أثار توقيع
تركيا والصومال، اتفاقا في مجال
التعاون الدفاعي مدة عقد كامل، يسمح للجيش التركي بحماية السواحل البحرية للصومال،
ويمنح أنقرة حق استغلال 30 بالمئة من ثروات الساحل
الصومالي الأطول في القارة
الأفريقية؛ التساؤلات حول مدى توافقه مع
المصالح المصرية وأمنها الحيوي.
وزير الدفاع التركي، يشار غولر، ونظيره
الصومالي، عبد القادر محمد نور، وقعا بالعاصمة التركية أنقرة، اتفاقية للتعاون
الدفاعي والاقتصادي، بموجبها يتوجب على أنقرة حماية سواحل الصومال وتأمينها.
وتتضمن الاتفاقية مكافحة جرائم القرصنة، ومنع
التدخلات الأجنبية، والصيد غير القانوني، وتهريب السلاح، وتدريب وبناء القوات
البحرية الصومالية وإمدادها بالمعدات؛ مقابل حصد تركيا 30 بالمئة من ثروات المنطقة
الاقتصادية بالساحل الصومالي.
الحكومة الصومالية على لسان وزير إعلامها داود
أويس جامع، رأت بالاتفاق حماية لسيادتها، فيما اعتبر رئيس الوزراء حمزة عبدي بري،
أنها "تنهي مخاوف الصومال من الإرهاب، والقراصنة، ومنع التهديدات والانتهاكات
الخارجية".
الاختيار الصومالي
الاختيار الصومالي لأنقرة لتكون حارسة على
سواحلها مدة عقد، يأتي خاصة أن أنقرة عضو قوي بحلف شمال الأطلسي (الناتو)، ويأتي
جيشها بالمرتبة الأولى بالشرق الأوسط، والـ 11 عالميا بين أقوى جيوش العالم 2023.
ورغم أن رئيس الصومال، حسن شيخ محمود، أكد أن
"الاتفاقية لا تستهدف أي طرف ثالث"؛ لكن، وكالة "أسوشيتد برس"
الأمريكية، قالت؛ إن الاتفاق يهدف إلى ردع جهود إثيوبيا للوصول إلى البحر عبر أرض
الصومال الانفصالية".
وذلك في إشارة إلى مذكرة تفاهم وقعتها إثيوبيا
مع "أرض الصومال" –غير المعترف بها دوليا- مطلع كانون الثاني/ يناير،
يمنح أديس أبابا عاصمة الدولة الحبيسة ميناءا بحريا ومنفذا على البحر الأحمر،
الأمر الذي رفضته مقديشو.
ولأن مصر هي الأخرى رفضت الاتفاق الإثيوبي، فقد
زار شيخ محمود، القاهرة والتقى رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، 20 كانون الثاني/
يناير الماضي، وسط تصريحات ودية، فيما أعلن السيسي، أن مصر لن تسمح بأي تهديد
للصومال، ما يثير التساؤل حول لجوء مقديشو لأنقرة وعقد اتفاق الحماية ذلك، بدلا من
القاهرة.
ورغم أن الحكومة المصرية التي استعادت مؤخرا
علاقاتها مع تركيا والتقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، السيسي، بالقاهرة 14
كانون الثاني/ يناير الماضي، لم تبد أي تعليق على الاتفاق التركي الصومالي، لكنه
من حيث الشكل ووفق وكالة "أسوشيتد برس"، يبدو متوافقا مع التوجهات
المصرية بمنع وصول إثيوبيا للبحر الأحمر عبر أرض الصومال.
ثلاثة خبراء ومحللون مصريون وأتراك تحدثوا إلى
"
عربي21"، عن التأثير السياسي والاستراتيجي للاتفاق التركي الصومالي على
الأقليم، ومدى توافقه مع المصالح المصري،ة خاصة مع فتح صفحة جديدة في العلاقات، أو
تعارضه مع مقتضيات الأمن القومي المصري والمجال الحيوي للقاهرة في جنوب البحر
الأحمر وباب المندب.
