من الضروري لكي ندرك
حجم العقبات والتحديات التي تواجه احتجاجات الطلبة وثورتهم في أمريكا وأوروبا والغرب
عامة، لا بد من التعامل مع القوى المتنفذة في الغرب اليوم، والمهيمنة على مراكز صنع
القرار هناك، ولا سيما في أمريكا، القائد المتربع على عرش الغرب، وعلى عرش النظام الدولي
حتى الآن. فعمليات القمع الواسعة
التي واجهت الطلاب وخاصة في الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا تعبر بشكل واضح عن مدى
ارتباط المشروع الصهيوني في منطقتنا بالقوى المتنفذة هناك، ومدى استعدادهم للتضحية
بثوابت الديمقراطية وحرية التعبير في مقابل ألا تمس مصالح الكيان الصهيوني أو تتعرض
مراكز نفوذه هناك لأي حرج!
وفي هذا الإطار لزمنا
أن نتعرف على أهم المكونات الغربية المعادية للعالم الإسلامي وقضاياه وعلى رأسها
"قضية
فلسطين"، حيث كشف "طوفان
الجامعات" ذلك التحالف المسيحي
الصهيوني الذي يدعم إسرائيل بكل قوة، ويعمل على تكريس مشروعها في منطقتنا في كل فرصة،
وذلك لأنهم لم يستطيعوا -من هول صدمتهم- أن يواصلوا تمويههم الذي دأبوا عليه، واضطروا
للتضحية بثوابت الديمقراطية وحرية التعبير، إذا كان في مقابلها هو تفكيك القبضة
الصهيونية
على مراكز القرار السياسي وساحات المجتمع المدني، وخاصة الجامعات.
التحالف بين اليمين المسيحي ومنظمات يهودية داخل المجتمع الأمريكي هو الذي أسس المسيحية الصهيونية، التي ظهرت في أبرز صورها مع وصول المحافظين الجدد إلى البيت الأبيض في عهد "جورج بوش الابن" الذي قاد الحربين على "أفغانستان" "والعراق"
لا يستطيع أكثر المتغافلين
في هذا القرن أن يغض الطرف عن رؤية ذلك التحالف بين بعض الكنائس الغربية والحملة الدولية
الداعمة للكيان الصهيوني والمعادية في ذات الوقت للعالم الإسلامي، تلك الحملة التي
تقودها الولايات المتحدة، وتسعى إلى فرضها على أجندة النظام الدولي.. كما لا يستطيع
أحد أن ينكر ذلك التحالف الديني/ السياسي بين الولايات المتحدة وبين المشروع الصهيوني
في المنطقة، ذلك المشروع الذي يمثل أهم ركائز اختراق المنطقة وتقويض نهضتها، كما يمثل
الخنجر الغربي الرئيس في ظهر الأمة، وهو التحالف الذي يعد امتدادا للتحالف داخل المجتمع
الأمريكي بين اليمين المسيحي والصهيونية فيما يُسمى بالمسيحية الصهيونية.
فالتحالف بين اليمين
المسيحي ومنظمات يهودية داخل المجتمع الأمريكي هو الذي أسس
المسيحية الصهيونية، التي
ظهرت في أبرز صورها مع وصول المحافظين الجدد إلى البيت الأبيض في عهد "جورج بوش
الابن" الذي قاد الحربين على "أفغانستان" "والعراق"، وهو
التحالف الذي يجعل البيت الأبيض والإدارة الأمريكية مجرد أداة منفذة للإرادة الصهيونية
وخاضعة للمصالح الإسرائيلية.
ويرجع الأساس الأيديولوجي
الموجه لهذا التحالف، إلى اعتقاد اليمين المسيحي أن عودة المسيح لن تكون إلا بعد بناء
"هيكل سليمان"، الذي لن يكون بطبيعة الحال إلا على أنقاض "المسجد الأقصى"،
لهذا لم نعدم سياسة أمريكية تدفع بكل قوة نحو تهويد القدس بل وتكريس المشروع الإسرائيلي
رغما عن القانون الدولي، كما رأينا التأكيد على تفعيل عقيدة اليمين المحافظ بشأن أرض
الميعاد وعودة المسيح وموقعه "هرمجدون"، وفي ذات الإطار تعمقت حتمية الصراع
مع الإسلام، ذلك الصراع الذي سينتهي بمعركة "هرمجدون" التي يجب أن تقع بعد
أن يكون المسلمون في أضعف حالة ممكنة، حتى يتبعوا المسيح دون مقاومة!!
