مُني التيار الإسلامي في
باكستان
بهزيمة نكراء خلال
الانتخابات التشريعية الأخيرة التي عقدت في الثامن من شباط/ فبراير
الماضي، والتي شكلت وستشكل مستقبل باكستان للسنوات الخمس المقبلة، حيث لم تفز الجماعة
الإسلامية الباكستانية بأي مقعد انتخابي، مما دفع أمير الجماعة سراج الحق إلى تقديم
استقالته من منصبه في اعتراف واضح بتحمله الهزيمة الانتخابية. أما جمعية علماء الإسلام
بزعامة مولانا فضل الرحمن، والتي ظلت أفضل حظا من سابقتها في المشاركة السياسية، فقد
تراجعت بشكل خطير حيث لم تحقق سوى أربعة مقاعد، فكانت الحزب الإسلامي الوحيد الذي حظي
بمثل هذه المقاعد.
الجماعة الإسلامية، وهي الحزب
الإسلامي السياسي الأساسي في باكستان، ترشح على قوائمها 200 مرشح ولكنهم فشلوا جميعا
في الحصول على أي مقعد انتخابي، بعد أن فشلت الجماعة في تقديم شخصية سياسية جماهيرية
هجومية وعدوانية بالمفهوم السياسي، بخلاف شخصية مثل عمران خان، التي تعلن تحديها للمؤسسة
العسكرية وهو ما يريده الشباب بشكل خاص، الذين يشكلون نسبة ضخمة اليوم من الناخبين
الباكستانيين، وهي الشريحة التي قلبت الخارطة الانتخابية لصالح عمران. وبعد أن كانت
الجماعة الإسلامية في التسعينيات القوة الثالثة بعد حزب نواز شريف وبيناظير بوتو، حيث شكلت
الجماعة يومها جناحا طلابيا باسم "باسبان" خلال إمارة القاضي حسين أحمد وهو
الذي أدار كثيرا من العمليات السياسية يومها، ولكن هذا الجناح تعرض لانشقاقات وخلافات.
بعد أن كانت الجماعة الإسلامية في التسعينيات القوة الثالثة بعد حزب نواز شريف وبيناظير بوتو، حيث شكلت الجماعة يومها جناحا طلابيا باسم "باسبان" خلال إمارة القاضي حسين أحمد وهو الذي أدار كثيرا من العمليات السياسية يومها، ولكن هذا الجناح تعرض لانشقاقات وخلافات
وعلى الرغم من حصول
الأحزاب الإسلامية
على 12 في المئة من عدد أصوات الناخبين، فكان نصيب جمعية علماء الإسلام حوالي 2.1 مليون
مصوّت، والجماعة الإسلامية نالت 1.3 مليون ناخب، لكنها لم تترجمها عمليا في شكل فوز
مرشحيها بمقاعد انتخابية، وذلك يعود على ما يبدو إلى الدور التخريبي -إذا صحت العبارة-
الذي تلعبه هذه الأحزاب في العملية الانتخابية، بمعنى أنها قادرة على تشتيت الأصوات
لصالح حزب كبير أو ضد آخر، ولكنها عاجزة عن حسم النتائج لصالحها، وهو ما كان يقوله
نواز شريف عن ترشيح الجماعة لمرشحيها في مواجهة مرشحيه بإقليم البنجاب، إذ إنها تشتت
الأصوات بحيث لا تنجح في الانتخابات، ولا تدع مرشح شريف ينجح، فتكون النتيجة سابقا
لصالح منافسه من حزب الشعب الباكستاني سابقا، واليوم لصالح منافسه حزب الإنصاف بزعامة
عمران خان.
البعض يعتقد أن هذه الهزيمة الصادمة
تكمن في عدم استعداد هذه الأحزاب للانتخابات، لأنها لم تكن تتوقع حدوثها بحسب قراءتها
السياسية، فالجيش لن يسمح بحسب تقييماتها بعقدها، في ظل التعبئة ضده، وفي ظل إمكانية
عودة خصمه السياسي عمران خان، ولكن الانتخابات جرت في الثامن من شباط/ فبراير، مما
وضع الأحزاب الإسلامية في مأزق وحرج حقيقيين.
