شكلت انتخابات الثامن من فبراير/ شباط في
باكستان؛ الصدمة
الأهم ليس للأحزاب المعارضة، وإنما للعسكر الذين كانوا يراهنون على فوز أكبر لنواز
شريف الذي رعته المؤسسة
العسكرية منذ أيام ضياء الحق في عام 1977، يوم قدمه الأخير
كوزير لمالية حكومة البنجاب، على الرغم من فترات صدام ومواجهة مع الجنرال برفيز مشرف
خلال فترة انقلابه. ولكن الرهان الأخير على شريف لم يكن في محله على ما يبدو، بعد أن
تقدم
عمران خان الأحزاب الرئيسة في الفوز بعدد أكبر من مقاعد البرلمان.
هذا الظهور القوي لعمران خان رغم التهم التي أُدين بها،
والمسجون حاليا، شكلت صدمة حقيقية للعسكر قبل غيرهم من القوى السياسية، وهنا يتساءل
البعض عن سرّ هذه العودة القوية والسريعة لخان، فيعزوها البعض إلى موقفه الشرس والمتشدد
ضد العسكر، وتحديهم له، وهو ما يُعجب جيل الشباب وجيل "Z"،
حيث دخل أكثر من 22 مليون ناخب جديد في الانتخابات الأخيرة مقارنة بانتخابات 2018 الأخيرة،
التي جلبت خان إلى السلطة، قبل أن يُعزل منها في نيسان/ أبريل 2022. ومعلوم أن الشريحة
الأساسية التي يعتمد عليها الحزب في الانتخابات، هي شريحة الشباب.
هذا الظهور القوي لعمران خان رغم التهم التي أُدين بها، والمسجون حاليا، شكلت صدمة حقيقية للعسكر قبل غيرهم من القوى السياسية، وهنا يتساءل البعض عن سرّ هذه العودة القوية والسريعة لخان
أما البعض الآخر فيعزو عودة عمران خان القوية هذه إلى الواقع
الاقتصادي المتردي الذي ألمّ بباكستان بعد عزله، وتعرضها لتضخم غير مسبوق، بالإضافة
إلى ارتفاع كبير في الأسعار، مما أرهق المواطن العادي، فأثر على اختياراته الترشيحية.
التهديد الداخلي الذي يشكله خان على هاتين القوتين تعدّاه
إلى التهديد الخارجي؛ برسالة عمران خان إلى صندوق النقد الدولي المتوجه الآن لدعم الحكومة
الباكستانية بقرض يصل إلى 1.2 مليار دولار، وذلك لانتشالها من الأزمة الاقتصادية الخانقة
التي تمرّ بها.
كرة التفويض بشباك السياسيين
كرة التفويض الشعبي الذي ألقاها الناخب الباكستاني في شباك
الأحزاب السياسية اليوم رهن السياسيين، وما إذا كانوا سيُحسنون التعاطي مع الحدث السياسي،
فيتعاونون مع بعضهم، ويقطعوا الطريق على العسكر الذين لطالما تدخلوا في السياسة من
الشقوق والصدوع التي تظهر في جدار السياسة الباكستانية، وتجلياتها المتمثلة في الأحزاب.
وتستحضر شرائح شعبية باكستانية اليوم ما حدث في عام
2008، حين أجبرت الأحزاب السياسية الباكستانية برفيز مشرف على القبول بنتائج الانتخابات،
وشكل الحزبان الرئيسيان حزب الشعب وحزب الرابطة تحالفا أعلنا عنه في بلدة مري قرب إسلام
آباد، وهو ما مكّن حزب الشعب من تأسيس حكومة أكملت دورتها لأول مرة في تاريخ باكستان،
ولم يكن ذلك ممكنا دون تعامل حزب الرابطة الإسلامية بزعامة نواز شريف الإيجابي، وهو
ما يردّه اليوم حزب الشعب بتشكيل تحالف لتشكيل حكومة بدون عمران خان.
هذا التحالف الذي تشكل من حزب الرابطة الإسلامية وحزب الشعب
الباكستاني وأحزاب صغيرة أخرى؛ أفضى إلى تفويض شهباز شريف بتشكيل حكومة أدّت اليمين
الدستورية في الأول من آذار/ مارس المقبل.
العاصم الأول والأخير من تدخل العسكر في السياسة الباكستانية
هم الساسة أنفسهم، فإما أن يتفقوا على قواعد لعبة سياسية خاصة بهم، ويلتزموا بها، بحيث
تعصم البلاد من تدخل العسكر، وإما سيتحملون أي تدخل عسكري في الشأن السياسي الباكستاني،
العاصم الأول والأخير من تدخل العسكر في السياسة الباكستانية هم الساسة أنفسهم، فإما أن يتفقوا على قواعد لعبة سياسية خاصة بهم، ويلتزموا بها، بحيث تعصم البلاد من تدخل العسكر، وإما سيتحملون أي تدخل عسكري في الشأن السياسي الباكستاني
فالناخب الباكستاني اليوم سيُحملهم المسؤولية، لا سيما بعد تحدي عمران خان هذه المؤسسة،
وحينها سيُحمّل الناخب الباكستاني مسؤولية تدخل العسكر للسياسيين أنفسهم، الذين لم
يحافظوا على تفويضه الانتخابي، بعد أن عجزوا لعقود في الخروج بصيغة تعاون وتنسيق فيما
بينهم.
وهنا يطرح الكثيرون تساؤلا مشروعا: لماذا يفرّ قادة الأحزاب
السياسية خارج باكستان حال انتهاء فترات حكمهم، وهو ما تكرر مع قادة حزب الشعب، وحزب
الرابطة، وآخرها عودة نواز شريف من المنفى الاختياري في لندن، بخلاف الجنرالات والضباط
الذين يظلون في باكستان لا يغادرونها، وهو ما يرسخ قناعة الناخب الباكستاني أن سياسييه
رجال حكم وليس رجال سياسة ودولة، بحيث يبقون مع شعبهم، حتى ولو خرجوا أو أُخرجوا من
السلطة؟ ويستحضر الكثيرون هنا مثال إليكسي نافالني الروسي الذي فضل البقاء في بلاده
فمات فيها على مغادرتها.
وقد عكس استطلاع رأي مؤخرا ذلك، حين اعتبر المستجوبون مؤسسة
العسكر المؤسسة الأشد ثقة لديهم مقارنة بثماني مؤسسات طرحت خلال الاستطلاع، وكان من
بينها مؤسسات الأحزاب السياسية والقضاء ولجنة الانتخابات وغيرها.