لا يعد حراك الجامعات الحالي الداعم لفلسطين والمناهض للاحتلال الإسرائيلي وجرائمه الأول من نوعه، بل إنه مستمر منذ سنوات طويلة وشهد العديد من الإنجازات السابقة، مع محاولات إسرائيلية مستمرة لقمعه والحد من تأثيره.
ولم تتبع هذه الجهات توجه الإعلام الدولي والعالمي بوصف ما يجري في
فلسطين بـ"النزاع بين طرفين"، إنما بمظلومية شعب وممارسة الاحتلال لمختلف أنواع الجرائم والفصل العنصري والقتل الممنهج.
جامعة مدينة نيويورك
في كانون الأول/ ديسمبر 2021، أعلنت الحركة الطلابية لكلية الحقوق، بجامعة مدينة نيويورك "كوني - CUNY" دعمها رسميا لحركة مقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على الاحتلال "BDS"، وذلك في قرار تم بالإجماع.
وأكد المجلس أن المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية متواطئة في احتلال واستعمار فلسطين وعنف الدولة ضد الفلسطينيين؛ من خلال تطوير المعدات العسكرية والأسلحة والطائرات بدون طيار، وتقنيات المراقبة، وتقديم دورات تدريبية عسكرية ومنصب لكبار الضباط العسكريين.
ووصف القرار المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية بأنها تمارس التمييز ضد الطلبة الفلسطينيين، وتقمع الأصوات المؤيدة لكفاحهم من أجل تقرير المصير، مطالبا إدارة الجامعة بوقف ضلوعها في جرائم الفصل العنصري والإبادة الجماعية، وجرائم الحرب المستمرة التي ترتكبها "إسرائيل".
واتهم القرار "منظمات طلابية في الجامعة بأنها تتلقى أموالا من إسرائيل، ومن منظمات تمارس الضغط نيابة عن إسرائيل، وتشمل مهمتها دعم دولة الاحتلال، وممارسة المراقبة وترهيب ومضايقة نشطاء التضامن مع فلسطين في الحرم الجامعي".
وتشمل
المقاطعة وفقا للقرار منظمة الطلبة اليهود المدعوة "هليل"، ومنظمة "كاميرا"، ومنظمة العلاقات العامة "قف معنا" ومنظمات أخرى.
وتعد جامعة مدينة نيويورك أكبر جامعة عامة حضرية في
الولايات المتحدة، تأسست عام 1847 كأول مؤسسة عامة للتعليم العالي في البلاد، وتضم اليوم 25 كلية منتشرة عبر الأحياء الخمس من مدينة نيويورك، وتخدم 275 ألف طالب من الباحثين عن درجات علمية من جميع الأعمار.
وفي أيار/ مايو 2022، انضم أعضاء
هيئة التدريس بكلية الحقوق بالجامعة، إلى صفوف المنظمات التعليمية والمهنية التي تدعم حراك المقاطعة والاعتراف بحقوق الفلسطينيين، في استجابة لهدف إنهاء العلاقات طويلة الأمد بين الكليات الأمريكية الكبرى مثل جامعة مدينة نيويورك والجهات الإسرائيلية.
ومرر مجلس موظفي الجامعة أيضا، الذي يمثل 30 ألف عضو، قرارا يدين فيه "إسرائيل" كدولة استعمار استيطاني وأبارتهايد.
وتسبب هذا الحراك بغضب إسرائيلي واسع وتم خلاله تجنيد منظمات تدعم الاحتلال، إضافة إلى الضغط على إدارة الجامعة والتحريض المباشر على بعض القيادات الطلابية.
وتسببت الضغوط الإسرائيلية بفتح وزارة التعليم الأمريكية تحقيقا في مزاعم معاداة السامية بجامعة ولاية نيويورك، بعد شكوى بفصل طالبين يهوديين في الجامعة يزعمان أنهما تعرضا لـ"التنمر والمضايقة" لهويتهما اليهودية.
وفي حزيران/ يونيو 2023، طالبت مجموعة "ائتلاف" اليهودية بإقالة عميد كلية الحقوق بجامعة مدينة نيويورك، سودها سيتي، وذلك خلال مسيرة تحريضية نظمتها أمام مقر الجامعة في نيويورك بمشاركة عشرات الإسرائيليين، على خلفية خطاب الخريجة اليمنية فاطمة محمد الذي انتقدت فيه الاحتلال.
وواجهت الخريجة فاطمة محمد، هجوما تحريضيا وجرى اتهامها بمعاداة السامية، بعد انتقادها الانتهاكات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني خلال خطابها في حفل التخرج، في الوقت الذي أشادت فيه بحملات المقاطعة الطلابية لـ"إسرائيل".
وفي خطاب امتد لـ13 دقيقة، قالت فاطمة: "لم يعد بإمكان فلسطين أن تكون استثناء لسعينا لتحقيق العدالة"، وذلك عقب تناولها للاعتداءات الإسرائيلية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، متحدثة عن جرائم التطهير والتهجير والتدمير الذي طال حتى الجنائز والمقابر.
