تستمر عملية
الاحتلال الإسرائيلي في مجمع الشفاء الطبي لليوم السادس على التوالي ضمن جرائم قتل وتدمير توصف بأنها الأعنف منذ بدء حرب الإبادة المستمرة على قطاع
غزة في شهرها السادس.
واضطر الآلاف للنزوح مجددا أو حتى الهروب من مجمع الشفاء ومحيطه تاركين خلفهم أمتعتهم وطعامهم القليل المتبقي.
وترصد "عربي21" شهادات من ناجين يروون فيها حالة التضامن والتكافل الواسعة التي وجدوها بعدما هربوا ونجوا من مذبحة الشفاء.
تقول عبير (50 عاما) إنها منذ بداية الحرب تتنقل من مكان إلى آخر بحسب التطورات الميدانية وشدة القصف الإسرائيلي، مبينة أنه "حتى اقتحام ’الشفاء’ الأخير كنا محظوظين بأننا نسبق الاقتحام أو القصف الشديد بخطوة".
وتضيف عبير لـ"عربي21" قائلة: "كنا نتجهز للسحور حوالي الساعة الثالثة فجرا وفجأة بدأ القصف العنيف والقذائف وأصوات جنازير الدبابات، كانت ليلة مرعبة لن أنساها أبدا".
وتوضح: "خرجنا في أول الصباح بحثا عن مكان أقل خطورة ومع التوتر والحرص على الركض دون أحمال إضافية تركنا تقريبا كل الطعام الذي معنا خلفنا، طلعنا والدبابات قدامنا وبدأنا الجري ثم المشي في شارع الوحدة بهدف الوصول إلى منطقة البلد حيث يوجد بيت لأحد الأقارب نختبئ فيه".
وتشير إلى أن الطريق استغرق منهم ساعات طويلة وذلك لأن المشي بطيء، كنا نختبئ عندما نسمع صوت زنانة أو كواد كابتر (طائرات مسيرة) وننتظر إختفاء الصوت".
وتكشف أنه "عندما وصلنا منطقة السامر وجدنا السكان نزلوا إلى الشارع ومعهم كراس بلاستيكة وطعام وخبز، كان الوقت اقترب من المغرب ودعوا الناس للاستراحة على الكراسي وقدموا لنا الطعام والخبز".
وعن هذا الموقف تقول عبير: "بكيت وتذكرت الحاجة المسنة التي اشتهر بمقطعها بكلامات شدوا بعضكم يا أهل
فلسطين شدوا بعضكم، عرفت كم في الدنيا خير وعرفت كيف أنه الخير الحقيقي ببين وقت الحاجة والشدة".
بدوره، يقول محمد (33 عاما) الذي ينزح أيضا مع عائلته قرب مجمع الشفاء: "كنا هناك باعتقاد أن المنطقة آمنة ولا يوجد خوف بعدما انسحب الجيش منها واقتحم الشفاء سابقا، كنا مخطئين، وبالعافية هربنا وتركت سيارتي وأكل أهل بيتي والأواعي خلفي".
ويضيف محمد لـ"عربي21" قائلا: "السيارة التي تركتها كانت كل ما أملك، كنت وضعت كل مالي لشرائها بهدف التجارة، لذلك فأنا خسرت كل مالي حاليا وليس معي حتى ثمن شراء وجبة الفطور (تجارة السيارات المستعملة كانت مزدهرة بغزة بسبب الحصار والجمارك المرتفعة على السيارات شبه الجديدة)".
ويوضح محمد أنه "خرج باتجاه شقة تعود لأخيه الذي نزح إلى جنوب قطاع غزة، وهي في عمارة سكنية متضررة في حي الرمال ولا يوجد فيها حاليا أي من سبل العيش تقريبا"، مضيفا أنها "بتضل أحسن من الموت هناك".
ويقول: "لم تكن هذه المرة الأولى التي نذهب فيها إلى تلك الشقة، إلا إنها تكون في حالة أسوأ من آخر مرة يرجعون لها، ولحسن الحظ كنا قد تعرفنا على من تبقوا من سكان هذه الشقق، وأول ما عرفوا بعودتنا من محيط الشفاء جاء أحدهم بكيس ممتلئ بمعلبات غذائية".
ويوضح أنه "لولا فضل الله ثم إيثار هؤلاء الناس كنا سنبيت بدون أي طعام، صحيح السوق يوجد به العديد من المعلبات لكن ما معي أي فلوس علشان أشتري".
من ناحيته، يقول مسعود، الذي يعمل في صرافة العملة والحوالات المالية: "بعد عملية اجتياح الشفاء الأخيرة كلمني أحد الناس الذين أعرفهم من الذين كانوا في محيط المستشفى، طمأنني عليه وطلب مني طلبا استغربته وتمثل في إخراج صدقات للمحتاجين في جنوب قطاع غزة".
ويضيف مسعود لـ"عربي21" بقوله: "أعرف الخير عن هذا الرجل، وأعرف أنه يعاني حاليا من نقص السيولة لعدم سهولة سحب أي مبالغ مالية، أعطاني أسماء وأرقام وطلب مني التواصل معهم وتوزيع المبالغ عليهم".
ويكشف أنه "بعد ذلك سألني عن عمولة التحويل المطلوبة من أجل تسليم المبالغ في الجنوب، فخجلت أن أطلب أي شيء رغم أزمة السيولة المالية الكبيرة، وقلت لأجعلها أنا أيضا صدقة لكف البلاء".