وقال رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان
المصري سابقا، السياسي المصري، رضا فهمي: "كان الأولى أن يكون التحرك التركي
بحكم الجغرافيا والتاريخ للدولة المصرية، وكان عليها أن تؤدي هذا الدور"،
متسائلا: "ما الذي دفع الصومال لتذهب بعيدا باتجاه تركيا لتعقد معها اتفاقية
دفاعية من هذا النوع".
فعالية الدور المصري
ويرى فهمي، أن "هذا يجيب على سؤال مهم جدا
مرتبط بفعالية الدور المصري بالمنطقة، وكيف كانت؟ وكيف أصبحت؟"، مشيرا إلى أن
"مصر لوقت قريب وبرغم وجود أنظمة معروفة بالاستبداد، لكن دائما كان بعد الأمن
القومي لديها حاضرا ولو بشكل جزئي".
وأضاف: "لدرجة أن دولة عظمى بحجم أمريكا
كانت تحتاج دعم القاهرة لتمرير قرار غزو العراق (1990)، وإشراك الجيوش العربية
بالمعركة ومنها جيش مصر"، مبينا أنه "حتى وقت قريب كان الرهان على دورها
بالإقليم".
وتابع: "ازداد الرهان بعد ثورة كانون الثاني/يناير 2011،
وكان جليا واضحا بحرب إسرائيل على غزة عام 2012، التي أوقفها الرئيس الراحل محمد
مرسي، فكانت أقصر حرب من حيث المدى الزمني بين المقاومة والاحتلال".
ويعتقد السياسي المصري، أن "هذا يكشف أن
رهن الدول والأنظمة قرارها للخارج كلية، تصبح عاجزة عن حماية أمنها القومي والمجال
الحيوي الأوسع من حدود الأمن القومي؛ فكان طبيعيا ومنطقيا أن تفكر دولة مثل
الصومال في دولة مركزية مثل تركيا، أو كانت مركزية سابقا كمصر".
ويرى أن "هذا يؤشر بوضوح شديد للمنحدر
الرهيب والحالة الميؤوس منها حول الدور المصري بالإقليم، الذي أصبح يقتات على
معونات الآخرين ودعم وكسب رضاهم، مثل الكيان المحتل، ليبقى على قيد الحياة".
وعن الدور التركي في هذا الاتفاق، قال السياسي
المصري؛ إن "الدول تبحث عن مصالحها"، ولكن السؤال: هل هذا يعزز الأمن
القومي المصري، أم يهدد الأمن القومي المصري؟ أم يصبح يوما ما خميرة للعكننة أو
يسبب توترا في العلاقة بين مصر وتركيا؟"، مبينا أن "هذا يخضع للتجربة
والممارسة ولا يمكن الحكم عليه الآن".
وأضاف: "لا شك أن التقارب التركي المصري
مؤخرا، الذي تم تتويجه بزيارة الرئيس التركي، للقاهرة ولقاء السيسي، 14 شباط/
فبراير الجاري، ربما كان أحد أهم أسبابه هذه الخطوة الجريئة والمهمة من جانب تركيا
لعقد اتفاقية من هذا النوع، وبمنطقة شديدة الحساسية شديدة الخطورة".
وأوضح أنه "من السابق لأوانه القول بأن هذا
الاتفاق يمكن أن يوظف في المستقبل من القوى المناهضة للوجود التركي أو التوسع
التركي بالمنطقة بشكل أو بآخر، فيمكن أن تستخدم تلك القوى الحضور التركي لتوتير
العلاقات مع مصر أو دول بالإقليم مستقبلا، وسيتضح الأمر لاحقا".
التمدد الإثيوبي
وقال فهمي: "ظني أن تركيا أدت أدوارا مهمة
ببعض الملفات، وكانت حريصة على ألا تدخل بصراعات الإقليم"، ملمحا إلى أن
"الوجود التركي في ليبيا، حاول الحفاظ على مصالحه دون أن ينجر وينزلق إلى
صراع بدت بواده بين تركيا ومصر، وهي أيضا المعادلة التركية بسوريا والعراق".
