نشرت صحيفة "
الغارديان" تقريرا
أعده جيسون بيرك وملك التنتش تحدثا فيه عن الفوضى التي خلقها الجيش الإسرائيلي في
غزة
وانهيار النظام المدني حيث بدأت عائلات وعصابات مسلحة بملء الفراغ.
ووصفت المقابلات مع عمال إغاثة ومسؤولين
بارزين المجاعة التي تلوح بالأفق واستمرار القصف الإسرائيلي وعالم قاس من الأسلحة
والسكاكين والتخويف يحدد عادة من يحصل في النهاية على المساعدات الإنسانية العاجلة.
وتقول الصحيفة إن أكثر من خمسة أشهر على
الهجوم العسكري ضد غزة أخرج حماس من السلطة بدون استبدالها بنظام حكم آخر.
وأضافت الصحيفة أن الاستهداف المنظم للشرطة
في غزة والتي تعتبر "إسرائيل" أفرادها من حماس وإفراج الأخيرة عن المعتقلين
في السجون بداية الحرب فاقم من الفوضى.
وقال أسامة عبد الرحمن أبو دقة، 52 عاما
القيادي المجتمعي في رفح، جنوب غزة إن "الحرب غيرت كل شيء والأهم من ذلك هو انعدام
الأمن، ولم يعد هناك شيء للضعيف، فقط القوي هو الذي يعيش".
واستخدم عدد من المسؤولين البارزين في الإغاثة
الإنسانية عبارة "مقديشو على المتوسط" لوصف مستقبل القطاع، ولكن المسؤولين
حذروا أنه من الباكر مقارنة القطاع بالصومال أو أي دولة فاشلة.
وقال مسؤول إغاثة بارز مقيم في غزة منذ
عدة أشهر: "لم نر انهيارا كاملا للقانون والنظام، وجزء من هذا ثقافي، وهناك الكثير
من التضامن والدعم المتبادل والمشاركة، لكنني لست متأكدا أننا بعيدون عن هذا. وبالتأكيد
فالأمور تزداد سوءا، وتسمع أصوات النار وبخاصة في الليل ويبدو أن العائلات تقتل بعضها
البعض أو العصابات تقتل الأخرى وليس الحرب" فقط.
وأشارت الصحيفة إلى أن نسبة 80 بالمئة تقريبا
من سكان القطاع الـ 2.3 مليون نسمة باتوا مشردين بعد ستة أشهر من العدوان الإسرائيلي
الذي قتل حتى الآن 32,600 فلسطيني معظمهم من الأطفال والنساء إلى جانب تدمير البنايات
والبنى التحتية. وركز المجتمع الدولي انتباهه على الكمية القليلة من المساعدات التي
تصل إلى القطاع، بسبب رفض "إسرائيل" فتح المعابر البرية وسط الجهود لمنع
انتشار المجاعة.
ويقول مسؤولو الإغاثة إن انهيار النظام
والقانون يهدد الناس الضعاف، ويجعل من إيصال المساعدات صعبا جدا. وتم نهب عدد من قوافل
الإغاثة في الأسابيع الماضية على يد عصابات منظمة أو أفراد يائسين. ويقول مسؤولو الأمم
المتحدة إن "الفوضى" والتي كانت مشكلة في الخلف تقدمت الآن ووصلت لمستوى
مختلف. وقال مسؤول في آذار/ مارس: "هذا نتاج، لو أردت وصفه، تسويق المساعدة، تقوم
العصابات الإجرامية بأخذه ونهبه وإعادة بيعه، وهو ما حول المساعدة الإنسانية إلى مال".
وتحول التنافس على المساعدات الإنسانية
إلى عمليات طعن بالسكاكين وإطلاق النار إلى جانب سقوط ضحايا بالعشرات نظرا لاستهداف
الجيش القوافل الإنسانية في الأسابيع القليلة الماضية. وقالت ناريمان سلمان، 42 عاما
والتي تعيش في رفح بعد تشريدها من شمال غزة: "استطاع زوجي وابني الحصول على كيس
طحين من إحدى الشاحنات، وفي طريق العودة أوقفهما رجل يحمل سكينا طويلا وكان عليهما
العودة فارغي الأيدي. وكنا نأكل الأرز والفاصوليا وبعض الأعشاب وكان عليهما استجداء
الطعام من جيراننا لابنتي الحامل". وبعد ذلك طعن ابن سلمان حتى الموت عندما حاول
الحصول على طعام من مساعدة أنزلت بالجو.
وتشير المقابلات مع الرجال والنساء المشردين
أن المشاكل تتراوح من القتال بين العائلات على مساحة في المعسكرات المكتظة والملاجئ
إلى السرقات. ووصف آخرون ما قالوا إنه انتشار النهب من البيوت المهجورة وزيادة استخدام
المخدرات بعد نهب الصيدليات الفارغة.
وتقول الصحيفة إن التأكد من هذه التقارير
أمر صعب، مع أن هناك مصادر أخرى تؤكدها. وقال جلال محمد ورش أغا، 51 عاما، تاجر مواش في رفح: "لقد سرقت عدة مرات، أشياء ثمينة وأخرى لا قيمة لها. وكان لدي ستة كيلوغرامات من القهوة والتي كنت أريد بيعها لأن سعر الكيلو وصل إلى 250 "شيكل" ولكنها
سرقت. وفي مرة أخرى سرق حذاء ابني أثناء صلاة الجمعة. وهذه ظاهرة جديدة في مجتمعنا
ولم تكن شائعة أبدا".
