جاء قرار الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بوقف إمداد
الاحتلال بالقنابل، على أنّه القرار الأكثر دراماتيكية، وذلك منذ اندلاع حرب الاحتلال الإسرائيلي على قطاع
غزة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
ونشرت صحيفة
"نيويورك تايمز" الأمريكية، تقريرًا، تحدثت فيه عن لجوء الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى وقف إمداد الاحتلال الإسرائيلي بالقنابل في خطوة أكثر دراماتيكية،
وذلك بعد فشل المكالمات الهاتفية أو المبعوثين أو التصريحات العامة أو اجتماعات
اللجنة المشتركة في إثناء رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، عن المضي قُدمًا في
عملية
رفح.
وأوضحت الصحيفة،
في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، أن المقصود من قرار بايدن بإيقاف
تسليم 3500 قنبلة إلى الاحتلال الإسرائيلي مؤقتًا، هو إرسال إشارة قوية، مفادها أن
صبره له حدود، بينما يصر على أن دعمه للاحتلال الإسرائيلي لا يزال
"صارمًا"، فيما اختار بايدن للمرة الأولى منذ اندلاع حرب غزة في الخريف
الماضي استخدام سلطته باعتباره المورد الرئيسي للأسلحة لقوات الاحتلال لإظهار مدى
استيائه من تصرفات نتنياهو.
واعتبرت الصحيفة
هذا الإجراء نقطة تحول مهمة في العلاقة التي دامت 76 سنة بين الولايات المتحدة والاحتلال
الإسرائيلي، والتي كانت تاريخيًا واحدة من أقرب الشراكات الأمنية في العالم، لكنها
قد لا تكون بالضرورة نقطة الانهيار، لا تزال إدارة بايدن تسمح بإرسال معظم الأسلحة
الأخرى، وفي الواقع أكد المسؤولون أنه لم يتم اتخاذ قرار نهائي بشأن واردات
القنابل.
وأشارت الصحيفة
إلى أن بايدن يأمل أن يدفع هذا التوقف الانتقائي رئيس وزراء الاحتلال بنيامين
نتنياهو إلى التخلي عن غزو رفح، جنوب مدينة غزة حيث لجأ أكثر من مليون
فلسطيني،
وقد اعترض بايدن على مثل هذه العملية خوفًا من وقوع خسائر بشرية واسعة النطاق في
صفوف المدنيين بسبب القنابل الأمريكية، وقال الأربعاء إنه سيمنع أيضًا تسليم قذائف
المدفعية التي يمكن إطلاقها على الأحياء الحضرية في رفح.
وفي مقابلة مع
إيرين بورنيت على شبكة "سي إن إن"، الأربعاء، قال بايدن في إشارة إلى
نتنياهو بلقبه: "لقد أوضحت لبيبي ومجلس الوزراء أنهم لن يحصلوا على دعمنا إذا
هاجموا هذه المراكز السكانية"، فيما قدّم بايدن اعترافًا نادرًا بأن القنابل الأمريكية
قتلت فلسطينيين أبرياء، قائلا: "لقد قُتل مدنيون في غزة نتيجة لتلك القنابل
والطرق الأخرى التي يستهدفون بها المراكز السكانية".
وذكرت الصحيفة
أن الخطط الإسرائيلية لاقتحام رفح تشكل مصدر خلاف حاد مع إدارة بايدن منذ أشهر، وبينما يعارض الأمريكيون مثل هذه العملية، يؤكد الإسرائيليون أنهم بحاجة
للذهاب إلى رفح لإنهاء تدمير حماس.
وصل النزاع إلى
ذروته في الأيام الأخيرة عندما بدا أن نتنياهو وحكومته الحربية على وشك اتخاذ قرار
بالتحرّك ضد رفح على الرغم من اعتراضات الولايات المتحدة، وقال مسؤولو الإدارة
إنهم بدأوا الشهر الماضي مراجعة الأسلحة التي يمكن استخدامها في العملية، وأن
بايدن وقّع على إيقاف توريد القنابل الأسبوع الماضي.
