تسبب العدوان على قطاع
غزة في توجه دول مجلس التعاون
الخليجي إلى تجديد علاقاتها الوثيقة والاقتراب أكثر من بعضها البعض، خصوصا في وقت تتصاعد فيه التوترات بالمنطقة بشكل متسارع، حسب موقع "
ريسبونسيبل ستيت كرافت" الأمريكي.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن التوغل الذي قادته حماس في جنوب "إسرائيل" السنة الماضية، والحرب الإسرائيلية اللاحقة على قطاع غزة، والتي أسفرت عن استشهاد حوالي 35 ألف
فلسطيني، قد أثر على العلاقات داخل مجلس
التعاون الخليجي، ويبدو أن الأعضاء يقتربون من بعضهم البعض.
وأضاف أنه مع توسع حرب غزة إلى لبنان واليمن والبحر الأحمر وأماكن أخرى، وبينما دفعت الأعمال العدائية التي تشنها إيران و"إسرائيل" المنطقة إلى مياه مجهولة في وقت سابق من هذا الشهر، تعمل الأنظمة الملكية في شبه الجزيرة العربية على تعزيز العلاقات داخل الأسرة العربية الخليجية الأكبر حجمًا.
وفي سياق تاريخي؛ اعتبر الموقع أن هذا الوضع يعد منطقيا تماما. ولكي نفهم السبب، فمن المفيد أن نعود أولا إلى فترة الفوضى في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات.
وذكر الموقع أنه بالنسبة للأنظمة الملكية العربية في الخليج العربي، كانت سنة 1979 سنة مرعبة. وبدرجات متفاوتة، رأى زعماء الخليج العرب المدعومون من الغرب أن الثورة الإسلامية في إيران والغزو السوفييتي لأفغانستان تطوران خطيران.
وبحلول سنة 1981، اجتمعت دول الخليج العربية الست المحافظة - البحرين، والكويت، وعمان، وقطر، والسعودية، والإمارات العربية المتحدة - لتعزيز أمنها الجماعي من خلال إنشاء مجلس التعاون الخليجي.
وعلى مدار العقود الماضية، وضعت دول مجلس التعاون الخليجي خلافاتها الأيديولوجية والجيوسياسية جانبا لصالح وحدة الخليج العربية المتنامية، لا سيما خلال فترات عدم الاستقرار المتزايد، حسب التقرير.
وأوضح الموقع أن هذه الحالات تشمل الأزمة الكويتية 1990/1991، وانتفاضات الربيع العربي 2010/2011 وصعود تنظيم الدولة في العراق والشام في منتصف سنة 2014، وعودة طالبان إلى السلطة في سنة 2021.
وعلى المنوال نفسه، في أوقات الاستقرار الأكبر في المنطقة والتهديدات الأقل لدول الخليج العربية، كانت الانقسامات والخلافات الداخلية بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي تميل إلى الظهور إلى السطح.
وأشار الموقع إلى أن "الأزمة الأولى لمجلس التعاون الخليجي اندلعت في آذار/ مارس 2014. ففي ذلك الوقت، كان المد الثوري للربيع العربي قد تبدد إلى حد كبير وشعرت دول الخليج العربية المعادية للثورة ــ
السعودية والإمارات والبحرين ــ بالحاجة للضغط على قطر للتخلي عن السياسات المؤيدة للثورة والسياسات الصديقة للإسلاميين التي شكلت نهج الدوحة تجاه العديد من انتفاضات 2010/11 التي هزت العالم العربي. ومع ذلك، انتهى هذا الخلاف بين دول مجلس التعاون الخليجي في وقت لاحق من تلك السنة بعد أن استولى تنظيم الدولة على أجزاء كبيرة من العراق وسوريا".
وبعد ذلك، أشار الموقع إلى اندلاع أزمة مجلس التعاون الخليجي الثانية، والتي كانت نتيجة لنفس المشاكل التي أدت إلى أزمة مجلس التعاون الخليجي الأولى، في منتصف سنة 2017 عندما كان تنظيم الدولة أقل قوة بشكل ملحوظ.
وعلى الرغم من أن دول الخليج العربية - على عكس مصر والأردن ولبنان وسوريا - لا تشترك في الحدود البرية مع الاحتلال وفلسطين، فإن جميع أعضاء مجلس التعاون الخليجي الستة يشعرون بقلق بالغ بشأن الوضع في غزة وتداعياته على المنطقة الأوسع، بما في ذلك الخليج العربي.
وأشار الموقع إلى أن هناك الكثير من القضايا المشتركة والمخاوف المشتركة بين دول الخليج العربية بشأن المزيد من إضفاء الطابع الإقليمي على الحرب في غزة. وقد أدت هذه المخاوف إلى شعور المسؤولين الخليجيين العرب بالإحباط بشكل متزايد من القيادة الأمريكية في المنطقة ورفض إدارة بايدن الضغط على إسرائيل للموافقة على وقف إطلاق النار.
ونقل الموقع عن عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية الإماراتي المقيم في دبي، قوله في مقابلة معه إن "الحرب في غزة وحدت دول مجلس التعاون الخليجي من حيث التضامن الأخلاقي والسياسي والدبلوماسي مع غزة والفلسطينيين".
وأضاف أن "إسرائيل أصبحت آلة قاتلة في غزة خلال الـ 200 يوم الماضية، وهذا لا يعجب أحدا في دول الخليج العربي".
