نشرت صحيفة "فايننشال تايمز"، تقريرا للصحفي ميهول سريفاستافا، قال فيه إن رئيس وزراء
الاحتلال بنيامين
نتنياهو لجأ إلى اللوبي الإسرائيلي، ثاني أقوى قوة تدعم الدولة اليهودية في واشنطن، بعد أيام قليلة من خلافه العلني مع الرئيس الأمريكي جو
بايدن، الذي يعلن أنه صهيوني.
وأضاف التقرير الذي ترجمته "عربي21"، أنه "في خطاب قصير، ولكن لاذع، أمام لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية الأسبوع الماضي، رفض كل توبيخ وجهه الرئيس الأمريكي: أن الجيش الإسرائيلي قتل عددا كبيرا جدا من المدنيين في محاولته هزيمة حماس، وأن نتنياهو كان يؤذي إسرائيل من خلال عرقلة قيام دولة فلسطينية، وأنه ينبغي لرئيس الوزراء الإسرائيلي أن يسمح للسلطة الفلسطينية المعتدلة والعلمانية بإدارة
غزة".
وقال نتنياهو في خطابه: "لا يمكنك القول إنك تدعم حق إسرائيل في الوجود والدفاع عن نفسها ثم تعارض إسرائيل عندما تمارس هذا الحق"، في إشارة إلى مطالب بايدن المتكررة بتأجيل الاجتياح البري المخطط له ضد مدينة رفح، على الطرف الجنوبي من قطاع غزة.
وأضاف: "لا يمكنك القول إنك تدعم هدف إسرائيل المتمثل في تدمير حماس ثم تعارض إسرائيل عندما تتخذ الإجراءات اللازمة".
وذكر التقرير أنه "ربما لا يوجد بين زعماء العالم تلميذ أعظم للقوة الأمريكية من نتنياهو نفسه. لقد نجح في استمالة أربعة رؤساء أمريكيين والصراع معهم، وحول الحزب الجمهوري - والمسيحيين الإنجيليين الذين يشكلون قاعدته - إلى أصدقاء في جميع الأحوال، وحصد فوائد التحالف العسكري والدبلوماسي الدائم الذي لا تتمتع به أي دولة أخرى".
ولفت إلى أنه "منذ الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، فقد ساهمت عمليات النقل الجوي الطارئة للأسلحة الأمريكية في دعم الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة، في حين عمل الدبلوماسيون الأمريكيون على حمايتها من الانتقاد في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ودافع المحامون الأمريكيون لصالحها في محكمة العدل الدولية".
وأشار إلى أنه "بالإضافة إلى الـ 3.4 مليار دولار التي تمنحها الولايات المتحدة لإسرائيل سنويا، والتي عادة ما تمثل ربع ميزانيتها العسكرية السنوية، فإن هناك 15 مليار دولار أخرى تنتظر موافقة الكونغرس. بالنسبة لبايدن، فهو نسيج من تحالف دائم وفريد، ليس فقط خلال هذه الحرب، ولكن خلال العقود الخمسة من حياته السياسية، بدءا بما وصفه بأنه الاجتماع الأكثر أهمية في حياته مع رئيسة وزراء إسرائيل آنذاك غولدا مئير عام 1973".
و"لكن الآن، في الوقت الذي تحتاج فيه إسرائيل إلى الدعم الأمريكي أكثر من أي وقت مضى - مع تصميم إسرائيل على دفع حربها في غزة إلى رفح، والتصعيد اليومي المتبادل الذي يجعلها على شفا صراع شامل مع قوات حزب الله اللبناني المتمركزة - فقد اختار نتنياهو استعداء البيت الأبيض، ما قد يعرض تلك المساعدات للخطر"، وفقا للتقرير.
وذكر معد التقرير أن بايدن، الذي لم يتحدث مع نتنياهو منذ منتصف شباط / فبراير الماضي، ظهر في الأسبوع الماضي عبر ميكروفون مباشر وهو يقول إن الوقت قد حان للحظة "تعال إلى يسوع" مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، ثم قال لقناة "إم إس إن بي سي" إن نتنياهو "يؤذي إسرائيل". وكان زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، أبرز سياسي يهودي في أمريكا، أكثر صراحة حين قال إن "إسرائيل بحاجة إلى انتخابات لاستبدال الزعيم الذي أضعف نسيجها السياسي والأخلاقي".
وفي خلافه مع بايدن، يرى التقرير أن "نتنياهو راهن على أن مستويات النفوذ الأخرى التي اكتسبها على مدى عقود - من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكيين الودودين، إلى اللوبي القوي المؤيد لإسرائيل والدور المحوري الجيوسياسي لإسرائيل في المنطقة - ستحافظ على قدرته على شن الحرب وتبقيه في منصبه. إنها مقامرة قام بها من قبل، ولكن لم تكن بهذه المخاطر العالية أبدا".