ونقلت الصحيفة
عن كليف كوبشان، وهو رئيس مجموعة أوراسيا، الذي عاد لتوّه من رحلة إلى الشرق الأوسط:
"هذا القرار يعني أن بايدن قرر استخدام الشكل الحقيقي الوحيد للضغط على بيبي وهو
حجب الأسلحة، إنها نقطة منخفضة بالنسبة للعلاقات بين الولايات المتحدة والاحتلال من
شأنها وضع الأمن الإسرائيلي على المحك، لم يكن أمام بايدن أي خيار، إن الحرب تشكل
عائقًا لحملته الانتخابية، ولوحدة الحزب الديمقراطي، ولمكانة الولايات المتحدة في
العالم".
وأضافت الصحيفة
أن الإدارة الأمريكية كانت تأمل أن تكون هذه الخطوة رسالة هادئة، ولم تعلنها علنًا
في البداية، لكن الاحتلال الإسرائيلي هو من سرّبها، وفي الأيام التي تلت القرار،
أمر الاحتلال بإجلاء 110 آلاف مدني في رفح، وشنّت غارات جوية على أهداف على أطراف
المدينة، وأرسلت دبابات واستولت على المعبر مع مصر، ومع أن هذه التحركات وُصفت
بأنها محدودة وليست بداية الهجوم الموعود، إلا أنها دقت ناقوس الخطر في البيت
الأبيض.
وقالت الصحيفة
إن إجراءات الاحتلال، التي جاءت جزئيًا ردًا على هجمات حماس الصاروخية التي أسفرت
عن مقتل أربعة جنود من قوات الاحتلال، نهاية الأسبوع الماضي، تهدف إلى مواصلة الضغط
على حماس للموافقة على وقف مؤقت لإطلاق النار مقابل إطلاق سراح بعض الأسرى.
التقى مدير
وكالة المخابرات المركزية ويليام بيرنز، الأربعاء، مع نتنياهو في القدس المحتلة. بينما كان
مسؤولون آخرون يتشاورون في القاهرة حول العروض المتنافسة من الجانبين، وقال محللون
إن التوصل إلى مثل هذا الاتفاق قد يكون السبيل الوحيد لتجنب حدوث قطيعة أكثر خطورة
بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وإدارة بايدن.
ونقلت الصحيفة عن المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية، إليوت أبرامز، الذي خدم في
إدارات جمهورية متعددة، قوله: "ما يطلبونه هو ألا تدخل إسرائيل إلى رفح بشكل
كبير، باستثناء صفقة الأسرى، أعتقد أن الإسرائيليين سيذهبون إلى رفح وسيسبب ذلك
قدرًا كبيرًا من التوتر".
كانت العلاقة
بين الولايات المتحدة ودولة الاحتلال الإسرائيلي فريدة منذ قيامها في سنة 1948، وبعد 11 دقيقة فقط
جعل الرئيس هاري ترومان الولايات المتحدة أول دولة في العالم تعترف بالتأسيس، لكن
العلاقة اتسمت أيضًا منذ فترة طويلة بلحظات من التوتر العميق، في البداية، في عهد
كل من ترومان ودوايت أيزنهاور، رفضت الولايات المتحدة بيع أسلحة للاحتلال على
الإطلاق وأصبح الرئيس جون كينيدي أول من فتح الترسانة من خلال توفير صواريخ هوك
المضادة للطائرات. وقام الرئيس ليندون جونسون بتوسيع العلاقات بإرسال دبابات إم
-48 وطائرات إيه-4 سكاي هوك وطائرات إف-4 فانتوم الثانية.
وذكرت الصحيفة
أن الرؤساء كانوا قد أوقفوا المساعدات عن الاحتلال من قبل للإشارة إلى الاستياء أو
التأثير على السياسة حيث قام الرئيس رونالد ريغان أكثر من مرة بتأخير شحنات
الطائرات الحربية والذخائر الأخرى بسبب عدم رضاه عن التدخل في لبنان. وقام الرئيس
جورج بوش الأب بتأجيل ضمانات قروض الإسكان بقيمة 10 مليارات دولار لمنع استخدام
الأموال الأمريكية لتمويل بناء المستوطنات في الضفة الغربية.