وذكر الموقع أن هناك تداعيات محلية مهمة يجب أخذها بعين الاعتبار أيضا. ويخشى المسؤولون في دول الخليج العربية من احتمال قيام القضية الفلسطينية بتعبئة و/أو تطرف مواطنيهم بطرق يمكن أن تؤدي إلى زعزعة الوضع الراهن في دول مجلس التعاون الخليجي والمنطقة ككل. إن الاحتجاجات المتعلقة بفلسطين في مصر والأردن لديها القدرة على تأجيج اضطرابات كبيرة في هذين البلدين، اللذين يشكل استقرارهما أهمية حيوية لدول الخليج العربية.
ولفت إلى أن ولي العهد السعودي ورئيس الوزراء محمد بن سلمان تحدث هاتفيًّا مؤخرا مع رئيس دولة الإمارات، محمد بن زايد، وأمير قطر الشيخ تميم. وفي هاتين المحادثتين، ناقش قادة دول الخليج العربية تصاعد التوترات الإقليمية والتهديدات التي تهدد الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط. واتفق كل من محمد بن سلمان، ومحمد بن زايد، والأمير تميم على الحاجة إلى التخفيف من المخاطر الأمنية واتخاذ التدابير اللازمة لمنع أزمات المنطقة من الخروج عن نطاق السيطرة.
وفي 22 نيسان/ أبريل، قام سلطان عُمان هيثم بن زايد بأول زيارة له إلى الإمارات منذ أن أصبح رئيسًا لبلاده في كانون الثاني/ يناير 2020. وأثناء وجوده في أبو ظبي، ناقش السلطان هيثم ومحمد بن زايد مجموعة من القضايا على المستويات الثنائية والإقليمية والعالمية. وخلال زيارة السلطان هيثم، وقعت شركات من عمان والإمارات صفقات بقيمة 35.12 مليار دولار في قطاعات مختلفة مثل النقل والطاقة.
وحسب الموقع، يركز العمانيون والإماراتيون على تعزيز التكامل الاقتصادي لبلديهما من خلال مشاريع ومبادرات مختلفة، أبرزها مشروع قطار الاتحاد الذي يربط ميناء صحار العماني بأبو ظبي.
وشدد الموقع على أن دول مجلس التعاون الخليجي قطعت شوطا طويلا فيما يتعلق بإصلاح العلاقات منذ أن أنهت قمة العلا التاريخية في كانون الثاني/ يناير 2021 رسميًا الحصار الذي تقوده الإمارات والسعودية على قطر.
وقال عبد الله لموقع "ريسبونسيبل ستيت كرافت" إن "حرب غزة جعلت قطر والإمارات العربية المتحدة أقرب إلى بعضهما البعض".
ولم تكن هذه الخلافات الماضية داخل مجلس التعاون الخليجي تتعلق بقطر فقط. وكان لدولة الإمارات وعمان نصيبهما من المشاكل في الشؤون الثنائية طوال العقد الأخير من حكم السلطان قابوس، حسب الموقع.
ومع ذلك، يرى الموقع أن زيارة السلطان هيثم الأخيرة إلى الإمارات أظهرت كيف تركز القيادة في كل من مسقط وأبو ظبي على لعب أوراقها الدبلوماسية لمحاولة السيطرة على الأزمات الإقليمية مع المضي قدمًا في التحولات الاقتصادية في الداخل من خلال رؤى طموحة تهدف إلى القضاء على اعتمادها الاقتصادي على الهيدروكربونات.
وفي جميع دول مجلس التعاون الخليجي، هناك تفاهم على أن إجراء المزيد من المناقشات بين قادتها ومستويات متزايدة من التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي عبر مجموعة من المجالات أمر ضروري لتحقيق التقدم على الجبهتين.
ووفقا للموقع، فإن دول الخليج العربية تدرك أن هذا ليس وقت الانقسامات الداخلية والاحتكاك بين العائلات المالكة المختلفة لمنع أعضاء مجلس التعاون الخليجي الستة من تحقيق إمكاناتهم من خلال وحدة خليجية عربية أكبر.
وقال عزيز الغشيان، الزميل في منظمة الطائفية والوكلاء والدولة، إن دول مجلس التعاون الخليجي عززت علاقاتها مع بعضها البعض منذ السابع من شهر تشرين الأول/ أكتوبر لأنه "كان هناك حاجة إلى التنسيق بالنظر إلى أن السعودية وقطر والإمارات تلعب أدوارا قيادية في هذا الصراع".
ومع ذلك، وفي حين أن أعضاء مجلس التعاون الخليجي يعززون تعاونهم مع احتدام الحرب الإسرائيلية على غزة، يعتقد بعض الخبراء أن المنافسة بين دول الخليج العربية في مواجهة غزة قد تظهر بعد انقشاع الغبار وبدء مرحلة ما بعد الحرب في القطاع الفلسطيني، حسب التقرير.
واختتم الموقع التقرير بتصريح للغشيان قال فيه: "هناك احتمال أن يكون الأمر مضطربا في المستقبل بمجرد أن تكون هناك عملية حقيقية لمعالجة اليوم التالي في غزة، ويمكن أن يتعلق ذلك بجوانب تقاسم الأعباء وجوانب المنافسة. لذا، هناك ما يجب البحث عنه في المستقبل. ربما يكون الأمر مجرد تكهنات في الوقت الحالي، لكن لا أعتقد أنه ينبغي علينا استبعاده".