أثارت زيارة رئيس إقليم
كردستان العراق،
نيجيرفان البارزاني، إلى
إيران ولقائه بكبار القادة والمسؤولين، جملة من التساؤلات،
خصوصا أنها جاءت بعد استهداف حقل غازي في مدينة السليمانية بطائرة مسيرة، ووجه الاتهام
فيها إلى المليشيات الموالية لإيران.
وفي 5 أيار/ مايو الجاري، أجرى رئيس إقليم
كردستان العراق زيارة إلى إيران استمرت مدة ثلاثة أيام، التقى خلالها بالمرشد الأعلى
للبلاد علي خامنئي والرئيس إبراهيم رئيسي ورئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، وقائد
الحرس الثوري حسين سلامي.
واتفق البارزاني والقادة الإيرانيون على
توطيد العلاقات في المستقبل والابتعاد عن كل ما يوترها، وخصوصا ما يتعلق بالأحزاب الكردية
الإيرانية المعارضة المتواجدة في كردستان العراق، والتي سبق أن أعلنت السلطات في أربيل
أنها أبعدتهم عن الحدود مع إيران.
"خطوط حُمر"
تعليقا على ذلك، قال المحلل السياسي من
إقليم كردستان العراق، شاهو القرة داغي، إن "الهدف من تواجد رئيس الإقليم نيجيرفان
البارزاني في إيران واللقاء بالمسؤولين البارزين وصنّاع القرار، وخاصة المرشد الإيراني
علي خامنئي، هو إعادة العلاقة بين طهران والحزب الديمقراطي الكردستاني (الحاكم) إلى
مسارها الطبيعي".
وأوضح القرة داغي في حديث لـ"عربي21"
أن "الزيارة تأتي بعد المشكلات التي شهدتها العلاقة بين الطرفين، خاصة عمليات
القصف المباشرة التي شنها الحرس الثوري على أربيل، ويبدو أن هذا الأمر تحقق نوعا ما
نظراً للترحيب الإيراني والتأكيد على التعاون وتنمية العلاقات التجارية".
ورأى المحلل السياسي أن "الزيارة في
وقت مهم تتعرض فيه أربيل لضغوطات من أطراف في الإطار التنسيقي (الشيعي) والمحكمة
الاتحادية في بغداد"، مؤكدا أن "أسرع نتائج هذه الزيارة هو صدور قرار للمحكمة
يصب في صالح أربيل بخصوص الانتخابات البرلمانية".
وأثناء تواجد نيجيرفان البارزاني في طهران،
أصدرت المحكمة الاتحادية في العراق قرارا أنهى أزمة حادة مع كردستان، بعدما ألغت، في
7 أيار الجاري، حكما سابقا قلّص عدد مقاعد برلمان الإقليم.
وأصدرت المحكمة "أمرا ولائيا"
لإيقاف آليّة توزيع مقاعد البرلمان، بعد طلب تقدّم به رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني.
وتعني عبارة "الأمر الولائي" في القانون العراقي، أن المحكمة تتحفظ بشكل
مؤقت على قرار سابق لها، إلى حين الفصل النهائي في النزاع.
وقضت المحكمة، في 21 شباط/ فبراير الماضي،
بعدم دستوريّة مواد في قانون انتخابات برلمان إقليم كردستان، وقلصت مقاعده من 111 إلى
110 مقاعد بعد إلغاء حصة الأقليات.
واحتجاجا على القرار، أعلن الحزب الديمقراطي
الكردستاني، في آذار/ مارس الماضي مقاطعة الانتخابات وهدّد بالانسحاب من العمليّة السياسية،
متهما المحكمة الاتحادية بالتدخل في شؤون الإقليم.
وأكد القرة داغي أن "الإقليم يعمل
على تقوية البنى التحتية في مجال الطاقة، وهذا الأمر يتطلب استتباب الأمن وإنهاء عمليات
التخريب والقصف، ولكن يبدو أن طهران لديها خطوط حمر بخصوص ملف الطاقة ولا يمكن ترويضها
بسهولة".
ولفت المحلل السياسي إلى أن "إيران
تشعر بأن تطوير قطاع الطاقة في العراق سيؤثر عليها مستقبلا، وبالتالي فقد يستمر الجانب
الإيراني في إرسال رسائله عن طريق الفصائل المسلحة".
