أعادت
الانتخابات المحلية التي
جرت في
بريطانيا الأسبوع الماضي؛ النقاش حول مدى تأثير أصوات
المسلمين في
الانتخابات، خصوصا أن البلاد على أبواب انتخابات عامة.
وفي العادة، فإن غالبية المسلمين
في بريطانيا يصوتون لحزب العمال، لكن موقف الحزب بقيادة كير ستارمر المؤيد لإسرائيل
بشدة والرافض للدعوة لوقف فوري ودائم لإطلاق النار في
غزة، وهو موقف حكومة المحافظين أيضا، أثار غضب شرائح واسعة
من ناخبي الحزب، خصوصا المسلمين.
ورغم أن
حزب العمال حقق تقدما
في الانتخابات المحلية الأخيرة مقابل تراجع المحافظين، فإن الحزب واجه تحديا في
المناطق التي تزيد نسبة المسلمين فيها على 20 في المئة، حيث شهد تراجعا بنحو 21 في
المئة من الأصوات مقارنة بنتائج انتخابات 2021.
وقالت النائبة البارزة إيلي ريفز،
وهي نائبة منسق حملة حزب العمال، إن حزبها يحتاج إلى إعادة بناء الثقة مع الناخبين
المسلمين، وسط رد فعل "عنيف" وواضح ضد موقفه من غزة. كما أقرت بأن حزبها
بحاجة إلى الكثير من العمل قبل الانتخابات العامة المقبلة.
وفي هذا السياق، يلفت رئيس مركز
قرطبة لحوار الحضارات، أنس التكريتي، إلى أن المشاركة في الانتخابات المحلية كانت "منخفضة
لحد ما"، مشيرا إلى أن الملاحظة هنا هي في أن كثيرا ممن تغيبوا عن التصويت هم
ممن يصوتون لحزب العمال عادة، لذلك رغم فوز الحزب بنسبة كبيرة، فإنها "أقل
مما كان يتوقع ومما كان يأمل"، مشيرا إلى أن "هزيمة حزب المحافظين حصلت،
ولكن ليست بالمستوى الساحق الذي كان متوقعا قبل بضعة أشهر".
وتشير تقديرات نشرتها محطة سكاي نيوز إلى أنه بناء على نتائج الانتخابات المحلية التي جرت الخميس الماضي، فإن الانتخابات العامة القادمة يمكن تفرز برلمانا معلقا، بحيث يصبح حزب العمال هو الحزب الأكبر في البرلمان ولكن دون أغلبية تمكنه من تشكيل الحكومة بمفرد، ما يعني اضطراره للتحالف مع أحزاب أخرى.
وتمثل مثل هذه التوقعات جرس إنذار بالنسبة لقيادات في حزب العمال، مع صدور دعوات من داخل الحزب لاستعادة ثقة فئات كانت تصوت تقليديا له، مثل المسلمين والمؤيدين لفلسطين. لكن لم تصدر أي إشارات من قيادة الحزب حتى الآن على تغيير نهجه.
انخفاض في المشاركة
ويرى التكريتي في حديث
لـ"
عربي21"، أن هناك عزوفا عن التصويت للأحزاب السياسية الرئيسة بشكل عام
(الخضر، الديمقراطيون الأحرار)، "في المقابل، فإن الأصوات التي حصل عليها
المستقلون أو الأحزاب الناشئة مثل حزب العاملين (جورج غالاوي) زادت بشكل كبير، لا
سيما أن هؤلاء فازوا في عدد من الدوائر".
وكان هناك انخفاض بنسبة تبلغ
نحو 18 في المئة في أصوات حزب العمال في مناطق إنجلترا. وخسر الحزب بلدية أولدهام
التي سبق أن استقال أعضاء من مجلسها بسبب موقف الحزب من حرب غزة، ليفوز فيها مرشحون
مستقلون مؤيدون لفلسطين.
وأشار تحليل أجراه البروفيسور
ويل جينينغز، من جامعة ساوثامبتون، إلى حجم التصويت الاحتجاجي على دعم حزب العمال للاحتلال
الإسرائيلي في غزة والوقت الذي استغرقه الحزب للدعوة إلى وقف إطلاق النار.
وحث جينينغز على توخي الحذر في
رسم خريطة للتقلبات في الانتخابات العامة، قائلا إن "ما يسلط الضوء عليه هو بالتأكيد
أن حزب العمال في وضع غير مريح بشأن غزة، ولا يقتصر الأمر على الناخبين المسلمين".
ويشير التكريتي من جهته، إلى أن
هناك تحليلات تشير إلى أن حزب العمال قد لا يحصل على غالبية الأصوات في الانتخابات
العامة، "فمقارنة بما كان عليه الوضع قبل أشهر قليلة، نرى أن هناك هبوطا
هائلا في أسهم حزب العمال".
وحول تأثير أصوات المسلمين في
الانتخابات، أوضح التكريتي أن "الصوت المسلم لا شك أنه كان مؤثرا، ولا شك أنه
كان هناك إجماع في معاقبة حزب العمال تحديدا، وفي الانصراف عن الأحزاب الكبرى".
وقال: "باعتقادي أنه كانت
هناك حالة من التوافق المجتمعي بين المسلمين وغير المسلمين، لكن أصوات المسلمين
التي نُظمت بفعل منصات مثل منصة الصوت المسلم أو الصوت العربي وغيرها من المنصات؛ كان
لها دور كبير، لا سيما التنسيق عالي المستوى الذي حصل مع المنصات التي تهتم بشرائح
المجتمع غير المسلمة كاليسارية وغير ذلك، والمناطقية التي كانت في شمال شرق وشمال
غرب ووسط بريطانيا".