ولفت إلى تصريح إيهود أولمرت، سلف نتنياهو كرئيس لوزراء الاحتلال، حين قال إن "نتنياهو يلعب لعبة محفوفة بالمخاطر قد تكلف إسرائيل الكثير. فإذا قرر بايدن معاقبة نتنياهو، فسينتهي الأمر بإيذاء إسرائيل أيضا".
وذكر التقرير أن "زعماء إسرائيليين آخرين اشتبكوا مع البيت الأبيض من قبل: فقد اتهم رونالد ريغان مناحيم بيغن بارتكاب "محرقة" بعد أن قصفت إسرائيل بيروت في آب/ أغسطس 1982؛ واضطر جورج بوش الأب إلى حجب ضمانات قروض بقيمة 10 مليارات دولار لإجبار إسحاق شامير على تأخير بناء المستوطنات والانخراط في محادثات السلام مع الفلسطينيين عام 1991".
واستدرك قائلا: "لكن لم يفعل أحد ذلك بوقاحة مثل نتنياهو، الذي تعشقه قاعدته اليمينية عندما يبقي البيت الأبيض قريبا منه، وتعشقه عندما يتحداه، ويصور نفسه باعتباره الإسرائيلي الوحيد الذي يستطيع أن يقول لا لأمريكا".
ونقل التقرير عن مارتن إنديك، سفير الولايات المتحدة السابق لدى الاحتلال ومبعوث السلام لباراك أوباما، قوله: "يمثل الخلاف بشأن الضحايا المدنيين مشكلة خطيرة بالنسبة للعلاقات الأمريكية الإسرائيلية وقدرة نتنياهو على مواصلة حربه حتى تحقيق النصر الكامل. لو كان نتنياهو قلقا بشأن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل لما سمح للأمور بالتدهور إلى هذه النقطة".
وأضاف إنديك أن الدافع الأساسي لنتنياهو هو إبقاء شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف راضين، موضحا أن "أفضل طريقة للقيام بذلك هي مواجهة بايدن بدلا من استيعابه… والآن نجلس ونشاهد اصطدام القطار".
وقال التقرير إنه "انقطاع سريع في العلاقات، خاصة بعد أن أصبح بايدن أول زعيم أمريكي يزور إسرائيل خلال فترة الحرب، حيث عانق نتنياهو في مطار بن غوريون في منتصف تشرين الأول/ أكتوبر، بعد هجوم حماس المميت الذي أسفر عن مقتل 1200 شخص في إسرائيل. واحتجاز حوالي 240 رهينة".
وقال بايدن خلال رحلته: "يجب تحقيق العدالة. لكنني أحذرك، بينما تشعر بهذا الغضب، أن يسيطر عليك".
ومنذ ذلك الحين، أشرف نتنياهو على حرب في غزة أودت بحياة أكثر من 31 ألف شخص، وفقا لمسؤولين فلسطينيين، وقاوم الدعوات لوقف إطلاق نار ممتد يمكن أن يساعد الولايات المتحدة وقطر في التوسط في جولة ثانية من تبادل الرهائن.
ولفت معد التقرير إلى أن "انفصال نتنياهو عن بايدن جاء في نفس الأسبوع الذي أصدر فيه مجتمع الاستخبارات الأمريكي تقييما سنويا يتحدى ركائز استراتيجيته السياسية الحالية. ووجدت أن إيران ليس لها دور أو علم بهجوم حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وأن هزيمة حماس بشكل كامل قد تستغرق سنوات، وأن قبضة نتنياهو على السلطة قد تكون ضعيفة".
وقال مايكل أورين، سفير دولة الاحتلال لدى الولايات المتحدة خلال إدارة أوباما، ونائب وزير في حكومة سابقة، إن "هذه واحدة من أكبر الأزمات في العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل".
وأضاف أورين أنه "على الرغم من أن بايدن استبعد قطع صواريخ القبة الحديدية الاعتراضية التي تحمي المدن الإسرائيلية من صواريخ حماس وحزب الله، فإنه ليس من الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة عازمة بنفس القدر على مواصلة توريد الأسلحة الهجومية الأكبر التي استخدمتها إسرائيل على نطاق واسع في غزة".
ونوه معد التقرير إلى أن استخدام تلك القنابل التي زودتها بها الولايات المتحدة والتي يبلغ وزنها 2000 رطل، وهي الأكبر في ترسانتها التقليدية، في الأحياء الفلسطينية المكتظة بالسكان قد أثار استهجانا دوليا.
وأشار أورين إلى أن "الولايات المتحدة ربما تكون قد غيرت مزيج الذخائر التي ترسلها". وقال: "لقد تغيرت المساعدات بالفعل من حيث الجوهر، وليس الكمية. شعوري هو أن القنابل الدقيقة مستمرة في الوصول، لأن هذا في مصلحة بايدن - هناك أضرار جانبية أقل بكثير".
ونفى شخص مطلع على قرار نتنياهو بمواجهة مطالب بايدن، بدلا من الاستجابة لها، أن يكون رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي يتفاعل مع التقويم السياسي الأمريكي، حيث يفوق الدعم الجمهوري بكثير دعم الحزب الديمقراطي لنتنياهو.
