نشرت صحيفة "
نيويورك تايمز" الأمريكية مقالا تحدثت فيه عن سعي
الولايات المتحدة لصياغة معاهدة دفاع مشترك مع
السعودية بينما تحاول في نفس الوقت دعم "إسرائيل" في حربها ضد حماس وصراعها مع إيران.
وقال توماس فريدمان في مقال ترجمته "عربي21"، إن فريق بايدن يواجه وضعًا غير مسبوق مع هذين الحليفين الاستراتيجيين في الشرق الأوسط منذ فترة طويلة، ما يخلق فرصةً كبيرة وخطرًا كبيرا على الولايات المتحدة، وذلك بسبب تناقض سياساتهما الداخلية.
وأضاف أن "ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وضع المتشددين الدينيين في بلاده في السجن، في حين جعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أسوأ المتطرفين الدينيين في بلاده أعضاء في حكومته. وهنا تكمن المفارقة".
وذكر أن محمد بن سلمان، بتركيزه الشديد على النمو الاقتصادي بعد عدة عقود من السعودية "النائمة" على حد تعبيره، أطلق العنان لأهم ثورة اجتماعية على الإطلاق في المملكة الصحراوية، "وهي ثورة ترسل موجات صادمة في جميع أنحاء العالم العربي. وقد وصلت إلى نقطة حيث تضع الولايات المتحدة والسعودية الآن اللمسات الأخيرة على تحالف رسمي يمكن أن يعزل إيران، ويحدّ من نفوذ الصين في الشرق الأوسط، ويلهم سِلميًا تغييرًا أكثر إيجابية في هذه المنطقة مما فعله الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان".
وذكر فريدمان، أن حكومة محمد بن سلمان ارتكبت جريمة مروعةً عندما قتلت الصحفي السعودي جمال خاشقجي. كما أقدم ابن سلمان على فعل شيء لم يجرؤ عليه أحد من أسلافه، وهو كسر القبضة الخانقة التي فرضها الإسلاميون الأكثر تحفظًا على السياسة الاجتماعية والدينية السعودية منذ سنة 1979.
ووفق الصحفي الأمريكي، أثبت هذا التحول شعبيته بين العديد من النساء والشباب السعوديين لدرجة أن مشاركة المرأة في القوى العاملة ارتفعت إلى 35 بالمئة مقارنة بـ 20 بالمئة بين سنتي 2018 و2022، وذلك وفقا لتقرير صادر عن المجلس الأطلسي، واليوم النسبة أعلى من ذلك.
وتشهد المملكة أحد أسرع التغيرات الاجتماعية في أي مكان في العالم. وفي الرياض، يبرز تأثير هذا التغيير على شوارع المدينة ومقاهيها ومكاتبها الحكومية والتجارية. لم تعد المرأة السعودية تقود السيارة فحسب، بل أصبحت تقود التغيير، في السلك الدبلوماسي، وفي أكبر البنوك، وفي الدوري السعودي الممتاز لكرة القدم للسيدات الذي أقيم مؤخرًا. إن رؤية محمد بن سلمان الجذرية الجديدة لبلاده لا تتجلى في أي مكان أكثر مما تتجلى في استعداده المعلن لتطبيع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل كجزء من اتفاق دفاع مشترك جديد مع الولايات المتحدة.
ويريد ولي العهد منطقة مسالمة قدر الإمكان، وإبقاء السعودية في مأمن من إيران قدر الإمكان، حتى يتمكن من التركيز على جعل المملكة قوة اقتصادية متنوعة. وقد كانت إسرائيل كذلك أيضًا.
وأشار المقال إلى أن مأساة "إسرائيل" في عهد نتنياهو تكمن في أنه كان يائسًا للغاية للحصول على السلطة والاحتفاظ بها لتجنب عقوبة السجن المحتملة بتهم الفساد، فأنشأ ائتلافًا حاكمًا أعطى سلطة غير مسبوقة لاثنين من العنصريين اليهود اليمينيين المتطرفين ذوي النفوذ في ثلاث وزارات – الدفاع والمالية والأمن القومي – وأعطى الأولوية للانقلاب القضائي قبل أن يفعل أي شيء آخر.
كما قدم نتنياهو تنازلات لا مثيل لها للحاخامات الأرثوذكس المتطرفين، حيث حوّل مبالغ هائلة من المال إلى مدارسهم التي لا تقوم في كثير من الأحيان بتدريس الرياضيات أو اللغة الإنجليزية أو التربية المدنية والتي يرفض معظم رجالها في سن التجنيد الخدمة في الجيش على الإطلاق.
