نشرت مجلة "
ناشونال انترست" مقالا لألكسندر
لانغولويس، قال فيه إن حالة عدم الاستقرار في
سوريا تنتشر في ظل حرب
غزة. وقال
إن
النزاعات في غرب آسيا تتوسع وسط تركيز الانتباه الدولي على غزة والمناطق
الفلسطينية المحتلة.
ولعل أهم ضحية غير معترف بها للحرب المستمرة في غزة
هي قدرة العالم على تخفيف ومعالجة النزاعات الأخرى. وتقدم سوريا حالة للدراسة، وتوضح هذه الدينامية، وتثبت أن الحروب "المجمدة" أو السماح بها قد تتفاقم
وبآثار كارثية محتملة، وبخاصة عندما يستخدم لاعبون خبثاء عدم الاستقرار لتعزيز
مصالحهم.
وقد عبر الكثير من الخبراء والمسؤولين عن قلقهم من
توسع الحرب في غزة. وحددوا عددا من المخاطر الحقيقية المبررة وبخاصة عند مراقبة
صعود جوهري في حوادث العنف بسوريا ومنذ هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وبالتأكيد فقد اتخذ المشاركون في الحرب السورية التي
مضى عليها 13 عاما خطوات لتعزيز مصالحهم في سوريا وبظل الحرب الإبادية الواضحة
التي تقوم بها "إسرائيل" في غزة والاحتلال المستمر للأراضي الفلسطينية.
وزادت تركيا من هجماتها ضد قوات سوريا الديمقراطية
والإدارة المستقلة في شمال- شرق سوريا. ويهدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
بعملية في شمال-شرق سوريا مهما كانت "التهديدات" التي منعت عمليات
سابقة، في إشارة لروسيا والولايات المتحدة التي منعت عمليات أخرى في شمال- غرب
وشمال- شرق سوريا.
وتعمل إيران بجد من أجل توسيع مصالحها في سوريا، ومنذ
7 تشرين الأول/أكتوبر قامت مع ما يطلق عليه محور المقاومة بتوسع جوهري في معظم
أنحاء البلاد. واستخدمت المصادر المحلية، ما يعطي فكرة أن إيران وسعت من منشآتها
العسكرية في البلاد ومن خلال الحرس الثوري الإسلامي.
وبالتوازي مع الجهود الإيرانية، هاجمت الميليشيات
الداعمة لإيران المنشآت الأمريكية في العراق وسوريا والأردن حوالي 180 مرة وفي علامة تضامن مع فلسطين. وتواصل الولايات
المتحدة الرد على هذه الهجمات وضد نفس الجماعات في سوريا.
والأمثلة كثيرة، فقد زاد الأردن من غاراته ضد خلايا
تهريب الكبتاغون في جنوب سوريا وسط زيادة تهريب المادة التي يحظى توزيعها وتهريبها
بدعم من النظام السوري وإيران والميليشيات المسلحة.
وهناك "إسرائيل" التي تضرب بشكل منتظم
مواقع لمحور المقاومة في أنحاء سوريا، بما في ذلك منشآت مدنية مثل مطاري حلب
ودمشق، وبذريعة أن الحرس الثوري يستخدمهما لنقل الأسلحة.
وتواصل قوات النظام هجماتها ضد المعارضة في شمال- غرب
سوريا. ويفهم كل لاعب واقع سوريا ضمن السياق الجيوسياسي الأوسع، مع أن كل واحد
منهم يرفض توسع الحرب في غزة.
ويزعم البعض، وبخاصة إيران أن الهجمات هي للتضامن مع
فلسطين، حيث تستخدم الجماعات الموالية لها لاستهداف القوات الأمريكية، بدون أن
تدفع هي الثمن. وتعمل هذه الهجمات على تعزيز شعبية محور المقاومة في الشرق الأوسط،
كما ظهر من عمليات الحوثيين في اليمن ضد الملاحة التجارية.
ويرفض الكثير من صناع السياسة في الغرب والمحللين ربط
هذه الحوادث بحرب غزة. ومع ذلك فإن المنطق الحقيقي وراء هذه الهجمات لا معنى له
مقارنة مع ما تسعى الجماعات هذه لتحقيقه عبر أقوالها وأفعالها.
وفي حالة إيران، فالتضامن مع فلسطين هو وسيلة لتقويض
منافسيها في غرب آسيا وتحديدا الولايات المتحدة، على أمل انسحابها من المنطقة.
وتظل سوريا في جوهر السياسة الجيوسياسية، لكن تم التقليل من أهميتها على حساب
قضايا أخرى. فرغم مقتل أكثر من نصف مليون شخص في الحرب، إلا أن خفض التوتر في
السنوات الماضية وتجمد الصراع حرف انتباه العالم لنزاعات أخرى مثل اليمن وأوكرانيا
والآن غزة.
وأصبحت الإستراتيجية التي يتبناها صناع السياسة هي
"تجميد" النزاع. وبسبب تزايد النزاعات حول العالم، ومعها عدم الاستقرار
فقد مال القادة نحو حل وحيد يفشل في تحقيق السلام أو خفض التصعيد. وبهذه المثابة
أصبحت إدارة النزاع هي عنوان المحاولات بدلا من تحديد أسباب عدم الاستقرار في غرب
آسيا.
ونشأ هذا الواقع ليس بسبب غياب البدائل، ولكن غياب
الشجاعة من القادة الذين سمحوا ببقاء الوضع القائم في سوريا وبناء على أهداف
غامضة. والوجود العسكري الأمريكي في شمال- شرق سوريا مثال واضح، فلا أحد يعرف
لماذا تبقى القوات الأمريكية هناك بعد هزيمة مقاتلي تنظيم الدولة. وتزعم واشنطن
التي لا تملك استراتيجية حقيقية في سوريا وتزعم أن قواتها ضرورية لمنع عودة تنظيم
الدولة، مع أن انتشار القوات هناك مرتبط بمرحلة ما بعد أحداث 9/11 والحروب
الدائمة- أي الحد من التأثير الإيراني وكسر الهلال الشيعي الممتد من إيران إلى
لبنان.
ومن هنا أصبحت سوريا اليوم ساحة حرب لا تنتهي يقوم كل
لاعب فيها بتوسيع مصالحه الإقليمية عبر وسائل تصعيد عسكري وعلى حساب الحل الدائم،
ما يطيل أمد الحرب وسط موضوعات إقليمية ودولية جديدة، بشكل يقيد قدرة أصحاب
المصلحة في الحرب على معالجة نزاع واحد.
وتتزايد مشكلة عدم الاستقرار في سوريا بسبب القرارات
الانتهازية لكل لاعب، ما يعني غياب منظور السلام في البلد ومناطق أخرى، بشكل
يوسع من المعاناة الإنسانية. وفي مرحلة ما
يجب على القادة اتخاذ قرارات صعبة لتخفيف، ومنع انزلاق النزاعات وتوسعها بالمنطقة
وحول العالم.