يعزو البعض سبب تراجع جمعية علماء
الإسلام في منطقة بلوشستان التي تعد من معاقلها، إلى أن مرشحي الجمعية أصبح معروفا
عنهم تغيير ولاءاتهم بعد فوزهم في الانتخابات، فيتخلون عن الجمعية، ويذهبون للحزب الحاكم،
وهو ما دفع الناخب المحلي إلى عدم التصويت لهم، وذهابه مباشرة إلى حزب الإنصاف بزعامة
عمران خان.
كما لعبت التفجيرات المستهدفة
لحشود ومهرجانات الجمعية الانتخابية من قبل مسلحي داعش، دورا في ذلك، لا سيما مع التهديدات
المتكررة التي أصدرها تنظيم الدولة في خراسان لهذه الجماعات، وهو ما دفع الجمعية إلى
تقليص اجتماعاتها ومهرجاناتها الخطابية، مما أثر على شعبيتها وأدائها لاحقا.
الانتخابات الباكستانية الأخيرة ناقوس خطر حقيقي بلا شك لهذه الأحزاب، فإن لم تقم بمراجعة نفسها وبرامجها وخطابها والشخصيات التي تقدمها، فإنها ستظل تواجه نفس النتائج، وهنا لا بد لها أن تقدم نفسها كقوة موحدة بحيث على الأقل تنسق فيما بينها داخل الدوائر الانتخابية، إن كان داخل الجماعات أو مع حلفائها الأقربين من الأحزاب الأخرى، كي لا تفقد أصواتها عبر عملية التشتيت التي تحصل في العادة دون كسب مقاعد
تدرك الدولة الباكستانية العميقة
أهمية مشاركة الأحزاب الإسلامية، وضرورة عدم تهميشها، وذلك لمصلحة باكستان القومية،
ولكن التيار الإسلامي الباكستاني لديه تحديات حقيقية وجوهرية خلال العمليات الانتخابية
بشكل عام، فثمة تفتيت سياسي داخل الأحزاب السياسية مما أثر على شعبيتها، وهناك صعوبة
في مواءمة أهدافها البعيدة مع الاستراتيجيات الانتخابية التي تركز على احتياجات الناس
وما تريده، مما قد ينسف أهدافها الاستراتيجية.
وتظل الصعوبة الحقيقية موجودة في
قدرة هذه الجماعات على منافسة أثرياء السياسة الباكستانية من الإقطاعيين ورجال المال
والأعمال، وجاء عمران أخيرا ليخطف حتى خطاب الجماعات الإسلامية، فكان تركيز الحزب على
مصطلح دولة المدينة، مع ضرورة ترقية القيم الإسلامية التي ركز عليها الحزب وزعيمه،
وهو ما جذب فئة الشباب.
الانتخابات الباكستانية الأخيرة
ناقوس خطر حقيقي بلا شك لهذه الأحزاب، فإن لم تقم بمراجعة نفسها وبرامجها وخطابها والشخصيات
التي تقدمها، فإنها ستظل تواجه نفس النتائج، وهنا لا بد لها أن تقدم نفسها كقوة موحدة
بحيث على الأقل تنسق فيما بينها داخل الدوائر الانتخابية، إن كان داخل الجماعات أو
مع حلفائها الأقربين من الأحزاب الأخرى، كي لا تفقد أصواتها عبر عملية التشتيت التي
تحصل في العادة دون كسب مقاعد، أو تسليف هذه الأصوات لحلفائهم من الأحزاب السياسية
الأخرى.
لكن بغض النظر عن فوز هذه الجماعات
في هذه الانتخابات لكنها تظل ثقلا سياسيا مهما لباكستان في الخارج، وبالتالي لا بد
من التنبه إلى هذا، فمثل هذه الأحزاب إنما هي جسر تعبر به باكستان إلى العالم العربي
والإسلامي، خاصة وسط شريحة شعبية عربية وإسلامية ليست قليلة.