أن تتجرأ
إيران وتقصف العدو
الإسرائيلي
برشقة من الصواريخ والطائرات المسيرة، فلابد أن تكون مسرحية تمت بين الثلاثي؛
الأمريكي، والإسرائيلي، والإيراني، لإدخال الغش والتدليس على المواطن العربي، حتى
يتشيع!
فعندما تطالع "نظرية" المؤامرة في
تفسير ما قامت به إيران، ولأول مرة، ومن الذين كانوا إلى وقت قريب يشككون في أن
تفعل طهران شيئاً، أو تهز طولاً، فأعلم أنها أزمة العقل العربي، المدفوع بخيبة
الأمل، وجينات الشك، في كل شيء ومن أي شيء، فهو الانسحاق أمام أي قوة خارجية، فلا
يستوعب عقله، أو تهضم معدته، أي انتصار يحققه الآخرون من ذات موقعه ونفس هيئته،
فهو خلق لكي يكون مفعولاً به!
نظرية المؤامرة
هناك من لا يصدقون إلى الآن أن مصر حققت
انتصاراً على إسرائيل في عام 1973، ويقولون إنها مسرحية تم الاتفاق عليها بين
القاهرة، وواشنطن، وتل أبيب، وافقت فيها الأخيرة على أن تقوم بدور المهزوم في
الحرب، وأن يكون السادات هو المنتصر، وأن تكون الولايات المتحدة الأمريكية هي
الراعي الرسمي لهذه الصفقة، مقابل توقيع معاهدة السلام مع الكيان برعايتها!
وهناك من لا يصدقون إلى الآن أن خالد
الإسلامبولي ورفاقه هم من قتلوا الرئيس السادات، فكيف لمجرد ملازم أول أن يقوم
بهذا العمل الكبير. وهناك روايتان في ذلك؛ الأولى أن مبارك هو من فعلها، وعندما تم
الإعلان عن اعدام القاتل، كان القول إنه لم يعدم، وذهب العقل المبدع بعيداً،
بالقول إنه يعيش في الخارج باسم مستعار، بعد أن غيروا ملامحه بعمليات جراحية!
والرواية الثانية تؤكد أن من قام بتصفية
السادات هي المخابرات المركزية الأمريكية، وأن رصاصها هو الذي أصاب السادات في
مقتل، فقد قررت التخلص منه بعد أن أدى مهمته على خير وجه!
الثورة الإيرانية التي كانت على أقوى حليف للولايات المتحدة الأمريكية وهو الشاه، تمت بالاتفاق مع واشنطن، وحصار الثوار للرهائن الأمريكيين في سفارة واشنطن بطهران، كان بالطبع للتغطية على المؤامرة، وحصار العالم بأمر أمريكي لإيران الآن، هو مسرحية.. وقصف القنصلية، مسرحية، والرد الإيراني، أيضاً مسرحية، فما أكثر مسرحيات القوم!
وقد كنت حاضراً نقاشاً كهذا، جزم فيه حاضر
بأن اغتيال السادات فعل أمريكي خالص، وليس الإسلامبولي والذين معه، ولم يمنعه من
الجزم برأيه بوجود شهود على الحقيقة، وقد جمعت الصدفة بين قيادي في الجماعة التي
قتلت السادات، وأحد العسكريين من فريق الرئيس في العرض العسكري، وقال له الأول:
أنا أقول لك نحن من قتلناه، وقال الثاني وأنا أقول لك أنني شاهدت الرصاصة التي
أودت بحياة السادات، وما قاله صاحبنا هو استدعاء لكلام قيل في بداية عملية
الاغتيال، وحاول بعض الكتاب أن يوحوا من بعيد براوية المخابرات الأمريكية!
ولم تصدق الجماهير الغفيرة من أمتنا، من
المحيط الهادر إلى الخليج الثائر، أن يكون هؤلاء الذين كانوا يقطنون جبال تورا
بورا هم وراء أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ولابد أن تكون المخابرات الأمريكية
بالاستعانة بمخرجي هوليود قامت بهذه العملية لإعلان الحرب على الإسلام، وبعض
الكتاب الغربيين أنفسهم لا يصدقون أن هذا من فعل أناس رقيقي الحال بزعامة أسامة بن
لادن، تجرؤا على القوة الأمريكية الجبارة؟!
فإذا قيل لهم ولماذا لم ينف بن لادن صراحة
هذا الاتهام، كانوا حاضرين بالإجابة؛ فهو لا يمكنه أن يفعل، وقد ارتفع الحدث باسمه
ليكون في السماء، بل إن هناك من اعتبروا أسامة بن لادن نفسه صناعة أمريكية، دفعت
به في هذا الاتجاه، لتدشن بأفعاله حربها على الإسلام!
وعندما دخل قادة طالبان القصر الرئاسي
وإعلان هزيمة التحالف الغربي برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، الذي احتل
أفغانستان لسبعة عشر عاماً، كان الرد السريع إنها مسرحية أمريكية مثلت فيها واشنطن
والحلف الدولي دور المهزوم، ومنحت البطولة المطلقة لحركة طالبان للقيام بدور
المنتصر!