منذ الحرب
العالمية الثانية، قدّمت الولايات المتحدة مساعدات للاحتلال أكثر من أي دولة أخرى
في العالم، وحتى السنة الماضية، قدّمت الولايات المتحدة 158.7 مليار دولار
لدولة الاحتلال الإسرائيلي منذ تأسيسها، الجزء الأكبر منها (أو ما يعادل 124.3 مليار دولار) لجيشها،
وذلك وفقًا لخدمة أبحاث الكونغرس، وبموجب مذكرة تفاهم مدتها 10 سنوات أبرمها
الرئيس باراك أوباما، تُقدّم واشنطن حاليًا 3.8 مليارات دولار سنويًا كمساعدات
عسكرية، دون احتساب 15 مليار دولار من المساعدات الإضافية التي وافق عليها
الكونغرس الشهر الماضي ووقّعها بايدن لتصبح قانونًا.
وأضافت الصحيفة
أنه سرعان ما انتقد الجمهوريون بايدن، الأربعاء، بعد أن أكد وزير الدفاع لويد أوستن
علنًا التقارير المتعلقة بتأخر شحنة القنابل في جلسة استماع بمجلس الشيوخ، وقال
السيناتور ليندسي غراهام من ولاية كارولينا الجنوبية لوزير الدفاع: "هذا
فاحش. إنه أمر سخيف، أعطوا الاحتلال ما يحتاجه لخوض الحرب التي لا يستطيع تحمل
خسارتها".
من ناحية أخرى،
قال الديمقراطيون والتقدميون الذين يضغطون على بايدن للحد من الأسلحة أو قطعها
لكبح الحرب، إن الإجراء الذي اتخذه الرئيس طال انتظاره وما زال غير كاف بعد مقتل
أكثر من 34 ألف شخص في غزة، بما في ذلك المقاتلون والمدنيون.
وحسب الصحيفة،
قال السيناتور بيرني ساندرز، الاشتراكي الديمقراطي من ولاية فيرمونت، إن قرار
بايدن كان "صحيحًا تمامًا" ولكن يجب أن يكون البداية فقط. وأضاف: "نفوذنا
واضح. على مر السنين، قدمت الولايات المتحدة عشرات المليارات من الدولارات
كمساعدات عسكرية، ولم يعد بإمكاننا أن نكون متواطئين في حرب نتنياهو المروعة ضد
الشعب الفلسطيني".
في المقابل، كان
رد فعل نتنياهو وحكومته الحربية أن قال شالوم ليبنر، مستشار لعدة رؤساء وزراء للاحتلال
منذ فترة طويلة، إن ذلك "ضرب على وتر حساس عميق داخل الكيان حيث يتساءل الناس
عن مدى التوفيق بين تقييد وصول الأسلحة - وهي خطوة من المؤكد أنها ستشجّع حماس -
وبين التزام بايدن الصارم المتكرر بأمنها"، وأضاف: "سيكون من الضرر
الاستراتيجي أن تتجاهل حكومة نتنياهو الرد الصاخب من مزودها الرئيسي بالدعم
العسكري والدبلوماسي".
وذكرت الصحيفة
أن القنابل الـ 3500 التي تم ضبطها الأسبوع الماضي تشمل ذخائر بوزن 2000 رطل و500
رطل. ولا تزال وزارة الخارجية تدرس أيضًا ما إذا كانت ستمضي قدمًا في تسليم
مجموعات توجيه ذخائر الهجوم المباشر المشترك التي يمكنها تحويل ما يسمى بالقنابل
الغبية إلى أسلحة موجهة بدقة، ولكن لا توجد شحنة وشيكة في الوقت الحالي. علاوة على
ذلك، قال المسؤولون إنهم سيستمرون في تقديم "كل دولار" من المساعدات
المصرح بها في حزمة الكونغرس الجديدة.
وحسب المحلل
كوبشان فإن مسار العلاقة الأمريكية الإسرائيلية سوف ينقلب على ما سيحدث بعد ذلك،
إذا أذعن نتنياهو لحكم بايدن بشأن معبر رفح فقد يكون ذلك مجرد تصعيد مؤقت، أما إذا
ظل الزعيمان في المواجهة فقد يؤدي ذلك إلى قطع أوسع للأسلحة، وهو ما سيكون له
تأثير أكثر استدامة. وقال كوبشان: "إن أساس العلاقات بين الولايات المتحدة
ودولة الاحتلال الإسرائيلي قوي للغاية لدرجة أنه لن يتضرر بشكل كبير بسبب هذه الخطوة. لكن المزيد من
عمليات الحجز، على الرغم من أنها غير محتملة إلى حد كبير، ستكون قصة مختلفة".