وحول دور الاتفاق التركي الصومالي في منع التمدد
الإثيوبي باتجاه البحر الأحمر، أكد وجود "مصلحة مصرية هنا"، مبينا
أنه "يجب على الدولة المصرية أن تقرأه هكذا؛ فأحيانا لا يحكم المنطق، فمثلا
هناك مصلحة مصرية بوجود مقاومة فلسطينية، كونها الدرع الواقي لحدود مصر وأول من
يواجه الاحتلال".
وختم بالقول: "الاتفاق من السابق الحكم
عليه، ولكن السلوك التركي من يحدد علاقة باقي الأطرف به، وسيحدد ما إذا كان
الاتفاق مادة للتعاون المشترك بالإقليم، أو فيه صداع للدولة التركية وبعض دول
الإقليم".
من جانبه، قال الباحث والأكاديمي المصري الدكتور
محمد الزواوي: "يبدو أن الاتفاق جاء بموافقة مصرية ضمنية على الأقل،
باعتبار أنه جاء بعد إلغاء الرئيس الصومالي لمرسوم صومالي لاند الانفصالية مع
إثيوبيا في كانون الثاني/ يناير الماضي".
المحاضر في معهد الشرق بجامعة سكاريا التركية،
أضاف لـ"
عربي21": "ثم جاء اتفاق وزيري دفاع تركيا والصومال بأنقرة
بشأن التعاون العسكري 8 شباط/ فبراير الجاري، ثم زيارة الرئيس التركي للقاهرة 14
من الشهر الجاري".
وتابع: "ومن ثم فكل تلك الخطوات كان تحت
سمع ونظر مصر التي يأتي الاتفاق متماشيا مع توجهات أمنها القومي بمنع إثيوبيا
بالحصول على منفذ بحري".
وأشار إلى أنه "ومن ناحية أخرى، فإن تركيا
موجودة بالفعل عسكريا واقتصاديا بالصومال، ومن ثم فالاتفاق لن يدشن وجودا عسكريا
جديدا لتركيا، بل سيعزز أمن المنطقة، باعتباره أمرا واقعا".
ويرى الزواوي، أنه "من المؤكد أن تركيا
أثارت قضايا التعاون العسكري مع دول الخليج، كذلك صاحبة المصالح بالقرن الإفريقي في أثناء زيارة أردوغان الخليجية، التي وقع فيها عدة اتفاقات للتعاون ومنها العسكري".
ولفت إلى أن "العلاقات المصرية العربية
شهدت تحولا إيجابيا بعد الزيارة الخليجية، وكذلك بعد إنهاء الأزمة الخليجية، حيث
يبدو أن قطر أدت دورا رئيسا بالوساطة بين السعودية والإمارات من جهة ومصر من جهة
أخرى، مع تركيا".
وخلص للقول: "وهذا يفيد بوجود تنسيق أمني
بين مختلف الأطراف، وكذلك في إطار الحوار الاستراتيجي الذي يعقد بينها، الذي من
المؤكد أنه لا يغيب عنه أمن الملاحة بالبحر الأحمر وبالقرن الإفريقي، التي باتت
محل اهتمام الدول القائدة بالإقليم".
رؤية تركية
وفي رؤية تركية، قال الباحث بالشأن التركي
والعلاقات الدولية طه عودة أوغلو: "الاتفاقية تزيد من عمق علاقات تركيا
والصومال، التي تعززت منذ تأسيس قاعدة عسكرية تركية هناك في 2011".
أوغلو، وفي حديثه لـ"
عربي21"، لفت إلى
أن "الاتفاقية تأتي في ظل تحديات مهمة وصعبة بالمنطقة تمس الصومال، وتهديدات
من إثيوبيا، وأيضا ما يجري حاليا بالبحر الأحمر"، ملمحا لدور جماعة الحوثي
اليمنية في منع مرور السفن الإسرائيلية دعما للمقاومة الفلسطينية، وقيادة أمريكا
تحالفا دوليا لمواجهة الحوثي.
وألمح أيضا إلى أن "الاتفاقية تأتي متزامنة
مع زيارة الرئيس التركي لمصر"، متوقعا وجود "توافقات مصرية تركية في هذا
المجال، خاصة أن هناك قلقا مصريا وسودانيا من التحركات الإثيوبية بأرض الصومال، بما
يتعلق بسد النهضة".
