لا تزال
أسباب
الحريق على الذي التهم أحد أشهر وأقدم مواقع التصوير في
مصر "ستوديو الأهرام"
تثير الجدل، بعد أن حول سجل حافل من التراث السينمائي إلى أثر بعد عين، دون أن تتمكن
قوات الحماية المدنية من السيطرة على النيران إلا بعد فوات الأوان.
في هذا
الصدد، قررت النيابة العامة تشكيل ثلاث لجان متخصصة؛ للوقوف على ملابسات الحريق، الذي
وقع في منطقة العمرانية بالهرم في مدينة الجيزة، ولبيان أسبابه، وتحديد الأضرار والخسائر
الناتجة عن الحريق، بما فيها النخيل والأشجار بموقع الحادثة.
تفتقر
غالبية المواقع والمناطق في مصر للاشتراطات الخاصة بالوقاية من مخاطر الحريق قبل نشوبه
وخضوعها للصيانة الدورية، ووفقا للمعاينة الأولية، فقد تسبب ماس كهربائي ناجم عن عيوب
في أسلاك التيار الكهربائي في الأستوديو في وقوع الحريق.
وهذا
هو الحريق الثالث خلال شهر بمواقع تصوير الأعمال
الفنية، حيث شب حريق مساء الاثنين في موقع تصوير مسلسل "جودر" بمدينة الإنتاج
الإعلامي، بعد حريق سابق بموقع تصوير "الكبير أوي"، الذي يعرض حاليا هذا الموسم
الدرامي.
أرشيف
فني عمره 80 عاما
لكن
يظل حريق ستوديو الأهرام هو الحدث الأهم والأكثر جدلا في الشارع الفني، لما له من تاريخ
فني يمتد منذ تأسيسه عام 1944 على يد اليونانيين "أفابخلوس أفراموسيس" و"باريس
بلفيس" على مساحة قدرها 27 ألف متر مربع، ويضم 3 مواقع تصوير وصالة عرض وصالة
دوبلاج، إلى جانب معمل متخصص في التحميض والطبع.
احتضنت
"بلاتوهات "ستوديو الأهرام تصوير 500 عمل سينمائي ودرامي لأشهر فناني مصر
في مختلف الحقب الفنية، خاصة الحقبة الذهبية، وتنوعت بين الأعمال السينمائية مثل فيلم "ابن حميدو"، و"حياة أو موت"، و"الهاربة"، وأفلام الفنان
إسماعيل ياسين "إسماعيل ياسين للبيع" و"العتبة الخضراء"، وأفلام
"القاهرة 30″ و"حكاية 3 بنات".
ذاكرة
السينما المصرية
تحتفظ
ذاكرة السينما بالعديد من الأعمال الفنية الشهيرة في تاريخ الفن العربي التي تم تصويرها
في ستوديو الأهرام، وكان من أوائل الأعمال التي تم تصويرها أفلام "عنتر ولبلب"
بطولة محمود شكوكو، وعبدالوارث عسر، وحورية حسن.
كما
مر على الأستوديو مشاهير من المخرجين الكبار مثل يوسف شاهين بأفلام "بابا أمين"
و"صراع في الميناء" و"باب الحديد" و"ابن النيل".
ومن
الدراما التلفزيونية، كان مسلسل "أرابيسك"، و"حضرة المتهم أبي"،
و"الملك فاروق"، و"حديث الصباح والمساء"، و"السيرة الهلالية".
"جريمة
في حق الفن"
وصف
الناقد الفني الشهير طارق الشناوي حريق ستوديو الأهرام "بالكارثة"، وقال:
"مجرد أن يشب حريق في موقع شهير ذي تاريخ فني مثل ستوديو الأهرام ومحاط بمجمعات
سكنية ومكان عريق، ولا تتحرك الأجهزة إلا بعد بضع ساعات، هنا يجب أن نتوقف ونسأل عن سبب
هذا الإهمال والتراخي".
وأكد
في حديثه لـ"عربي21": "هناك بلا شك أخطاء في التأمين، كان يجب أن تكون
هناك معدات للحماية؛ لأن المواد معظمها قابلة للاشتعال، لأنها من الخشب والقماش، بالإضافة
إلى المواد الموجودة في المعامل، يجب عمل تحقيق سريع وشفاف ومحاسبة المقصرين، كيف لم
يستيقظ المسؤولون في الوقت المناسب حتى حدوث هذه الكارثة التي امتدت إلى البنايات السكنية
المجاورة؟".
واعتبر
أن "حريق ستوديو الأهرام لا ينفي أنه جريمة في حق الفن، حتى لو افترضنا أن المعامل
والأرشيف التي تحتوي على الأفلام لم تصلها النيران، يجب أن تكون هناك رقمنة للأشرطة
في مكان آمن لأنها تاريخ مصر السينمائي. الجزء الثاني، إذا كان هناك تقاعس، وهو تقاعس
مؤكد من الأجهزة المعنية بتأمين المنطقة وسرعة الاستجابة يجب المحاسبة العلنية لهم".
وبشأن
أهمية موقع الأستوديو ومكانته الفنية، أكد الشناوي أن "ستوديو الأهرام هو ثاني
موقع، ولم يسبقه سوى ستوديو مصر، وشهد نحو مئات الأعمال الفنية، وتنوعت بين أفلام ومسلسلات،
ويؤرخ بلا شك لحقبة مهمة من تاريخ الفن في مصر، وينبغي إعادة النظر في تأمين مثل تلك
الأماكن وعدم تركها للإهمال".
"فشل
منظومة الحفاظ على التراث الفني"
من جانبه،
يقول المخرج التلفزيوني، مدير عام التسجيلات الخارجية بقناة النيل للدراما سابقا،
علي أبو هميلة، إن "ستوديو الأهرام هو واحد من أقدم الأستوديوهات في مصر ومنطقة
الشرق الأوسط، والفشل في السيطرة على الحريق يعكس الفشل الإداري في تأمين مثل تلك الأماكن
وانصراف الاهتمام نحو المناطق الجديدة، وترك الأماكن والمناطق القديمة مهملة بإمكانيات
محدودة وضعيفة، وهذا واضح في عدم القدرة على السيطرة على الحريق".
ورأى
في تصريحات لـ"عربي21": "هناك شبه جنائية في تدمير الموقع عن بكرة أبيه،
لا يمكن تصور أن يحدث هذا الدمار الهائل دون القدرة على حماية الموقع الشهير، والذي
يقع داخل منطقة سكنية مزدحمة، هناك سر في المسألة".
واعتبر
أبو هميلة أن احتراق الأستوديو "هو خسارة كبيرة للفن المصري ومشواره الطويل، ولا
يمكن ترك الثقافة المصرية، سواء في الفن أو السينما، لعوامل الإهمال والضياع وسوء الإدارة، والانتهاء بالقضاء عليها ومحوها من الذاكرة".