يعتبر "
المايسترو" أحد أكبر رجال القانون الأخلاقي، وأكبر المدافعين عن القضية
الفلسطينية في المحاكم الدولية، وأكبر المساهمين في إصدار مذكرات الاعتقال ضد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه المقال، يوآف غالانت.
وفي يوم صدور المذكرات باعتقال نتنياهو وغالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة، احتفى بالمناسبة واعتبرها "عيدا" سعى لتحقيقه منذ سنوات، وقال لابنه: "الآن يمكنني أن أموت وأنا مرتاح"، ورغم ألم المرض الذي لم يفارقه حتى الرمق الأخير، فإنه أصر على التحدث عن هذا الانتصار القانوني الاستثنائي لوسائل الإعلام.
ولد
جيل دوفير في
فرنسا في عام 1956. وحصل على شهادة الدكتوراه في القانون، وعمل محاضرا في جامعة "ليون 3"، وأشرف على العديد من الأبحاث الأكاديمية في المجال القانوني وقدم دراسات حول التحديات التي تواجه المسلمين في فرنسا والعالم.
وقد مكنته خبرته كممرض من الحصول على شهادة من جامعة "ليون 3" عام 2007، ما مكنه من الإشراف على الأبحاث في مجال "القانون الطبي".
بدأ دوفير حياته المهنية كممرض قبل أن يقرر التحول إلى القانون.
وشغل منصب رئيس تحرير مجلة القانون "الأخلاق والرعاية" وقام بتأليف عدد من الكتب القانونية، وعمل في ثلاثة مجالات رئيسية: القطاع الصحي والاجتماعي، والدفاع عن الحريات، وقضايا القانون الدولي خاصة في سياق فلسطين.
وعمل دوفير محاميا لمنظمة تعمل على حماية حقوق المسلمين ومكافحة التمييز العنصري ضدهم والإسلاموفوبيا. وقام بتقديم الاستشارات القانونية وتمثيل التنظيمات الإسلامية، بما في ذلك "المسجد الكبير في ليون"، بعد أن صنفته وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أنه "موقع تجنيد مزعوم للتنظيمات الإرهابية".
وقدم عدة شكاوى ضد دولة الاحتلال لدى المحكمة
الجنائية الدولية، بشأن ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في قطاع غزة، وأسس فيما بعد "اللجنة الدولية للمحامين"، وهي شبكة عالمية تضم أكثر من 500 محامٍ وخبير قانوني ملتزمين بمحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب التي ساعدت في إقناع المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات اعتقال في تشرين الثاني/ نوفمبر بحق نتنياهو وغالانت.
عاش من أجل المبادئ ومن أجل القضايا العادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية حيث كان يسعى لإصدار مذكرات اعتقال ضد مجرمي الحرب في أي مكان . وفي 2009 كان أول من أدخل القضية الفلسطينية إلى محكمة الجنايات الدولية.
وقد أثمرت جهوده عندما اعترفت المحكمة الجنائية الدولية، في عام 2021، بفلسطين كدولة ذات سيادة كاملة ولها ولاية قضائية على الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس.
بعد هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي، رفع دوفير مع 300 محامٍ دعوى قضائية ضد الاحتلال أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 بتهمة ارتكاب إبادة جماعية في غزة.
وقال دوفير: "إن نقص المياه والغذاء والرعاية الطبية والكهرباء، فضلاً عن النقل القسري للسكان تحت تهديد السلاح، المصحوب بخطاب التجريد من الإنسانية، يشكل تعريف الإبادة الجماعية"، وأوضح دوفير أن الفريق القانوني طالب المحكمة الجنائية الدولية بتركيز جهودها على جرائم الإبادة الجماعية في غزة، مؤكدا أن المحكمة ستفقد مصداقيتها للأبد إذا لم تتحرك.
على مدار حياته المهنية التي امتدت لأكثر من ثلاثة عقود، قام دوفير بتأليف ما يقرب من 260 مقالة حول القانون الطبي، ونشرها في المجلات الأكاديمية، وقام بتأليف عدد من الكتب، بما في ذلك: "حقوق الرعاية"، "المسؤولية الطبية والحق في الرعاية الطبية"، "مسؤولية الممرضة"، "الشريعة الإسلامية والدين"، "القانون والإسلام في فرنسا"، "كود فيشي"، "رسالة من محامٍ إلى صديقته الممرضة"، و"ستكون القدس الشرقية تحت حماية القانون الدولي في عام 2022".
توفي جيل دوفير عن عمر يناهز الـ68 عاما في منزله في ليون بسبب مضاعفات مرض السرطان، ورحل المحامي الإنسان وصاحب المبادئ الذي كرس حياته للدفاع عن القضايا الإنسانية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
ورغم العقبات التي واجهت الفريق القانوني، ورفض الطلبات التي تقدم بها في ملف الجنائية الدولية، فإن دوفير تميز بإصراره في الاستمرار وعدم الاستسلام، لاعتباره أن "نخوة الشعب الفلسطيني أهم من نخوة المحامين"، بحسب قوله.