ويرى أوغلو، أن "هذه الاتفاقية تخدم
بالدرجة الأولى تركيا، وتمثل شراكة استراتيجية بينها وبين الصومال، وفي الوقت نفسه لم تُغضب دولا مهمة في الإقليم كمصر، على خلاف الاتفاقية التي أبرمتها تركيا مع ليبيا
في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019".
ويعتقد أن "الحضور التركي في أفريقيا ليس
جديدا؛ ولكنه زاد مؤخرا مع تعاقدات تركية في الإقليم بشكل كبير"، ملمحا إلى
أن "الجميع أصبح يفكر في تركيا ودول أخرى حجزت لها موطئ قدم بالقارة
الأفريقية، ورغم أن تركيا تعمل هناك منذ سنوات حجزت وفكرت وأصبحت تنافس بشكل كبير
وقوي دولا مهمة مثل فرنسا، التي انزعجت بشكل كبير بالسنوات الماضية".
وأضاف: "لكن أنقرة استطاعت أن تحظى بشعبية
ورضا دول القارة، والملاحظ للشأن التركي، يجد اتفاقيات دائمة، وقبل أيام حضر وزير
الدفاع الجيبوتي لأنقرة لتوقيع اتفاقية أمنية، وحاليا اللغة السائدة هي التعاون
بين الدول، في ظل التعقيدات والمشاكل، وليس فقط التجاري والاقتصادي كما كان سابقا".
وأكد أنه "حاليا تتزايد اتفاقيات الصناعات
الدفاعية والتعاون الدفاعي والعسكري، وهذا ما ظهر في الزيارة التركية لمصر، وإعلان
تزويد الجيش المصري بمسيرات تركية، وأيضا الأفارقة دائما يوقعون ويحصلون عليها".
ويتصور الباحث التركي، أنه "من الصعب القول؛ إن الحضور التركي في أفريقيا وخاصة في الصومال يتعارض مع المصالح المصرية؛ لأن
الدور التركي في الصومال قائم منذ أكثر من عقد".
وأوضح أن "بعض دول المنطقة بدأت تتعاون
بينها، وتقوم باستثمارات مشتركة بدول أفريقيا مثل زيارة لمسؤولين سعوديين والحديث
عن استثمار ليس في الرياض ولا أنقرة ولكن بدول أفريقية، خاصة أن الساحة الأفريقية
صارت خصبة والجميع يتدافع ويتوجه لها لتحقيق المصالح في ظل وضع اقتصادي صعب هناك".
لجوء الصومال لتركيا
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي أكد نشطاء، أنه
كان أولى بمصر توقيع تلك الاتفاقية لما لجيشها من قدرات بحرية وجوية وبرية، وامتلاكه حاملات طائرات ومدمرات وزوارق بحرية، ويأتي ترتيبه بالمركز الـ15 عالميا
والأول عربيا والثالث بالمنطقة بعد تركيا وإيران.
واستغرب البعض لجوء الصومال لتركيا، وعدم اللجوء
لمصر خاصة مع ما بينها وبين الصومال من تاريخ يرجع للعصر الفرعوني، بجانب الروابط
الإسلامية والعربية، ولقاء السيسي وحسن شيخ بالقاهرة الشهر الماضي.
واعتبر البعض أن الاتفاق المفقود بين مصر
والصومال، كان يمكن للقاهرة الاستفادة منه اقتصاديا بمجالات الثروة الحيوانية
الصومالية، وبما لدى مصر من خبرات زراعية وبمجال البناء والتشييد.
وأكد آخرون أنه كان على مصر القيام بالدور
التركي، حماية لأمن مصر الممتد إلى المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، ولحماية حركة
المرور بقناة السويس من أي تهديد، وحرمان إثيوبيا من أي مخطط لها بالظهور على
البحر الأحمر، للضغط عليها بملف مياه النيل وسد النهضة.
فيما لفت البعض أنه بعد توقيع الاتفاق التركي
الصومالي، بات على القاهرة التنسيق مع أنقرة ومقديشو في ملف سد النهضة، مشيرين إلى
ذلك التقارب في صالح مصر، ويقطع الطريق على دول تعبث ضد مصالح مصر وتدعم إثيوبيا
بملف المياه.