تتزايد في منطقة غرب أفريقيا موجة رفض واسعة للحضور الفرنسي، خصوصا في شقه العسكري، وسط تصاعد النفوذ الروسي بالقارة السمراء.
وحتى وقت قريب، كانت لفرنسا نحو خمس قواعد عسكرية بمنطقة غرب أفريقيا، وتحديدا في
السنغال وساحل العاج والغابون والنيجر وجيبوتي وتشاد.
لكنّ ثلاثا من هذه الدول طردت بالفعل القوات الفرنسية من أراضيها، وذلك عقب وصول حكام عسكريين لهذه الدول، وهي مالي والنيجر وبوركينافاسو.
وأصدر قادة هذه الدول قرارات بإنهاء التواجد العسكري الفرنسي على أراضيها، ولجأت إلى روسيا للمساعدة في مكافحة الحركات المسلحة على أراضيها.
كما أعلنت تشاد قبل أسابيع عزمها إلغاء الاتفاقيات المتعلقة بالحضور العسكري الفرنسي في البلاد.
تلويح بالطرد من آخر قلاع باريس
واستمرارا لما يبدو أنه رفض أفريقي متصاعد للحضور الفرنسي، لوحت السنغال بإغلاق القواعد العسكرية الفرنسية على أراضيها.
وألمح رئيس الوزراء السنغالي، عثمان سونغو، إلى ذلك، حين قال إنه "بعد مرور أكثر من 60 عاما على استقلال السنغال، يجب أن نتساءل عن الأسباب التي تجعل الجيش الفرنسي على سبيل المثال لا يزال يستفيد من عدة قواعد عسكرية في بلادنا، ومدى تأثير هذا الوجود على سيادتنا الوطنية واستقلالنا الاستراتيجي".
وأضاف في مؤتمر صحفي بداكار إلى جانب السياسي الفرنسي جان لوك ميلنشون: "أكرر هنا رغبة السنغال في أن تكون لها سيطرتها الخاصة، وهو ما يتعارض مع الوجود الدائم لقواعد عسكرية أجنبية في السنغال".
وتابع: "لقد وعدت العديد من الدول باتفاقيات دفاعية، لكن هذا لا يبرر حقيقة أن ثلث منطقة داكار محتل الآن بحاميات أجنبية".
الاستثناء السنغالي
ويرى مدير "مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية والاستشارات وتحليل السياسات" أحمد ولد وديعة، أن التصريح الصادر عن رئيس الوزراء السنغالي "هو تجسيد لواحدة من النقاط الأساسية في خطابه الذي دخل به الحياة السياسية قبل 10 سنوات".
ولفت ولد وديعة في تصريح لـ"عربي21"، إلى أن النقطة الأساسية في خطاب رئيس الوزراء السنغالي الجديد هي تلك المتعلقة بموضوع السيادة.
وأشار في هذا الصدد إلى بعدين أساسيين، أحدهما المتعلق بالوجود العسكري، والبعد المتعلق بعملة "لفرنك الغرب أفريقي".
وأضاف: "الظاهر أن السنغال كما مثلت استثناء في المجال الديمقراطي في المنطقة الغرب أفريقية، في طريقها لتمثل أيضا حالة تميز في طريقة مراجعة علاقتها بفرنسا".
وتابع ولد وديعة: "نحن أمام نموذج لا يريد للعلاقة مع
فرنسا أن تنهي بالشكل الذي حصل في مالي والنيجر وبوركينافاسو من خلال الأنظمة العسكرية، لكنه لا يريد لها أن تبقى أيضا بنفس الحالة".
وأشار إلى أن تصريحات رئيس الوزراء السنغالي الجديد تؤكد أنه يريد "طريقا ثالثا تتم فيه المراجعة، وفي النهاية تكون فرنسا فقدت واحدة من أهم مراكزها في القارة، وقلعة من أبرز قلاعها".
ونبه المتحدث إلى أن "اللافت أن هذا الموقف تم خلال استقبال سياسي فرنسي".
وأكد ولد وديعة أن "الوجود الفرنسي كما عرفه الفرنسيون قبل فترة في طريقه لأن ينتهي". لكنه نبه إلى أن هذا لا يعني أن فرنسا في طريقها لأن تخرج بشكل نهائي من المنطقة.
معركة "الفرنك الأفريقي"
وفي مؤشر آخر على استمرار الرفض الأفريقي لمختلف أشكال التبعية لفرنسا، تصاعدت في القارة مطالب بالتخلي عن الفرنك الأفريقي، وهو العملة التي يصفها الكثيرون في أفريقيا بأنها "عملة استعمارية تتحكم بها فرنسا في اقتصاد القارة السمراء".
وفي هذا الإطار، قال رئيس الوزراء السنغالي عثمان سونغو، في مؤتمره الصحفي الخميس الماضي، إن السنغال التي تتقاسم مع دول أفريقية أخرى عملة الفرنك الأفريقي المرتبطة باليورو "ترغب في عملة مرنة مرتبطة بعملتين على الأقل، للمساعدة في امتصاص الصدمات، ودعم القدرة التنافسية للصادرات".
وجعل كل من رئيس السنغال بَسِّيرُ دِيوماي فاي، ورئيس وزرائه عثمان سونغو، نهاية الفرنك الأفريقي شعارا لحملتهما السياسية.
وحسب صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، برز "العداء تجاه الفرنك الأفريقي" أيضا في ثلاث دول أفريقية أخرى، هي بوركينا فاسو ومالي والنيجر، حيث قررت هذه الدول الثلاث مؤخرا الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، وهي الكتلة الإقليمية التي كانت تضم خمس عشرة دولة قبل انسحاب هذه الدول الثلاث.
وللإشارة، فإن "الفرنك الأفريقي" هو عملة فرضتها فرنسا في أربعينيات وخمسينيات القرن الـ20 على دول أفريقية كانت مستعمرات لها، وذلك تزامنا مع بداية حركات التحرر والاستقلال عن الاستعمار الفرنسي للقارة الأفريقية.
ويصنف "الفرنك الأفريقي" ضمن الأضعف في العالم، بحسب المؤشرات التنموية والاقتصادية والاجتماعية للدول التي تتداوله، والتي يعاني جلها من عدم الاستقرار السياسي والصراعات المسلحة وتنامي الجماعات المسلحة والانفصالية، إضافة إلى الهجرة السرية نحو أوروبا، رغم ثرواتها الطبيعية الهائلة.
والدول التي يعتبر "لفرنك الأفريقي" عملتها الرسمية هي: بنين وبوركينا فاسو وساحل العاج وغينيا بيساو ومالي والنيجر والسنغال وتوغو، والكاميرون وجمهورية أفريقيا الوسطى والكونغو والغابون وغينيا الاستوائية وتشاد.