وتعد مشاركة كلية الحقوق بالجامعة من أبرز المساهمات في حراك الجامعات الحالي، بعدما جرى رفع العلم الفلسطيني على السارية الرئيسية داخل الحرم الجامعي، وهو ما أغضب عمدة المدينة إريك آدامز، ونائب مفوض شرطة نيويورك، كاز داتري، الذي شارك في إنزال العلم بنفسه.
المشاهد التي نشرها داتري، جاءت عقب تمكن قوات الشرطة تحت قيادته من قمع الاعتصام الطلابي في الكلية، والسيطرة على حرمها بعد اعتقال وإصابة عشرات الطلاب.
جامعة هارفارد
كانت الجامعة الأمريكية العريقة من أول من علق على الجرائم الإسرائيلية مع بدء حرب الإبادة الحالية في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وأصدر ائتلاف يضم 34 منظمة طلابية بالجامعة بيانا مؤيدا للفلسطينيين، تضمن التأكيد على أن نظام الفصل العنصري هو "الجاني الوحيد بالحرب".
وقال الطلاب في بيان إنهم "يحمّلون النظام الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن كل أعمال العنف التي تتكشف بين الفلسطينيين والإسرائيليين بعد عقود من الاحتلال"، مؤكدين أن "نظام الفصل العنصري هو وحده الملام".
وحمّل البيان الاحتلال مسؤولية اندلاع الحرب، وجاء فيه أن "ما حدث في غزة لم يأت من العدم، ففي العقدين الماضيين أرغم ملايين الفلسطينيين على العيش في سجن مفتوح بدون أن يملكوا ملجأ أو منافذ للهروب، وارتكبت بحقهم مجازر، ليتخلل العنف الإسرائيلي جوانب حياة الفلسطينيين طيلة 75 عاما".
"الكوفية والحمص"
وفي شباط/ فبراير 2022 بدأت لجنة التضامن مع فلسطين (PSC) بقيادة حملة طلابية لدعم فلسطين، تسمى "#خميس_الكوفية #KeffiyehThursday" في جامعة هارفارد، تتمثل في أنه كل يوم خميس يرتدي الطلاب في الحرم الجامعي الكوفية طوال اليوم، لرفع مستوى الوعي بالقضية الفلسطينية.
وقد طُرحت الفكرة عندما طلب أعضاء اللجنة من الأفراد ارتداء الكوفية أثناء حضورهم حدثا في الجامعة سيشهد ظهور الناشط الفلسطيني البارز محمد الكرد، وبعد الحدث تم الاقتراح على اللجنة ارتداء الكوفية مرة واحدة كل أسبوع حول الحرم الجامعي، وهكذا ولدت الحملة.
وكان الحملة مع انطلاقتها ناجحة للغاية، لدرجة إثارة اهتمام كلية أمريكية مرموقة أخرى من جامعة آيفي ليغ، وهي جامعة برينستون، وفي اليوم نفسه، قررت جامعة برينستون أيضًا عقد #KeffiyehThursday الخاص بها، ونشرت صورة للمشاركين في الحدث.
إضافة إلى ذلك، فإنه تم توفير كوفية للشراء للذين لا يمتلكونها، بعدما اشترت الحملة بعضها من مصنع الحرباوي، وهو المصنع الفلسطيني الوحيد في الخليل الذي لا يزال ينتجها.
وتشهد جامعة "هارفارد"
فعاليات طلابية واسعة ضمن أسبوع مقاومة الفصل العنصري الإسرائيلي، الذي انطلق عالميا عام 2019، تتضمن إقامة نماذج من جدار الفصل العنصري، وتوزيع ملصقات ونشرات تفضح جرائم الاحتلال وتدعم القضية الفلسطينية.
وفي نفس العام، بدأت
حملات مقاطعة سنوية تستهدف برنامج الرحلات الدعائية الطلابي "إسرائيل تريك"، الممول من منظمة "هليل" الصهيونية، ونجحت الحملة خلال المدة الماضية، في دفع مئات الطلبة إلى رفض المشاركة.
أما في شباط/ فبراير 2022، فقد أطلقت منظمات طلابية في هارفرد
حملة تطالب الجامعة بإزالة سلطة الحمص من إنتاج شركة "صبرا" الإسرائيلية من قاعات الطعام، ردا على دعم الشركة للواء "غولاني" في جيش الاحتلال.
وفي أيار/ مايو 2022، أعلنت هيئة تحرير صحيفة "
هارفرد كريمسون" الصادرة عن جامعة هارفارد، تبنيها مقاطعة "إسرائيل" ودعمها لتحرير فلسطين، متمسكة بمواقفها الطلابية رغم حملة التحريض الإسرائيلية ضد هيئة تحريرها.
وخلال الحراك الحالي، رفع الطلاب ثلاثة أعلام فلسطينية فوق تمثال جون هارفرد في الساحة المركزية للجامعة، على الصواري المخصصة لرفع العلم الأمريكي.