذها.
وقال حمودة، في
إشارة إلى القماش الذي استخدمه في بناء مأوى لأسرته: "لقد اشتريت تلك الأغطية
بسعر باهظ. اشترينا مرحاضًا مستعملًا بمبلغ 250 شيكلًا ودفعنا 50 شيكلًا للسباك
الذي قام بتركيبه".
وقال إن التكلفة
كانت أكثر من ضعف ما كانت عليه قبل الحرب.
وأشارت الصحيفة
إلى أنه حتى الحصول على أموال خاصة لدفع أسعار الحرب المتضخمة سمح للبعض
بالاستفادة من الأزمة. فلا يزال عدد قليل من أجهزة الصراف الآلي تعمل في جميع أنحاء
غزة، وعادة ما تكون تلك التي تعمل مكتظة بالأشخاص الذين يحاولون إخراج أموالهم. في
كثير من الأحيان، يقوم شخص مسلح بمراقبة جهاز الصراف الآلي، ويتقاضى رسومًا مقابل
استخدامه. يقدم الصرافون للناس إمكانية الوصول إلى أموالهم الخاصة مقابل عمولات
عالية.
واختتمت الصحيفة
تقريرها مشيرة إلى تصريحات إكرامي أسامة النمس، وهو أب لسبعة أطفال نازح إلى
الجنوب ويعمل موظفًا حكوميًا؛ حيث قال: "لم أستطع الحصول على راتبي إلا من
بعض الأشخاص الذين أخذوا نسبة 17 بالمائة من إجمالي المبلغ"، مضيفًا أنه حاول
عدة مرات الحصول على كيس طحين من شاحنات المساعدات – على الرغم من خطر تعرضه
لإطلاق النار من قبل الجنود الإسرائيليين – لتجنب الاضطرار إلى شرائه من السوق
السوداء. لكنه لم يحقق أي نجاح قط.