رغم ادعاء النظام
المصري بتضرره اقتصاديا من حرب
غزة، نتيجة تراجع إيرادات قناة السويس وتأثر
السياحة، فقد حول تلك الحرب إلى وسيلة لإنقاذ الاقتصاد، بالتزامه بالتنسيق مع
الدول الغربية لوأد المقاومة، طمعا في الحصول على المكافأة والتي نشرت وكالة بلومبرج
بعضا من تفاصيلها في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وها هي رئيسة المفوضية الأوروبية
تزور القاهرة لبدء تنفيذ ما سبق إعلانه من
مساعدات أو قل مكافآت.
سيقول البعض إن
هناك تضررا بالفعل للاقتصاد المصري من حرب غزة، لكنه ضرر أقل بكثير من حجم
المساعدات أو قل حزمة الإنقاذ، التي شاركت فيها الإمارات بدفع قيمة شراء أرض رأس
الحكمة مقدما، ورفع صندوق النقد الدولي قيمة قرضه من 3 إلى 8 مليارات دولار، بخلاف
قرض من صندوق آخر بقيمة مليار دولار، وبلوغ قروض البنك الدولى المرتقبة 3 مليارات
دولار، وقروض من جهات أخرى كاليابان وبريطانيا، ليُجمل وزير المالية المصري تلك
القروض الغربية بنحو 20 مليار دولار، بخلاف 24 مليار دولار من الإمارات.
وأعلن وزير
السياحة عن زيادة عدد السياح الواصلين لمصر في العام الماضي عما كان عليه عام 2022،
بل تحقيق عدد السياح الواصلين رقما تاريخيا لم يحدث من قبل حين بلغ عددهم 14.9 مليون
سائح، كما أعلن الوزير زيادة عدد السياح الواصلين خلال أول شهرين من العام الحالي،
عما كانوا عليه في نفس الفترة من العام الماضي. أما تأثر قناة السويس فقد بلغ حوالي
750 مليون دولار خلال الشهرين الأولين من العام الحالي، وهو الرقم الذي لا يتسق مع
مجمل المساعدات الغربية المُعلنة حتى الآن.
رئيسة المفوضية
وانحياز كامل لإسرائيل
وها هي رئيسية
المفوضية الأوروبية أورسو لافون دير لاين تزور القاهرة في السابع عشر من الشهر الحالي،
ومعها ثلاثة من رؤساء الحكومات الأوروبية، للإعلان عن تلك المساعدات، منهم رئيسة
الوزراء الإيطالية التي أعلنت منذ البداية تضامنها مع إسرائيل.
ولقد وصفت النائبة
الإيرلندية في البرلمان الأوروبي كلير دالي؛ رئيسة المفوضة الأوروبية أورسولا، والتي
كانت وزيرة في ألمانيا سابقا، بأنها سيدة
الإبادة الجماعية، بسبب إظهارها دعمها
غير المشروط لإسرائيل منذ بداية الحرب، وامتناعها عن انتقاد إنذار إسرائيل لنصف
سكان غزة بإخلاء منازلهم خلال 24 ساعة في بدايات الحرب، وعدم مطالبتها بفتح معبر
آمن لتوصيل المساعدات للسكان المحاصرين تحت القصف.
وها هو جوزيب
بوريل، مسؤل السياسة الخارجية في
الاتحاد الأوروبي، يتهم أورسولا بالانحياز التام
لإسرائيل في حربها على غزة، وأنها لم تتعرض في تصريحاتها خلال زيارتها لإسرائيل في
اليوم السادس للحرب للوضع الإنساني في غزة، ولم توجه الدعوة لوقف استهداف الجيش الإسرائيلي
للبنية التحتية المدنية بغزة.
وكان الاتحاد الأوروبي
قد سارع فور عملية طوفان الأقصى بتعليق جميع المساعدات للفلسطينيين، وهو ما رفضته
كل من إسبانيا وأيرلندا ولوكسمبورج، مما ساهم في تغير موقف الاتحاد بعدها جزئيا مع
ارتفاع عدد الضحايا من المدنيين، لكنه ظل تابعا للموقف الأمريكي، وهو ما تجلى في
التصويت على قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة بالدعوة لهدنة إنسانية.