واتهم القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني،
ووزير الخارجية العراقي الأسبق، هوشيار زيباري، المليشيات الموالية لإيران بالوقوف
وراء الهجوم على حقل كورمور الغازي بمدينة السليمانية في 27 نيسان/ أبريل الماضي، وعدّه
استهدافا ممنهجا لاقتصاد إقليم كردستان العراق.
"إزالة المشكلات"
وفي المقابل، استبعد المحلل السياسي العراقي،
حيدر الموسوي، أن تكون بالضرورة ثمة علاقة بين زيارة نيجيرفان البارزاني إلى إيران،
والاستهداف الأخير الذي طال الحقل الغازي في السليمانية.
ورأى الموسوي في حديث لـ"عربي21"
أن "الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم، يعتقد أن الهجمات الصاروخية ضد الإقليم،
وقرارات المحكمة الاتحادية كانت تستهدفه بشكل مباشر أو غير مباشر، لذلك فهو يشعر بأنه جرى
وضعه في خانة المعادين لإيران".
وتابع: "لذلك فقد أوفد الحزب الديمقراطي
نيجيرفان البارزاني كونه الشخصية الأكثر هدوءا ومعروفا بدبلوماسيته العالية، وكان استقباله
جيدا من الجانب الإيراني، وبالتالي فإنه يُعتقد أن الزيارة ستنهي بعض الأمور، وخصوصا الجامعات
الكردية الإيرانية المعارضة المتواجدة في إقليم كردستان".
وبحسب الموسوي، فإن "الحزب الديمقراطي
تعهّد للإيرانيين بأنه سيكون متعاونا بشكل كبير في القضاء على هذه الجماعات، في مقابل
عودة إيران إلى العلاقة الوطيدة السابقة مع الحزب الذي كان حليفا لهم، بحيث إنه إذا تعرّض لضغوط من بغداد فإن طهران ستتدخل لصالحه".
ولفت إلى أن "الإيرانيين سيعملون على
مساعدة الحزب الديمقراطي، ومن الواضح أن نيجيرفان البارزاني طلب منهم ذلك، وشكى لهم
بعض المعاناة في الداخل العراقي، كون الحزب يعتقد أن التأثير الإيراني واضح على بعض
الأطراف السياسية".
وأردف بأنه "بالتالي فإن من الممكن أن تؤثر
إيران على الجهات التي تستهدف الإقليم أو تحاول أن تستهدفه مستقبلا، وتنهي ذلك تماما.
لكن هذا يعتمد على ما يقدمه الإقليم من ضمانات".
وخلص الموسوي إلى أن "الإيرانيين يعتقدون
أن الحزب الديمقراطي هو مسؤول عن تواجد جماعات أو عناصر قد تكون مرتبطة ليس فقط بمعارضين
أكراد، وإنما بجهات إسرائيلية، وهذا الأمر يهدد أمنها القومي، وهي لن تسمح بذلك إطلاقا،
وسترد عليه بشكل أو بآخر".
وتوصل إلى أن "الرد الإيراني على "إسرائيل" في 14 نيسان/ أبريل الماضي، كان محفزا لأربيل حتى تعود من جديد إلى الفهم بأن إيران
ليست دولة هشة أو ضعيفة، وإنما ما زالت قوية في المنطقة ولها نفوذ ولديها حلفاء، وبالتالي فإن عليها أن تعيد تطبيع العلاقة معها بشكل أفضل مما هي عليه اليوم".
وفي السياق ذاته، أكد ممثل كردستان العراق
في إيران، ناظم دباغ، أنه بعد زيارة نيجيرفان البارزاني إلى طهران، فإننا سنشهد بالتأكيد
تطور التعاون السياسي والأمني والاقتصادي بين إيران والإقليم، لافتا إلى السعي لتجنب
المشكلات السابقة بين إيران والإقليم.
وأكد خلال مقابلة مع وكالة "إرنا"
الرسمية، السبت، أن "البارزاني أكد أنه لا يحق لأي مجموعة القيام بأعمال ضد المصالح
الوطنية والأمن القومي الإيراني من أي نقطة في كردستان العراق، وفي المقابل فإنه لا ينبغي
لمجموعات من الجانب الإيراني أن تتخذ إجراءات ضد مصالح وأمن الإقليم".