الأمانة سلوك:
هي
تعبير سلوكي منبثق عن الشخصية أي العقلية والنفسية في الإنسان الأمين، وقد تكون
معبرة عن وسيلة لجذب الثقة، وهي مطلب النفعية والمصلحة، وإن كانت الأمانة لهذا
الغرض فلا يعني أنها سلبية بل هي تدل على تطور مدني وسيادة القانون في الدولة
الحديثة التي لا تأخذ
السلوك كقيم أخلاقية تعتمد على مدى رسوخ القيمة عند الفرد
وفهمه، وإنما تضعها وفق معايير النفعية في خلق نمط في المعاملات التي لا بد أن
تكون فيها الثقة سمة من سمات الاستقرار والمعاملات المريحة.. إن لم تك مخلصا في
عملك أمينا؛ فلا تغش في بضاعتك وإنما تخبر الزبون بنوعيتها وإن لم تك من
النوعية الجيدة، فإن الزبائن سيشعرون بأن التاجر هذا أو البائع غشهم وليس له
مصداقية فيبتعدون عنه وهذا يسبب خللا في النمط الحياتي.
نلاحظ
أن الأمانة هنا سلوك، ربما ضعف في مجتمعنا الذي لا تعمل به الدولة الحديثة مع ضعف
القيم وتشويه العقائد وتبديد الهوية نتيجة صراع الأطماع وتجهيل الناس لتمرير
مخططات من التخلف واحتقار الآدمية.
سطحية الفهم:
في
منظومة تنمية التخلف التي نعيش فيها ونشكل بيئتها ننظر إلى الأمور بسطحية، تعجبنا
كلمة ليبرالية، فنزعم أننا ليبراليون لكن الحقيقة أننا مستبدون نرفض الآخر وأن
الكلمة محض حاوية عليها عنوان لكنها فارغة، تحولت الأفكار التي نستوردها إلى عناوين
لا محتوى لها ولا فهم حتى لمعناها الحقيقي لكن نجد أغلب زاعميها نماذج تمثل
الهزيمة والجهل في مجتمع يتكبرون عليه للتيه وعنفوان الأنانية.
الليبرالية
والعلمانية وغيرها في الغرب ليست قيما أخلاقية وإنما آليات لإدارة الدولة الحديثة
والناس وفيها اجتهادات، لكن لا بد أن تكون النتيجة تطبيق القانون واتباع اللوائح
في العلاقات لتكون الحياة أو نمط الحياة المستقرة التي يعيشها الناس، فهم يعتنقون الليبرالية
ليس ليضحوا من أجلها ولا العلمانية، وإنما هم يدافعون عن نمط حياتهم لهذا ترى
تراجع الحريات عندما تكون قوانينها تحمي من يؤثر على نمط الحياة فيقيد ويهجر ويوصف
بأوصاف فيها خطورة وانطباع خوف كالإرهاب وغيرها، أو توجه لتسيس الدين (إضافة صبغة
دينية على دعواهم وما يبرر أفعالهم) كالإنجيليين الجدد، لكن هنالك ما هو خطر أيضا
ومختلف عليه مثل الليبرالية الحديثة التي تزيد من تفكك النظام وتضرب أهم ما فيه،
وهو سيادة القانون والاستقرار وتزيد التفكك الأسري الهش أصلا وتعظم من تفاهة
الحياة.
آليات بلا أطر:
وجدنا
جميلا أن نسلك أسلوب التجارة والتوصيل، والمطاعم مثلا قدمت نموذجا ناجحا نوعا ما
لكن ليس متكاملا، فهو يعمل ضمن سيطرته على الأمور ولا يعتني بتدريب نفسه وعماله
على نوع من الالتزام، ناهيك عن استغلال مجهولية المكان، في مخاطبة الحاجات غير العلمية،
كإرسال أدوية مزعومة لا تدري كم ضررها، أو أنك ترى صورة لنظارات ما مثلا، وعندما تأتيك
ويكون من أوصلها قد غادر تجد أنها ليست بذات المواصفات بل أمرا لا تستفيد منه،
فهذا النوع من الغش ليس من آليات تضبطه وغالبا الناس تسكت عنه، فلا حصلنا القيم
ولا حصلنا الدولة الحديثة.
عندما
تتعامل بيئة منظومة تنمية التخلف مع المدنية وهي لا وسائل قانونية أو تقنية أو إدارية
لها كما في الغرب الذي بناها عبر قرون وما زال يعاني نتيجة التقلبات، فإننا سنجد أن
التقنيات والوسائل المتطورة كالتواصل الاجتماعي أو المجتمعي عبارة عن لهو وبذاءة
ومشاحنات وتشهير ونقل القمع بدل الحرية في فضاء وهمي، وليس لما أنشئ له كحاجة عند
الغرب لتقليل أثر البعد وانشغال حياة الإنسان بالعمل لتحصيل رزقه، أو الاستفادة
منها لتطوير الأعمال الصغيرة والترويج.
الأمانة مغنم:
المتولي لأمر الناس يستلم أمانة
ولعل التراث يخبرنا كيف يهرب الورعون من تقلد الأمانة خوف ألّا يفوا بحقها، ونجد
في عصرنا الحالي مباركة لمن يوضع في هذا الاختبار وترشيحا للذات لها وصراعا عليها،
والغاية ليست الخدمة العامة غالبا وإلا لتقدمت الإنسانية وتطورت البشرية، واصطلح
حال الناس بالإنتاج والإعمار، تجد بدل هذا ترصدا لأخطاء ثم التشهير بها والمساومة
على السكوت عليها، وهنا نجد الخيانة المركبة للأمانة والتي يعتبرها البعض شطارة
بينما هي لا يقبلها حتى عصر الجاهلية.
الأمانة عند المدرس أكبرها،
والدروس الخصوصية لنفس طلابه إخلال بالأمانة، والطبيب، المهندس، الإداري في كل
مكان.. السعي للتطوير أمانة وترك المواطن في أذى للكرامة والوقت والحيرة خيانة للأمانة.
الأمانة في الكلمة والرأي والحكم
على الرأي الآخر وعلى العلم وتطويره، ووضع الكفاءات موضعها من أكبر الأمانات، لأن
إهمال الكفاءات أو تبديد جهدها بغير موضعها دمار ونخر في الدولة والمجتمع
والمستقبل للبلد وأجياله.
الأمانة في التصرف بما لك حق فيه
سواء كان سياسيا أو اقتصاديا، وكل قرار تتخذه وتؤثر به على المجتمع وأنت لا تحرص
على ضبطه، ليس من الأمانة إبعاد الصالح وتقديم الطالح، فهذا مدخل إلى فساد
المنظومات وإحباط الكفاءات، وظلم الناس خيانة للإنسانية والمسؤولية التي أعطت
الصلاحية.
الأمانة مع الذات:
لعل هذه من أهم مواطن السلوك
الأمين، فالنفس معرضة لحاجات وغرائز، وتحتاج إلى معرفة وغربلة للمعرفة، فالأمانة
بالسلوك مع الذات ألا نخادع الناس ولا أنفسنا وإنما نتحرى الصواب، وأن لا نبقي
النفس في طفولتها أو تائهة، فالمعلومة هي من ترتقي بعمر النفس والغربلة هي من تصوب
الطريق وتحددها فلا يتيه الإنسان.