يمثل
يوم الأرض الفلسطيني ذكرى لتاريخ من المحاولات
الإسرائيلية لتفريغ البلاد من سكانها الأصليين عبر عقود من الزمان، واعتبر أحدث وأبرز
هذه المحاولات هي إخراج سكان شمال قطاع
غزة بالقوة نحو الجنوب، ثم محاولة دفعهم
للخروج من البلاد.
وخلال الأيام الماضية عمل جيش
الاحتلال
الإسرائيلي خلال حرب الإبادة المستمرة على إعادة الدخول إلى مناطق كان قد أنهى
أعماله فيها، وأجبر السكان الذين عادوا إليها على النزوح جنوبا.
وترصد "
عربي21" تمسك الفلسطينيين
بأراضيهم وبيوتهم، رغم كل أهوال عمليات القتل والإعدام الإسرائيلية.
يقول محمد (38 عاما) إن أي فلسطيني حتى لو كان صغيرا يعرف
البلاد وتفاصيلها، رغم كل الدمار الذي حدث أكثر من أي خبير إسرائيلي، كاشفا أن
الجيش اعتقله مع عائلته من المكان الذي كان ينزح فيه.
ويؤكد محمد لـ"
عربي21" أنه بعد ساعات
أطلق سراحه وطلب منه التوجه فورا إلى الجنوب، "هذا وأنا لا أعرف ماذا حدث
لزوجتي وأولادي وأبي وأمي الذين كنا ننزح معا كعائلة كبيرة".
ويتابع شهادته بالقول: "تحركت من الطريق
الذي قالوا لي بالتوجه عبره نحو الجنوب، وبعد أن وصلت إلى منطقة لا يوجد فيها قوات
على الأرض أو قناصة، عدت عبر طريق أعرفه
إلى ناحية بيتي الذي هجرت منه في بداية
الحرب".
ويشير: "وصلت بيتي المتضرر فوجدت باقي
عائلتي فيه، للحظة شعرت بانتهاء الحرب مع تجمع كل العائلة في بيتنا، وبعد ساعات
أخرجنا ما يصلح من ملابس وأثاث ونقلناه إلى شقة أحد أعمامي المتضررة بشكل بسيط".
ويبين: "بيتنا في منطقة تعد من آخر المناطق
التي انسحب منها الاحتلال، ونعرف أنه قد يعود لها مثل ما حصل مع مجمع الشفاء
ومحيطه، إحنا ما بنرمي حالنا للموت وحياتنا مش رخيصة، لكن حياتنا بنعشها زي ما
بدنا مش زي إسرائيل ما بدها".
بدوره، يؤكد عبد الفتاح (37 عاما) أنه بقي مع
والده ووالدته في منزلهم بينما أرسل زوجته وابنه إلى الجنوب، قائلا: "والدي
كبير في السن تجاوز 75 عاما، ومصاب بمرض السرطان، ووالدتي أيضا مسنة وتعاني من
أمراض مختلفة، ورغم ذلك رفضوا الخروج مطلقا من غزة".
ويضيف عبد الفتاح لـ"
عربي21": "بقينا
في بيتنا مدة 170 يوما، لم نتحرك منه ولم ننزح حتى إلى بيت آخر، وكنت طوال هذه
الفترة أنا من يتحرك بحثا عن الطعام والشراب وسبل النجاة".
ويتابع قائلا: "مع إعادة دخول الاحتلال
خلال الأيام الأخيرة حاصر الجيش بيتنا وطلب من السكان الشبان بالاسم الخروج بدون
ملابس، حقق الجيش معي سريعا وقال لي عد للبيت خذ أباك وأمك واتجه فورا إلى الجنوب".
ويشير إلى أنه "لم أحمل معي سوى بعض مخزون
الدواء لوالدي المرضى، وجهاز إضاءة يومض بلون أزرق قال لي الجيش أحمله معي في
الطريق حتى لا يتم استهدافي".
ويؤكد قائلا: "طبعا كل عذاب الحرب لا يساوي
عذاب تلك الليلة، كنت أنا بملابسي الداخلية وأحمل هذا الجهاز الصغير فوق رأسي،
وأسند أبي وأمي المرضى طوال الطريق".
ويذكر: "أغمي على أبي ثلاث مرات بالطريق حتى
وصلنا منطقة النصيرات، وصلنا إلى بيت أحد المعارف، ثم توجهنا إلى رفح في المكان
الذي تتواجد فيه زوجتي".
ويكشف: "والله طوال الطريق كنت أفكر بقذف
الجهاز المضيئ على أحد أكوام الركام وتحطيمه، والجري مرة أخرى ناحية غزة، لكن هذا
شيء لا يقدر عليه والداي، بعدها تذكرت قول أبي إن الأرض هي بلاء الفلسطيني.. فيها
هلاكه وفيها نجاته".