بطبيعة الحال، تتبع السعودية نظاما ملكيا مطلقا بينما "إسرائيل" ديمقراطية، وفق فريدمان، الذي يرى أنه يمكن لمحمد بن سلمان أن يأمر بتغييرات لا يستطيع أي رئيس وزراء إسرائيلي أن يأمر بها. مع ذلك، يتعين على القادة في كليهما قياس ما سيمكنهم من البقاء في السلطة. وهذه الغاية تدفع نتنياهو إلى جعل "إسرائيل" أسوأ من نسخة المملكة العربية السعودية القديمة بينما يحوّل محمد بن سلمان السعودية لنسخة أفضل من "إسرائيل" القديمة.
وذكر أن نتيجة تحالف نتنياهو مع اليمين المتطرف كانت حرمان "إسرائيل" من الاستفادة من التحول البنيوي في السعودية - مع عرضها لتطبيع العلاقات مع الدولة اليهودية وفتح طريق لإسرائيل مع بقية العالم الإسلامي - لأن القيام بذلك سيتطلب من "إسرائيل" اتباع مسار مع الفلسطينيين لإنشاء دولتين لشعبين.
ومن دون تقديم بعض الأفق لحل الدولتين مع الفلسطينيين من غير حماس، لا تستطيع "إسرائيل" تشكيل تحالف أمني دائم مع تحالف الدول العربية المعتدلة الذي ساعد في إحباط وابل من أكثر من 300 طائرة مسيرة وصاروخ أطلقته إيران على "إسرائيل" في 13 نيسان/ أبريل ردا على قتل "إسرائيل" لقائد عسكري إيراني رفيع المستوى وبعض مرؤوسيه في سوريا.
لا تستطيع هذه الدول العربية أن تبدو وكأنها تدافع عن "إسرائيل" إلى أجل غير مسمى إذا لم تعمل "إسرائيل" على إيجاد شركاء فلسطينيين معتدلين ليحكموا غزة والضفة الغربية. بعبارة أخرى، لا تستطيع "إسرائيل" اليوم جمع الائتلافات التي تحتاجها لتزدهر كأمة لأن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تفكك الائتلاف الحاكم الذي يحتاج إليه نتنياهو للبقاء في منصبه.
وكل هذا خلق صداعا كبيرا للرئيس بايدن، الذي فعل الكثير لإنقاذ الشعب الإسرائيلي من حماس وإيران أكثر من أي رئيس أمريكي آخر، لكنه يشعر بالإحباط من رئيس وزراء إسرائيلي مهتم أكثر بإنقاذ نفسه. إن دعم بايدن لنتنياهو يكلّفه الآن سياسيا ويحد من قدرته على الاستفادة الكاملة من التغييرات في شبه الجزيرة العربية. وقد يكلفه ذلك أيضًا فرصة إعادة انتخابه. وفق فريدمان.
وأورد المقال أنه منذ أن بدأ محمد بن سلمان فرض سيطرته على عملية صنع القرار السعودي في سنة 2016، تحوّلت السعودية بشكل أساسي من حاضنة لتنظيم القاعدة إلى حاضنة للذكاء الاصطناعي.
وفي الواقع، هناك الكثير من المشاكل هذه الأيام بين الزعيمين الأكثر توجها للإصلاح في العالم العربي: محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، حاكم دولة الإمارات العربية المتحدة. لكنها مشكلة جيدة تخلق منافسة شديدة حول من يمكنه عقد شراكة بشكل أسرع وأعمق مع أهم الشركات العالمية التي تقود الذكاء الاصطناعي.
وعندما أعلن محمد بن سلمان في سنة 2018 أنه يمكن للمرأة السعودية حضور الفعاليات الرياضية مثل مباريات كرة القدم للرجال، طالبت النساء الإيرانيات بالشيء نفسه من نظام آيات الله. ووفقا لأحد المسؤولين السعوديين الشباب مؤخراً، تمكن محمد بن سلمان من تهميش المتطرفين الدينيين في المملكة، دون بدء حرب أهلية، وذلك من خلال إطلاق العنان لكل الطاقة المكبوتة لدى الشباب السعودي، الذين أرادوا تحقيق إمكاناتهم الكاملة من خلال مواكبة جميع الاتجاهات العالمية المتطورة. لذلك نجح هؤلاء الشباب في سحق مقاومة حوالي 30 بالمئة من السعوديين الذين يعتبرون من المحافظين المتشددين.