ووصف آخرون حوادث مماثلة، فقد قال معين
أبو جراد الطالب البالغ من العمر، 25 عاما عن سرقة في مسجد الأسبوع الماضي: "كنت
أتوضأ قبل صلاة الجمعة في المسجد عندما سرق هاتفي وبعض النقود كانت في جيب جاكيتي المعلق
إلى جانبي".
وتقول الصحيفة إن أهم مشكلة تسهم في انتشار
الفوضى هي استهداف "إسرائيل" لعناصر
الشرطة التي تقول إنهم من حماس. وفي
شباط/ فبراير قال المبعوث الأمريكي إلى الشرق للشؤون الإنسانية ديفيد ساترفيلد، إن الشرطة في القطاع "تضم بالتأكيد عناصر من حماس" ولكنها تضم أفرادا لا علاقة
لهم بالجماعة أو لهم روابط مع فصائل فلسطينية أخرى.
وقال وسام يوسف رجب، 45 عاما من رفح إنه
توقف عن الذهاب للعمل بعدما بدأت "إسرائيل" الغارات على مراكز الشرطة والسيارات
والأفراد. وأوضح: "الآن الأشخاص الذين يتحكمون بالناس هم بعض العصابات أو أشخاص
يحملون سلاحا غير شرعي أو مصادر أخرى". وأضاف: "واحد من الأسباب التي أدت
لموجة الجريمة هو المجرمون المدانون الذين أفرجت السلطات المحلية عنهم مع بداية الحرب
خوفا على حياتهم عندما تضرب القنابل السجون".
ويعتبر غياب الشرطة تحديا لوكالات الإغاثة
التي بدأت تستعين بالشركات المنشأة حديثا "الشركات الأمنية الخاصة". وقال
سالم أبو حلوب، مدير مخيم لاجئين في رفح: "عندما نقوم بتوزيع المساعدات لمنطقة
فإننا نعتمد على الرجال المسلحين من السكان لحماية القافلة المحملة بالمساعدات".
ويقول مسؤولو إغاثة غربيون إن الهجمات على الشاحنات المحملة بالغذاء أصبحت منظمة بشكل
متزايد حيث يقوم "مراقبون" بنقل المعلومات عن حركة القافلة لقادة الجماعات
الذين يحضرون الكمائن لها في الشمال.
وتضيف الصحيفة أن استخدام الجيش الإسرائيلي
لمتعهدين خاصين من أجل نقل المواد الأساسية وخارج نظام الأمم المتحدة، أضاف للفوضى.
وفي الجنوب لا تزال وزارات حماس مثل الصحة والتنمية الاجتماعية "عاملة إلى
حد ما" وتحاول الحركة الإدارة في أماكن أخرى. وقال مسؤولو إغاثة إن قوافل
إغاثة وصلت الشمال بدون أذى عندما أصدر مسؤول بارز في حماس أمرا بحمايتها باسم
"قوات الأمن الفلسطينية" وبعد أيام أعلنت "إسرائيل" عن قتل
فائق المبحوح رئيس مديرية العمليات في الأمن الداخلي.
وقال محللون إن "إسرائيل" اقتربت
من تحقيق هدف الحرب وهو تفكيك حماس إداريا وعسكريا، لكنها لم تقدم بعد خطة لاستبدال
الحكومة السابقة. ويعتقد الكثير من المراقبين أنه لن يكون هناك يوم تالٍ للحرب، وأن
الأزمة المزمنة تحتاج إلى حل عاجل.
ورفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو
المقترح الأمريكي بعودة السلطة الوطنية الفلسطينية إلى غزة بعد طرد حماس لها في عام
2007. ومنعت "إسرائيل" وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) والتي
تغطي عددا من مهام الحكومة من العمل في شمال غزة. ولم تنجح محاولات "إسرائيل"
الاعتماد على رجال العشائر ورجال الأعمال كبديل عن حماس في بناء الزخم المطلوب. وكان
اغتيال شيخ عشيرة وسط غزة بمنتصف آذار/ مارس، نكسة للجهود الإسرائيلية. وكان تعهد عدد
من قادة المجتمع البارزين في غزة بعدم التعاون مع "إسرائيل" بدون موافقة
حماس وفتح نكسة أخرى. وعلق مسؤول غربي قائلا: "لو لم يكن هناك حماس أو السلطة
الفلسطينية ولا أونروا ولم تتحمل "إسرائيل" مسؤولياتها، فمن بقي؟"،
وأضاف: "لو لم نواجه انهيارا كاملا للحكومة الآن، فقد يحدث قريبا".
ويقول أبو دقة الذي يترأس لجنة في رفح:
"نحاول حل النزاع مكان الحكومة والشرطة والسلطات حتى لا ينهار المجتمع بالكامل".
وبعض هذه اللجان جديدة حيث "تعتمد على قادة المجتمع والإسلاميين وفصائل فلسطينية
تاريخية وكل الأنماط"، ومنها جمعيات موجودة لعقود. وقال مسؤول مخضرم في العمل
الإنساني:"هم الأشخاص الوحيدون الذين نتعامل معهم لو أردنا تجنب السرقة، لكنه
ليس حلا طويل الأمد" و"ما أخشاه أن يأتي شيء أسوأ مما نحن فيه، فهذا مجتمع
صامد لكن بعد ستة أشهر من الحرب فإن المجتمع يتداعى".