هذه الروح لم تكن في الحرب الأفغانية على
الاتحاد السوفيتي، لأنها كانت بين المجاهدين الأفغان وبين الشيوعية، وكان الإعلام
العربي يركز على أخبار هذه الحرب يوميا وعلى مدار الساعة، فكان إعلان الانتصار له
مقدماته على العكس من انتصار طالبان، فلم يكن التمهيد سوى بعناوين سريعة عن جولة
مباحثات بينهم وبين الولايات المتحدة الأمريكية بوساطة قطرية، ثم تبين أن طالبان
ليسوا من الإخوان المسلمين، والإخوان كانوا في هذه الحرب في الخندق الآخر، إذاً
فهذا النصر هو مسرحية أو تمثيلية.
ولا نعرف لماذا تقبل أقوى دولة في العالم،
ومعها عواصم غربية من الوزن الثقيل، القيام بدور المهزوم؟، غير أن هناك من لم
يصدقوا أن حركة مستضعفة يمكنها أن تحقق النصر بدون قنبلة ذرية، أو صفقات سلاح من
العالم المتقدم، والبعض استنكف أن ينتصر هؤلاء، فأطلق لنظرية المؤامرة العنان!
والثورة المصرية أيضاً مؤامرة
وعندما قامت الثورة في مصر، فإن كثيرين لم
يصدقوا أن المتظاهرين العُزل يمكن أن يحققوا النصر على نظام مبارك، فكان القول
بأنها ثورة أمريكية، قررت التخلص من مبارك، وحتى مبارك نفسه كان يعتقد هذا، وقد
نقل لي مقرب من قاضي التحقيق معه، إنه عندما ذهب اليه كان يبدو كما لو كان يكلم
نفسه، وهو يقول إنهم الأمريكان، ويكمل: لماذا فعلوا بي هذا؟ لماذا انقلبوا علي؟
ومن لم تروق له رواية الثورة الأمريكية فقد
أرجع الثورة إلى أنها من تخطيط الجيش لوقف سيناريو التوريث، وتسأل أحدهم عن أي
إشارة من قيادة الجيش تشير إلى أن له موقفاً معارضاً من جمال مبارك، فيبدو السؤال
مدهشاً لهم، وهناك كاتبان لا يزالان على قيد الحياة، قدما للتحقيق أمام المحكمة
العسكرية لأنهما قبل الثورة كتبوا يطلبون الجيش بوقف هذا السيناريو، وأحدهم قال إن
وراء طلبه هو اعتزازه بالجيش فقال له المحقق لا تدخلنا في أمر سياسي!
بيد أنه منطق العجز، الذي ينزع من أي إنسان
أي قدرة على الفعل، فوراء كل فعل قوي، قوى أخرى، لتفعل نظرية المؤامرة مفعولها،
على نحو يمكن العقول الكسلى من النوم العميق!
وهذه العقول هي التي لم تستوعب أن تتجرأ
طهران وتبعث برشقة من الصواريخ، فذهبوا يقولون إنه الاتفاق بينهم وبين إسرائيل،
وبرعاية أمريكية، تمثل فيه إيران دور القادر على استهداف الكيان، وتمثل فيه
إسرائيل دور العاجز عن الرد، وترعى الولايات المتحدة الأمريكية هذا كله، ولا تعرف
لماذا هذه المسرحية على مسرح إيران العائم؟!
فإذا كان سيطرب طهران أن تقوم بدور المنتصر،
فماذا ستجني إسرائيل من أن تكون "ملطشة"، مرة من المقاومة في 7 أكتوبر
الماضي، ومرة من طهران في إبريل الجاري؟!
يقول البعض إن هذه المسرحية لرد اعتبار
القيادة الإيرانية أمام الشعب بعد
القصف الإسرائيلي لقنصليتهم في دمشق، ولماذا
فعلتها إسرائيل والعلاقة مع القوم على هذه الدرجة من الحميمية إلى درجة قبول
القيام بدور المهزوم؟!
هناك دعاية رائجة بأن واشنطن وطهران حليفان،
والبعض يذهب إلى أن الثورة الإيرانية تمت برعاية أمريكية، وهو أمر يجعلنا أمام
جنون لا يناقش.
الثورة الإيرانية التي كانت على أقوى حليف
للولايات المتحدة الأمريكية وهو الشاه، تمت بالاتفاق مع واشنطن، وحصار الثوار
للرهائن الأمريكيين في سفارة واشنطن بطهران، كان بالطبع للتغطية على المؤامرة،
وحصار العالم بأمر أمريكي لإيران الآن، هو مسرحية.. وقصف القنصلية، مسرحية، والرد
الإيراني، أيضاً مسرحية، فما أكثر مسرحيات القوم!
ولماذا كل هذه المسرحيات؟
لتضليل حضرته، فيتصور أن إيران عدوة
لواشنطن؟، وما العائد على الجانبين، ومعهم الجانب الإسرائيلي من تضليل حضرته؟.. لا
أحد يعلم إلا حضرته، وماذا لو اقتنع حضرته بأنهم على عداء على غير الواقع؟ المعنى
في بطن حضرته، على وزن المعنى في بطن الشاعر!
فاللهم احفظ علينا عقولنا أبداً ما أبقيتنا،
أما عقل حضرته فمن المؤكد أنه يريحه كثيرا!
ولهذا قيل: "ذو العقل يشقى في النعيم
بعقله.. وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم"!