وعلى النقيض من ذلك، "أطلقت السلطات الإيرانية العنان للوحشية الكاملة لدحر الشباب الإيراني، الذين دخلوا حربًا أهلية مفتوحة مع النظام في أيلول/ سبتمبر 2022 بعد وفاة امرأة إيرانية تدعى مهسا أميني في حجز الشرطة".
ولهذا السبب، وقعت أحداث مثل رفض طلاب الجامعات الإيرانية في سنة 2020 السير على الأعلام الأمريكية والإسرائيلية التي رسمها رجال الدين على الأرض عند بوابات جامعاتهم، أو في إطلاق صيحات الاستهجان في مباراة لكرة القدم في نيسان/ أبريل عندما طالب النظام بالوقوف دقيقة صمت تكريما للقادة العسكريين الإيرانيين الذين قتلتهم إسرائيل. وهم يرون أن الطغاة الدينيين في إيران يستغلون القضية الفلسطينية وحماس للتغطية على وحشية الحرس الثوري الإيراني ضد الشباب الإيراني. وهذا يتناقض بشكل صارخ مع بعض طلاب الجامعات الأمريكية الذين يتظاهرون الآن، والذين ينظرون إلى إسرائيل على أنها المعتدي "الاستعماري" الذي يمنح حماس حرية التصرف.
وأشار إلى أن السؤال الرئيسي لإدارة بايدن والسعوديين اليوم هو: ما الذي يجب فعله بعد ذلك؟ والخبر السار هو أنهم أنجزوا 90 بالمئة من معاهدة
الدفاع المشترك التي أبرموها لكنهم ما زالوا بحاجة إلى ربط بعض النقاط الرئيسية، على غرار كيف ستتحكم الولايات المتحدة في برنامج الطاقة النووية المدني الذي ستحصل عليه السعودية بموجب الصفقة، وما إذا كان عنصر الدفاع المشترك سيكون صريحاً مثل ذلك الذي حدث بين الولايات المتحدة واليابان، أو أقل رسمية مثل التفاهم بين الولايات المتحدة وتايوان؛ والتزام طويل الأجل من جانب السعودية بمواصلة تسعير النفط بالدولار الأمريكي وليس التحول إلى العملة الصينية.
لكن الجزء الآخر من الصفقة، الذي يُنظر إليه على أنه حاسم لكسب دعم الكونغرس، هو أن تقوم السعودية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل. ولن يحدث ذلك إلا إذا وافقت إسرائيل على شروط الرياض التي تشمل الخروج من غزة، وتجميد بناء المستوطنات في الضفة الغربية، والشروع في "مسار" مدته ثلاث إلى خمس سنوات لإقامة دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة. سيكون إنشاء هذه الدولة مشروطا أيضًا بقيام السلطة الفلسطينية بإجراء إصلاحات لتشكيل هيئة حاكمة يثق بها الفلسطينيون ويعتبرونها شرعية، ويرى الإسرائيليون أنها فعالة.
من الواضح للمسؤولين الأمريكيين والسعوديين أنه مع انضمام نتنياهو إلى اليمين المتطرف للبقاء في السلطة، من غير المرجح أن يوافق على أي شكل من الدولة الفلسطينية التي من شأنها أن تدفع شركاءه إلى الإطاحة به - ما لم يُملِ بقاؤه السياسي خلاف ذلك.
ونتيجة لذلك، تدرس الولايات المتحدة والسعوديون وضع اللمسات الأخيرة على الصفقة وعرضها على الكونغرس بشرط أن تقوم السعودية بتطبيع العلاقات مع "إسرائيل" في اللحظة التي يكون فيها لدى "إسرائيل" حكومة مستعدة للوفاء بشروط السعودية والولايات المتحدة.
وحسب الكاتب لم يتم اتخاذ أي قرار حتى الآن، ويعلم المسؤولون الأمريكيون أن "إسرائيل" تعيش مثل هذه الاضطرابات اليوم ومع وقوف العالم أجمع على ما يبدو ضدها من المستحيل إقناع الإسرائيليين حقًا بالتفكير في الفوائد السياسية والاقتصادية العميقة طويلة المدى لتطبيع العلاقات مع السعودية. ولكن من المأمول أنه إذا أمكن التوصل إلى نهاية دائمة للقتال وعودة جميع الرهائن الإسرائيليين، فإن إسرائيل سوف تعقد انتخابات جديدة. بعد ذلك، ربما لن يكون نتنياهو هو الخيار المطروح على الطاولة بالنسبة للإسرائيليين بل طريق موثوق للسلام مع السعودية والفلسطينيين.