ووفقا للتقرير، فإن ذلك الشخص قال إن "الشعب الأمريكي يدعم بشكل كامل حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. الجمهور الإسرائيلي يدعم بشكل كامل سياسات رئيس الوزراء. لا يوجد أي تناقض هنا".
وأضاف هذا الشخص أن دعم نتنياهو في المؤسسة السياسية الأمريكية أعمق من البيت الأبيض، "لأنه في عهد نتنياهو، جعلت إسرائيل العالم أكثر أمانا" لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة، "هذه حقيقة تاريخية". وبعد انتقادات لاذعة من شومر يوم الخميس، دعا حزب الليكود بزعامة نتنياهو يوم الخميس إلى "الاحترام" قائلا: "إسرائيل ليست جمهورية موز، بل ديمقراطية مستقلة وفخورة".
وقال التقرير إنه "من المؤكد أن تاريخ نتنياهو مع القوة الأمريكية طويل، إذا تم تحديده من خلال سعيه إلى السلطة. لهجته الأمريكية - التي صقلها عندما كان طالبا، ثم مستشارا، في بوسطن، عندما كان اسمه بن نيتاي - جعلت منه دعامة أساسية في التلفزيون الأمريكي، وخاصة على شبكة سي إن إن خلال حرب الخليج الأولى".
لقد حولت صداقته وسحره السياسي السهل السياسيين الأمريكيين إلى أصدقاء مدى الحياة، يطلقون حتى الآن على رئيس الوزراء الإسرائيلي الأطول خدمة لقب طفولته "بيبي".
وأضاف التقرير أنه "طور علاقات أثمرت بعد عقود – في التسعينيات، أعار جاريد كوشنر، وهو مراهق، نتنياهو، وهو صديق للعائلة، سريره في نيوجيرسي. بصفته مستشارا لدونالد ترامب، قام كوشنر، صهر الرئيس السابق، في وقت لاحق بصياغة خطة سلام أمريكية من شأنها تسليم معظم الضفة الغربية المحتلة إلى إسرائيل".
وأشار إلى أن "نتنياهو كان فخورا أيضا بالتضحية بهذه العلاقات عندما تعرضت مبادئه – أو سياساته – للتهديد". وقال أولمرت: "لم يقم أحد في التاريخ بإهانة المكتب البيضاوي بالطريقة التي فعل بها نتنياهو"، في إشارة إلى الفترة التي انفصل فيها عن أوباما بشأن المحادثات النووية مع إيران في عام 2015. وفي ظل رفض البيت الأبيض، ألقى نتنياهو ببساطة خطابا مباشرا في جلسة مشتركة من الكونغرس.
في ذلك الوقت، دفع نتنياهو ثمنا سياسيا ضئيلا - كان أوباما في طريقه للخروج، وبخلاف حجب حق النقض الأمريكي في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في كانون الأول/ ديسمبر 2016 الذي يدين المستوطنات الإسرائيلية، واصل تنفيذ الاتفاق النووي رغم اعتراضات نتنياهو المسرحية، وفقا للتقرير.
وفي وقت لاحق، قام دونالد ترامب بتمزيق تلك الصفقة، بعد أن استغل نتنياهو كراهية الرئيس تجاه أي تشريع من عهد أوباما بتقديم وثائق سرية قام الموساد بإخراجها من طهران تشير إلى أن إيران سعت للحصول على سلاح نووي في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
اعتذر وزير الخارجية جون كيري لنتنياهو بعد أن وصف مسؤول أمريكي لم يذكر اسمه رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بأنه قصير النظر ومغرور. لكن الخلاف حول الاتفاق النووي الإيراني عزز قرار نتنياهو بالاعتماد على الجمهوريين، بدلا من المؤسسة السياسية الأمريكية بأكملها، للحصول على دعم لا يتزعزع.
وقال إنديك: "[الديمقراطيون] لم ينسوا ذلك أبدا. لقد نجح بيبي في تدمير طبيعة الدعم الحزبي لإسرائيل – وهو تقليد طويل الأمد وضعه في خطر عمدا، معتقدا أن الإنجيليين أكثر موثوقية من اليهود [الأمريكيين] التقدميين"، وفقا للتقرير.
ولفت التقرير إلى أنه في الوقت الراهن، يوجد العديد من الديمقراطيين الذين أساء إليهم نتنياهو في إدارة بايدن، ولا يمكن الاعتماد على كرم ترامب، إذا فاز في الانتخابات الأمريكية. وقال ترامب لمراسل إسرائيلي في عام 2021: "اللعنة عليه"، متذمرا من أن نتنياهو هنأ بايدن على فوزه.
وقال أورين: "إن الانتخابات لا تزال بعيدة، والتنصيب بعد عام. ليس الأمر كما لو أن هناك إدارة جديدة غدا – في الوقت الحالي، سيتعين عليك التعامل مع بايدن".