وفي ذات السياق نجد
تأكيدا من مراكز الأبحاث والدراسات والإعلام التابعة لليمين المحافظ، على أن الخطر
الرئيس على المسيحية وإسرائيل، إنما يأتي من العالم الإسلامي.
وعند إلقاء النظر
على بعض جوانب وخلفيات هذا التحالف، نجد أن "جورج بوش الابن" لم يصل إلى
البيت الأبيض إلا عبر هذا التحالف، واستطاع من يومها أن يفرض بقوة العقيدة الدينية
على السياسات الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يمكن تبينه بوضوح من تصريحات
"جورج بوش الابن"، كما في السياسات الأمريكية ضد الإسلام والعالم الإسلامي
على مدى ولايته (2001-2008م):
فمنذ حملته الانتخابية
وهو يردد أن فيلسوفه المفضل هو يسوع المسيح، وأنه يعتقد أن المسيحية طريق الجنة الوحيد،
كما أنه قد ذكر بعد دخوله البيت الأبيض أنه يبدأ يومه بقراءة الكتاب المقدس (الذي يشتمل
على التوراة والإنجيل).
ومن أهم الكتب التي
يقرأها يوميا في البيت الأبيض، وكأنها من طقوس الرئاسة! كتاب القسيس "أوزوالد
تشامبرز"، الذي مات في مصر عام 1917م، وهو يعظ الجنود البريطانيين والأستراليين
بالزحف إلى القدس وانتزاعها من المسلمين، كما أنه يعتبر من طائفة "المانوية"
التي تعتقد في ثنائية الخير والشر، وتعمل على تنقية أمريكا والعالم من الشر! تنفيذا
للإرادة الإلهية!
كما أن "جورج
بوش الأبن" يميل إلى التفسير الديني للأحداث السياسية، فيقول: إن الإرهابيين يكرهوننا
لأننا نعبد الرب بالطريقة التي نراها مناسبة.. كما أن كبير كتّاب خطاباته يُعد من المسيحيين
الصهاينة، لهذا رأينا خطاباته تعتمد على الرموز الموحية، فيما أسماه بالحرب على الإرهاب،
مثل: محور الشر، الحرب المقدسة، العدالة المطلقة، الحرب الصليبية، كما أنه يفضل استعمال
مصطلح الحرية على الديمقراطية، لأن الحرية تعني مدلولا دينيا، حيث حرية اكتشاف الرب
بالمدلول التبشيري.
كما يمكن رؤية الوجه
الآخر لذلك التحالف الديني/ السياسي في تنسيق السياسات المعادية للإسلام، بين إدارة
بوش الابن ورأس الكنيسة الكاثوليكية، ولا سيما فترة وصول "بندكت الرابع عشر".
هذا هو التحالف السياسي/ الديني الذي يختطف أمريكا والغرب، وهو الذي يعتبر الكيان الصهيوني هو الامتداد الطبيعي للاستراتيجية الغربية في منطقتنا، والذي لم تتم زراعته فيها إلا ليقوم بدور وظيفي ضروري لضمان استمرار المصالح الاستراتيجية الغربية في منطقتنا
كما أن نوعا آخر من
التحالف يمكن تبيّنه إذا نظرنا إلى الكاثوليكية الأوروبية وهي تبالغ في دعم إسرائيل،
وتهرول في مراضاة إسرائيل، ولعل المثال الأقرب لذلك يشير إلى المجاملات الألمانية المفرطة
في عهد "ميركل"، والنفاق الفرنسي المنظم في عهد "ساركوزي"، الذي
لم يستح وهو يتقدم بمشروع يلزم بأن تتضمن مناهج التعليم في فرنسا التذكرة بإبادة اليهود
خلال الحرب العالمية الثانية، والذي قوبل باعتراض مؤسسات وشخصيات يهودية مهمة في فرنسا،
على أساس أن ذاكرة الأطفال لا يمكن تحميلها بكل هذا العبء الإنساني المأسوي! وكان من
المتوقع أن يتسبب هذا المشروع في رد فعل عكسي تجاه اليهود، وليس كما يتصور ساركوزي،
الذي أعلن في ذات الوقت (شباط/ فبراير 2008م) أنه لن يصافح أي شخصية لا تعترف بإسرائيل!
هذا هو التحالف السياسي/
الديني الذي يختطف أمريكا والغرب، وهو الذي يعتبر الكيان الصهيوني هو الامتداد الطبيعي
للاستراتيجية الغربية في منطقتنا، والذي لم تتم زراعته فيها إلا ليقوم بدور وظيفي ضروري
لضمان استمرار المصالح الاستراتيجية الغربية في منطقتنا.