أعلنت السلطات
الروسية، يوم السبت، إلقاء القبض على كلّ المشاركين في العمل الإرهابي الخطير الذي
وقع في العاصمة موسكو، ونَفَت الولايات المتحدة أن تكون أوكرانيا متورطة فيه، ثم
لاحقا تبناه تنظيم "
داعش- خرسان". وأفادت الخدمة الصحفية للكرملين بأنّ
مدير هيئة الأمن الفيدرالية الروسية ألكسندر بورتنيكوف أبلغ الرئيس فلاديمير بوتين
عن اعتقال 11 شخصا، من بينهم الإرهابيون الأربعة الذين شاركوا بالهجوم على
"كروكوس سيتي هول".
أوكرانيا وُجهة
الإرهابيين
وتقول مصادر
روسية مطلعة على سير التحقيقات إنّ أحد الارهابيين اعتُقل بالقرب من مكان حدوث
المجزرة، قد أدلى بمعلومات ساعدت في كشف هوية المنفذين، وكذلك الوجهة التي كانوا
سوف يقصدونها بعد الانتهاء من العملية، وهي الأراضي الأوكرانية.. وهو ما ذهب إليه
الرئيس بوتين في أول تصريح له حول المجزرة، إذ اتهم أوكرانيا بشكل صريح بالوقوف
خلف العملية الإرهابية، وقال إنّ منفذي
الهجوم "حاولوا الاختباء والهروب نحو
أوكرانيا، حيث تم إعداد منفذ لهم من أجل عبور الحدود".
السلطات الروسية
كشفت أنّها اعتقلت "جميع الإرهابيين الذي فروا خلال ساعات قليلة في مقاطعة
بريانسك، ونقلوا إلى موسكو"، مؤكدة أنّها تتابع تحقيقاتها من أجل التعرف على
ملابسات الهجوم الإرهابي كافة، حيث أكدت أنّ الهجوم "خُطّط له بعناية"،
وأنّ الأسلحة التي استخدمها الإرهابيون كانت "مجهزة بشكل مسبق ومحفوظة في
مخبأ".
عملية لم تشهدها
روسيا من قبل
وتُعدّ تلك
العملية الأولى من نوعها من حيث طريقة التنفيذ، وذلك بمقارنتها مع هجمات إرهابية
مماثلة حصلت في روسيا بالماضي، مثل مسرح "نورد أوست" في موسكو، ومدرسة
بيسلان في فلاديكافكاز، ومدينة بودينوفسك. إذ تظهر تلك العملية أنّها مجزرة يطمح منفّذوها
إلى إطلاق النار بشكل عشوائي، متعمدين قتل أكبر عدد من المدنيين فقط (أكثر من ١٥٠
قتيلا وعدد كبير من الجرحى)، وذلك بخلاف ما كانت تقوم به منظمات إرهابية أخرى فيما
مضى، إذ كانت تتقدّم بطلبات أو تفصح عن الغاية خلف هجومها.
هل هي صدفة؟
ويأتي الهجوم بعد
سلسلة تطورات، وُصفت بـ"شديدة الأهمية"، ألا وهي:
1- بعد إعلان
موسكو قبل يوم واحد من المجزرة عن تحول "العملية الخاصة" في أوكرانيا
إلى "حرب" بشكل رسمي.
2- بعد استخدام
موسكو حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضد مشروع قرار الولايات المتحدة، الذي تدعي
واشنطن أنه يرمي إلى وقف إطلاق النار.
3- بعد الانتخابات
الرئاسية الأخيرة، التي فاز بها الرئيس بوتين بأعلى نسبة تأييد، وحققت الانتخابات
أعلى نسبة مشاركة، خصوصا في صفوف المسلمين الروس الذين سجلوا أعلى نسبة تصويت
وتأييد لبوتين (الشيشان، داغستان، وإنغوشيتيا).
4- بعد تحذيرات
عمّمتها سفارة الولايات المتحدة في موسكو على المواطنين الأمريكيين، ودعتهم
بالتحديد إلى الابتعاد على المراكز التجارية والعروض الموسيقية.. وهو ما يطرح
علامات استفهام كبيرة حول ما حصل.