وأوضح التكريتي أنه "نحتاج
لبعض الوقت لكي نتيقن من مستوى ذلك الأثر.. العزوف عن التصويت ثم التصويت لمستقلين
بعيدا عن حزبي العمال والمحافظين" يعطي مؤشرا.
عمدة لندن
ورغم فوز صادق خان في لندن
ليكون أول مسلم يفوز بثلاث ولايات كعمدة للندن، وكذلك فوز عمدة مانشستر أندي
بيرنهام بسهولة، وهما مرشحان عن حزب العمال، فإن التكريتي يرى أن انتخابات عمدة
لندن ومانشستر "كانت حولها نقاشات واختلافات في التوجهات والآراء والتصويت في
النهاية. التصويت لم يكن لصادق خاص ولا لأندي بيرنهام بأشخاصهم، ولا بالقطع
لأحزابهم، وإنما كان خشية من أن خسارتهما تؤدي إلى وصول المرشحين المحافظين".
وأشار إلى أنه "في حالة
سوزان هول (مرشحة المحافظين) في لندن شخصية في غاية السوء من حيث مواقفها تجاه
المسلمين، وموقف المحافظين تجاه ما يحدث في فلسطين معروف".
وكشفت دراسة أجرتها وحدة البحث
التابعة لمنظمة السلام الأخضر (غرينبيس) استخدام عبارات عنصرية ومعادية للإسلام ضد
خان في مجموعات فيسبوك يديرها مسؤولون وأعضاء من حزب المحافظين في بريطانيا، خلال
الحملة الانتخابية.
وقال التكريتي: "انتخابات
عمدة لندن بالأخص لها خصوصية تختلف الانتخابات الأخرى، مثل الانتخابات البرلمانية
التكميلية أو حتى البلديات؛ أولا للمكان المهم لعمدة لندن، الذي هو ثاني شخص
تنفيذي في كل بريطانيا، وعنده ميزانية قدرها 20 مليار جنيه إسترليني، وفي نفس
الوقت صادق خان كان قد أعلن في السابق معارضته للحد أو حظر المظاهرات المؤيدة
لفلسطين.. لكن هذا الأمر لا نبني عليه سياسيا؛ لأنه في حال السياسيين قد يتغير ويتبدل،
ولكن ينبغي أن يُعترف بموقفه المعلن".
وتبنى خان وبيرنهام وأعضاء
آخرون في المجالس المحلية ونواب عن حزب العمال؛ الدعوة لوقف إطلاق النار في غزة في
وقت مبكر.
وأضاف التكريتي: "الناس
عزفوا عن حزب العمال وكانوا غاضبين"، وأشار إلى معارضة البعض للتصويت لخان
باعتباره مرشح العمال، لافتا إلى أنه كانت هناك توقعات بفوز خان بفارق أكبر.
وكانت استطلاعات الرأي تشير
إلى أن خان يتقدم على مرشحة حزب المحافظين بفارق يصل إلى 22 نقطة مئوية، لكنه فاز
في نهاية المطاف بفارق يبلغ نحو 11 نقطة مئوية، في ظل تراجع نسبة المشاركة في
الانتخابات.
هل نجح الصوت المسلم؟
ويرى التكريتي أن "الصوت
المسلم نجح في الهدف الأخير الذي أراده"، وقال إن منصات الصوت المسلم والصوت
العربي وغيرهما اتفقت على أن الهدف في هذه الجولة من الانتخابات، سواء المحلية أو
البرلمانية القادمة، هو إثبات أهمية الصوت المسلم، هذا الصوت الذي إما أُغفل تماما
من قبل المحافظين أو أُخذ كأنه مضمون من جانب العمال فلم يتم الاهتمام به".
وأضاف: "الذي جرى أولا
هو إثبات أن هذا الصوت مهم، هذا الصوت مؤثر، هذا الصوت قد يؤثر في النتيجة
النهائية الكبرى، وهذا الصوت يجب أن يُعتنى به".
وأوضح أنه بعد الانتخابات
المحلية "شهدنا مقالات تحذر من هذا الصوت المسلم، وكانت هناك إشارات رديئة من
قبل الإعلام الصهيوني، خاصة محاولة حصر هذا الغضب بالمسلمين، وكأنهم هم فقط الذي
عزفوا عن التصويت لحزب العمال أو هم فقط الذين جعلوا قضية غزة قضية محورية في
الانتخابات، بينما الكل يعرف بأن هناك شريحة واسعة من المجتمع البريطاني قامت
بذلك".
ويشار إلى أن أكثر من 40 مرشحا
في المجالس المحلية في إنجلترا وويلز فازوا في الانتخابات بعدما جعلوا من الحرب في
غزة مركزا لحملاتهم الانتخابية، بحسب تقرير لصحيفة "ديلي ميل".
وهزم المؤيدون لغزة، بينهم مستقلون، مرشحي حزب العمال
في 12 مجلسا محليا على الأقل، بشكل دفع ستارمر لمحاولة استعادة ثقة الناخبين الذين
نفّرهم بسبب موقفه من الحرب في غزة.
وفي آذار/ مارس الماضي، فاز
جورج غالاوي بأغلبية ساحقة بمقعد برلماني في شمال إنكلترا، خلال انتخابات تكميلية،
بعد حملة انتخابية ركزت على قضية غزة.
ويشار إلى أن ثقة الناخبين
المسلمين بحزب العمال بدأت بالتراجع منذ تولي ستارمر قيادة الحزب في 2020، حيث
أظهرت استطلاعات سابقة للرأي انخفاضا حادا نوايا التصويت من قبل المسلمين للحزب،
في ظل اتهامات لستارمر بغض الطرف عن تنامي "الإسلاموفوبيا" داخل الحزب، ليسير على خطى حزب المحافظين بهذا الصدد.