محاولات تجميل
متأخرة وقاصرة
وهكذا ظل موقف الاتحاد
الأوروبي -الذي ساندت بعض دوله إسرائيل بالعتاد- صوريا طوال الأشهر الماضية، ثم
عاد ليشارك في المسرحية الأمريكية بإلقاء المساعدات من الطائرات، ثم بالممر البحري
لتوصيل المساعدات، لتجميل صورته أمام التظاهرات التي شهدتها عدد من بلدانه، دون
الضغط على إسرائيل لفتح بعض من المعابر الستة التي تربطها بغزة، أو الضغط على
النظام المصري لفتح معبر رفح، خاصة وأن الاتحاد الأوروبي كان شريكا في اتفاقية
المعابر بين إسرائيل وغزة عام 2005، رغم إقرار الخبراء أن إلقاء المساعدات من
الطائرات أكثر تكلفة بسبع مرات من النقل البري لها، وأن حمولة الشاحنة يمكن أن
تستوعب حمولة طائرة، إلى جانب حوادث القتل التي نجمت عن إلقاء المساعدات على
المنتظرين لها من ارتفاعات عالية، ونزول بعضها في البحر أو في الجانب الإسرائيلي،
وعدم اتخاذ موقف أوروبي حاسم تجاه إسرائيل بسبب عمليات قتلها للمنتظرين لتلك
المساعدات، والتي أسفرت عن استشهاد أكثر من 500 غزاوي خلال خمسة أيام، فيما أطلق
عليها مجازر الدقيق.
وبدلا من إبحار
سفن من قبرص اليونانية على بعد 250 كيلومترا من غزة، والحاجة لانتظار مرور شهرين
حتى يتم العمل على الميناء المؤقت الذي ستنشئه الولايات المتحدة، كان الأولى السعي
لدخول مئات الشاحنات المنتظرة أمام معبر رفح، والتي فسد طعام بعضها بسبب طول مدة
الانتظار للدخول، والتي يعقبها منع المحتجين الإسرائيليين مرورها إلى غزة بعد
تفتيشها في معبر كرم أبو سالم الإسرائيلي.
إنها أوروبا التاريخية
صاحبة الحملات الصليبية، والتي تسببت في النكبة الفلسطينية وقيام دولة إسرائيل، وقسمت
المنطقة العربية واحتلت بلدانها واستغلت خيراتها، لم تتغير، وما زالت حريصة مع
الولايات المتحدة على إبعاد مصر عن أي مواجهة مع إسرائيل نظرا لثقلها السكاني والتاريخي،
وما زالت تسعى وراء مصالحها المتمثلة في منع الهجرة إليها عبر البحر المتوسط، وهو
ما يقوم به النظام المصري بنجاح منذ سنوات.لكنها
تشكو من هجرة مصريين إليها من خلال السواحل الليبية والتونسية، وتطلب منع هؤلاء من
الخروج من مصر بتحصين الحدود مع ليبيا، وهو نفس المطلب فيما يخص اللاجئين
السودانيين الذين جاءوا إلى مصر في العام الماضي.
وهذا إلى جانب الحصول
على الطاقة للإسهام في استغنائها عن الطاقة الروسية، ودمج إسرائيل بالمنطقة من
خلال التوسع في عمليات التطبيع مع باقي الدول العربية، مع الصمت تجاه عمليات القتل
والاعتقال التي تقوم بها إسرائيل في الضفة الغربية منذ فترة طويلة، ووجود آلاف
السجناء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية قبل طوفان الأقصى.
وعندما نعرف أن
البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية المُنشأ منذ عام 1991 ليست له عمليات في غزة،
رغم ما مر به من عدوان إسرائيلي متكرر منذ عام 2006 وحتى 2021 أسفر عن هدم مئات
المنازل والمرافق، ندرك طريقة التعامل التي تتعامل بها أوروبا مع الفلسطينيين.
فائض تجاري كبير
مع مصر
وهكذا تسعى أوروبا
لمصالحها التجارية مع مصر بخلاف مبيعاتها للأسلحة، ففي العام الماضي كانت أوروبا هي
الشريك التجاري الأول لمصر حسب بيانات جهاز الإحصاء المصري، بنسبة 41 في المائة من
مجمل تجارة مصر مع العالم، واستحوذت أوروبا على نسبة 40 في المائة من الواردات
السلعية المصرية، كما حققت فائضا تجاريا مع مصر قيمته حوالي 15 مليار دولار، بخلاف
نصيبها من التجارة الخدمية المصرية، خاصة التعامل مع المؤسسات المالية والتأمينية
الأوروبية.
وإذا كان الاتحاد
الأوروبي يسعى لرفع علاقته مع النظام المصري إلى وضع الشراكة الإستراتيجية، فإنها
ستكون شراكة ممزوجة بدماء شهداء غزة، بداية من شهداء المستشفى المعمداني وباقي
المستشفيات والبيوت والمدارس إلى شهداء مجازر الدقيق.
twitter.com/mamdouh_alwaly