"داعش"
يتبنّى ولا أحد يصدّق
وبعيد وقوع
المجزرة بنحو نصف ساعة، سارعت وزارة الخارجية الأمريكية إلى تبرئة أوكرانيا، بعد
أن تقدمت بالعزاء لذوي الضحايا، ما فُهم على أنّه محاولة استباق أي اتهام توجهه
موسكو إلى الأوكرانيين، مما دفع المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا،
إلى مطالبة واشنطن بتوضيح أو الإفصاح عن المعلومات إذا كانت فعلا موجودة لدى
واشنطن، متهمة كييف في الوقت نفسه بأنّها تحولت على أيدي الدول الغربية إلى
"مركز لانتشار الإرهاب الدموي".
لكن بعد ساعات
كانت المفاجأة، إذ تبنى تنظيم "داعش" العملية بواسطة بيان مقتضب نشره
التنظيم عبر وكالته المعلومة/المجهولة "أعماق"، وكانت وكالة
"رويترز" أول من نقله.
والغريب في
العملية ثم في التبني، أنّ هذا التنظيم لم يشاهد ما يعاني منه المسلمون في قطاع
غزة منذ 6 أشهر، ولم يستطع "نصرة المسلمين الفلسطينيين"، لكنّه وصل
بسهولة إلى موسكو ثم هبّ إلى مهاجمة عاصمة الدولة التي تدافع عن القضية الفلسطينية
في مجلس الأمن وخارجه!
وتنفي الأجهزة
الأمنية الروسية تلك المزاعم "الداعشية"، وتقول إنّ ثمة شكوكا كبيرة
وعلامات استفهام حول الرواية، وذلك على الرغم من أن أجهزة الاستخبارات الروسية
كانت قد قامت بالفعل قبل الانتخابات الرئاسية الروسية بنحو أسبوعين، بعملية نوعية
في مدينة كارابولاك الواقعة في جمهورية إنغوشيتيا، واشتبكت لساعات طويلة مع أشخاص
مشتبه بهم بأنّهم على علاقة مع تنظيمات مثل "داعش".
وتكشف التحقيقات
أنّ الإرهابيين الذين نفذوا الهجوم هم من الجنسية الطاجكستانية وليس من الجنسية
الروسية، مما يعني أنّ "داعش" المفترض لم يستطع أن يجنّد حتى أحدا من
المسلمين الروس، بل عمد إلى إدخال هؤلاء الإرهابيين من خارج روسيا. وللمصادفة فإنّ
الجهة الأمنية الروسية التي ألقت القبض عليهم هي من "فوج أخمات"
الشيشاني، الذي حصل عناصره على 12 ميدالية تكريما لشجاعتهم، وعلى 20 جائزة إدارية
من وزارة دفاع الاتحاد الروسي. وهذا الفوج هو الأكثر تميزا في القوات الروسية، ويشارك
بشكل فعال في حماية حدود الدولة في منطقة بريانسك، تحت قيادة زور بك إليمخانوف، إذ
تميز أفراده بعد المجزرة، في البحث عن الإرهابيين وإلقاء القبض عليهم، بالتنسيق مع
جهاز الاستخبارات الروسية (FSB).
المطالبة بأشد
العقوبات
وبعيد المجزرة،
خرجت أصوات كثيرة من بعض المسؤولين الروس تدعو إلى ضرورة تفعيل عقوبة الإعدام
المعلقة في روسيا، ومن بين هؤلاء نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديميتري ميدفيديف،
الذي قال إنّ "الإرهابيين يفهمون فقط لغة القوة، ولن تجدي المحاكم والتحقيقات
نفعا.. إعدام الإرهابيين ومحاسبة أسرهم هو الحلّ". وأضاف ميدفيديف: "في
حال ثبت بالفعل أنّ هؤلاء يتبعون إلى نظام كييف، فيجب العثور عليهم والقضاء عليهم
من دون رحمة".
وعلى ما يبدو،
فإنّ التحقيقات قد تستغرق بعض الوقت من أجل الكشف عن كل الخيوط بشكل رسمي، لكن
الاتهام السياسي يبدو واضحا لدى الروس ويقود نحو الغرب وأوكرانيا، وهذا ربّما
سيجعل الردّ الروسيّ في أوكرانيا قاسيا وشديدا في غضون الأيام المقبلة التي ستكون
مختلفة عن أيام السنتين المنصرمتين في عمر الحرب.. وهو ما بدأت ملامحه بالظهور منذ
الليلة الأولى بعد المجزرة.