تراجع حزب
العدالة والتنمية إلى المركز الثاني في نتائج
الانتخابات المحلية
الأخيرة لأول مرة منذ تأسيسه عام 2001، وبعد أن حل في المركز الأول في الانتخابات البرلمانية التي أجريت
قبل أقل من سنة. وأثار هذا التراجع ضجة كبيرة في الأوساط السياسية والإعلامية،
ونقاشا ساخنا حول أسبابه، في ظل تكهنات حول مستقبل الحزب الذي يحكم البلاد منذ أكثر
من عقدين.
أردوغان في أول تعليق له على نتائج الانتخابات، أكد أنهم سيدرسون الرسالة
التي بعثها الشعب عبر صناديق الاقتراع، وسيقدمون الخطوات اللازمة، معترفا بأنهم لم
يحصلوا في الاختبار الديمقراطي الــ18 الذي خاضوه خلال 22 سنة، على النتائج التي
كانوا يرجون الحصول عليها، كما ذكر أنهم سيقومون بمراجعة شاملة لتصحيح الأخطاء
التي أدت إلى تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية.
حزب العدالة والتنمية أمامه حوالي أربع سنوات لاستعادة ثقة الناخبين
والاستعداد للانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة، ومهما كان أردوغان صادقا في
رغبته في القيام بمراجعة شاملة، وعازما على تصحيح أخطاء حزبه، فإنها مهمة صعبة
للغاية غير مضمونة النتائج لأسباب عديدة..
حزب العدالة والتنمية أمامه حوالي أربع سنوات لاستعادة ثقة الناخبين والاستعداد للانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة، ومهما كان أردوغان صادقا في رغبته في القيام بمراجعة شاملة، وعازما على تصحيح أخطاء حزبه، فإنها مهمة صعبة للغاية غير مضمونة النتائج
الوضع الاقتصادي كان أهم عامل في تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية في
الانتخابات المحلية. وكانت الحكومة حاولت تحسين رواتب العمال والموظفين العامين،
إلا أن ارتفاع رواتب هؤلاء أدى أيضا إلى ارتفاع الأسعار ونسبة التضخم. وهناك شرائح
مختلفة تأثرت من هذا الارتفاع بشكل سلبي، مثل المتقاعدين، والعاملين بالأجور
المتدنية في القطاع الخاص، لأن هؤلاء لم ترتفع رواتبهم كرواتب العاملين في القطاع
الحكومي، كما فشلت الحكومة في مكافحة المتاجر والمحلات التي ترفع الأسعار بشكل
مبالغ فيه تحت ذريعة تطبيق اقتصاد السوق الحر في البلاد.
الحكومة تتعهد بتحسين الوضع الاقتصادي ومكافحة التضخم، إلا أن كسر دوامة
ارتفاع الأسعار بسبب ارتفاع الرواتب ليس بالأمر الهيّن، كما أن عوامل خارجية كالأوضاع
الدولية والإقليمية وارتفاع أسعار الطاقة قد تعرقل الجهود التي تبذلها الحكومة
وتربك حساباتها الاقتصادية.
الأخطاء في اختيار المرشحين كانت من أهم العوامل التي تسببت في خسارة حزب
العدالة والتنمية في بعض المدن، ومن المؤكد أن أهم أسباب تلك الأخطاء هو تدخل
الوزراء والنواب والمتنفذين في الحزب لصالح المرشحين المحتملين المقربين منهم. وقد
تؤدي معالجة هذه الظاهرة ومعاقبة المسؤولين عن الأخطاء في اختيار المرشحين إلى
انشقاقات عن الحزب، ليذهب هؤلاء المنشقون بنسبة من الأصوات المؤيدة لحزب العدالة
والتنمية إلى
الأحزاب الأخرى التي ينضمون إليها.
حزب العدالة والتنمية يحكم
تركيا منذ أكثر من عقدين، ولذلك أصيب بالداء
الذي يصيب جميع الأحزاب التي تبقى في سدة الحكم لسنوات طويلة دون انقطاع، وهو ظهور
طبقة من المتنفذين من أصحاب المصالح، والابتعاد عن نبض الشارع وهمومه. وأصبح معظم
قادة حزب العدالة والتنمية وكوادره أصحاب مال وجاه ونفوذ خلال هذه الفترة، بعد أن
كان معظمهم من طبقة المواطنين العاديين. ومن المؤكد أن حزب العدالة والتنمية يحتاج
إلى تجديد الدماء لتعود إليه الروح التي كان يحملها أيام تأسيسه، إلا أنه ليس من
السهل اختيار رجل مؤهل ووضعه في مكان مناسب دون أن يؤدي ذلك إلى انشقاقات وكسر
قلوب آخرين يفقدون مناصبهم أو يحلمون بتلك المناصب.
هزيمة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية فتحت الأبواب على مصراعيها لانتقاده، لتنهال عليه نصائح متنوعة لتصحيح الأخطاء واستعادة ثقة الناخبين، إلا أن بعض تلك الانتقادات والنصائح تهدف في حقيقتها إلى تصفية حسابات شخصية. وبالتالي، على قيادة الحزب أن تفرق خلال دراسة الانتقادات والنصائح بين المخلصة والمشخصنة، كي تتمكن من بناء عملية التجديد والتصحيح
هوية حزب العدالة والتنمية هي الأخرى محل نقاش في هذه الأيام، ويرى بعض
المحللين أن الحزب فقد هويته، وأصبح يشبه الأحزاب العلمانية البعيدة عن قيم الشعب
المسلم المتدين، كما يذهب آخرون إلى أن الحزب اعتقد أن أصوات الناخبين المتدينين
مضمونة، وبالتالي أهمل تلك الشريحة، ليصب كافة جهوده في محاولة كسب ود الناخبين
المؤيدين للمعسكر المعارض، إلا أنه في نهاية المطاف لم يكسب ثقة هؤلاء كما فقد ثقة
المؤيدين له.
هناك إسلاميون يطالبون بــ"أسلمة" حزب العدالة والتنمية
وسياساته، وتحويله من حزب ديمقراطي محافظ إلى ما يشبه الأحزاب التي أسسها تيار
"مللي غوروش" برئاسة الراحل نجم الدين أربكان. وإن استجاب الحزب لتلك
المطالب فقد يفقد ثقة نسبة من الناخبين المؤيدين للخط الديمقراطي الذي رسمه عدنان
مندريس وتورغوت أوزال في السياسة التركية، ويتفكك تحالفه مع حزب الحركة القومية.
هزيمة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية فتحت الأبواب على
مصراعيها لانتقاده، لتنهال عليه نصائح متنوعة لتصحيح الأخطاء واستعادة ثقة
الناخبين، إلا أن بعض تلك الانتقادات والنصائح تهدف في حقيقتها إلى تصفية حسابات
شخصية. وبالتالي، على قيادة الحزب أن تفرق خلال دراسة الانتقادات والنصائح بين
المخلصة والمشخصنة، كي تتمكن من بناء عملية التجديد والتصحيح على أسس سليمة.
twitter.com/ismail_yasa