في ما بدت حملة إعلامية منظمة لاستهداف رئيس وزراء أسكتلندا حمزة
يوسف، وعبره وكالة غوث وتشغيل اللاجئين
الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة
(أونروا)، وتماشيا مع الهجمة الصهيونية التشويهية للوكالة، نشرت صحيفة تلغراف
البريطانية، المعروفة بدعمها لإسرائيل، مؤخرا تقريرا، أبرزته على صفحتها الأولى،
ادعت فيه وجود تضارب في المصالح في قرار الوزير الأول التبرع للوكالة خلال وجود
والدي زوجته الفلسطينية الأصل محاصرين في قطاع
غزة تحت القصف الإسرائيلي.
وقد تبرعت الحكومة الأسكتلندية بمبلغ 250 ألف جنيه إسترليني (ما
يعادل 320 ألف دولار أمريكي) لوكالة الأونروا خلال لقاء جمع الوزير الأول بمسؤولين
من المنظمة في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي، لصالح أعمالها في قطاع
غزة.
وردا على تقرير الصحيفة اليمينية، التي سارعت صحف ومواقع مثيلة لها،
وحتى صفحات وحسابات دعائية داعمة لإسرائيل لتداوله بشكل بدا منسقا، نفى حمزة يوسف
الاتهامات الموجهة ووصفها بأنها "حملة تشهير إسلاموفوبية سخيفة، تستهدفه لأنه
مسلم ولأن زوجته فلسطينية".
وقال يوسف في تدوينة بحسابه على منصة "إكس" إن تلك الحملة
"لن تمنعه من رفع صوته للمطالبة بإنهاء محنة الفلسطينيين في غزة.. مؤكدا
ضرورة استمرار تدفق المساعدات الإنسانية لسكان غزة الذين يعانون تحت رعب لا يمكن
تصوره."
وأضاف: "بطبيعة الحال، لم يكن للأونروا أي علاقة بتمكن أهل
زوجتي من مغادرة غزة.. لقد تمكنوا من مغادرة غزة بفضل العمل الشاق الذي قام به
فريق الأزمات في وزارة الخارجية البريطانية، مثل أي مواطن بريطاني آخر. وفريق
الأزمات يمكنه تأكيد ذلك. والقول بخلاف ذلك هو كذب وتشويه واضح".
وتابع: "حتى نكون واضحين، فقد منحت الحكومة الأسكتلندية المال
لغزة، كما فعلت كل الحكومات الغربية تقريبا، بسبب الكارثة الإنسانية التي لا جدال
فيها في غزة".
واتهم صحيفة تلغراف بـ"نشر نظريات المؤامرة التي يروج لها
اليمين المتطرف ومن شأن ذلك تشجيع مزيد من الإساءة لي ولعائلتي".
وكان حمزة يوسف (37 عاما)، تولى زعامة الحزب الوطني الأسكتلندي
والحكومة في مارس/آذار 2023، خلفا لنيكولا ستارجون التي استقالت من رئاسة الحزب
والحكومة. وجاء اختياره بعد منافسة حامية استمرت خمسة أسابيع بين ثلاثة مرشحين
بارزين. وقد أصبح حمزة يوسف بذلك أول مسلم يقود حزبا رئيسيا في المملكة المتحدة،
ويرأس الحكومة في اسكتلندا. ويعتبر الحزب الأكبر في اسكتلندا، ويسعى لاستقلالها عن
المملكة المتحدة.
وحمزة هارون يوسف من مواليد 7 أبريل 1985 في مدينة غلاسكو، وهو ابن
مهاجرَين مسلمين وصلا إلى المملكة المتحدة خلال الستينيات، والدته من كينيا ووالده
من باكستان.
وتلقى تعليمه في مدرسة مستقلة في غلاسكو. ودرس السياسة في جامعة
غلاسكو وتخرج بدرجة الماجستير عام 2007. وأثناء وجوده في الجامعة كان يوسف رئيسًا
لاتحاد الطلاب المسلمين في جامعة غلاسكو. وكان المتحدث الإعلامي المتطوع لجمعية
الإغاثة الإسلامية الخيرية.
وكان حمزة يوسف متزوجًا من غايل ليثجوي العاملة السابقة في الحزب
الوطني الأسكتلندي من 2010 إلى 2016، وأنجب منها بنتا. وتزوج عام 2019 أخصائية
العلاج النفسي الفلسطينية الأصل نادية النخلة، والتي مازالت لها عائلة في غزة،
وأنجب منها بنتا أسمياها آمال.
ونادية النخلة هي أيضا ناشطة في الحزب الوطني الأسكتلندي، وعضوة عنه
في المجلس البلدي لمدينة دندي، حيث تقيم مع زوجها وابنتهما.
وقد وجد والد نادية النخلة الفلسطيني وأمها الأسكتلندية أنفسهما
عالقين في قطاع غزة خلال زيارة عائلية عند بداية العدوان الإسرائيلي في 7 أكتوبر
2023، وضل محاصرين تحت القصف لأسابيع، وفي ظروف صعبة قبل إجلائهما.
تتحدث هذه المفارقة في التعامل مع مأساة غزة بين الزوجة اليهودية في حالة ستارمر والزوج اليهودي في حالة برافرمان، وبين الزوجة الفلسطينية في حالة حمزة يوسف عن نفسها، في دليل آخر على ازدواجية المعايير الفاضحة.
وفيما يتم استهداف حمزة يوسف من قبل اللوبي الصهيوني بسبب موقفه
الناقد للعدوان الإسرائيلي، وبمنطلقات إسلاموفوبية، وباستهدافه عبر عائلة زوجته
الفلسطينية، لا يتردد الإعلام المناصر لإسرائيل في إبراز العلاقات العائلية
لشخصيات سياسية بريطانية بزوجات يهوديات، أو أزواج يهود لتبرير مواقف هؤلاء
الداعمة لإسرائيل.
ولعل أبرز مثال في هذا كير ستارمر، زعيم حزب العمال البريطاني، الذي
انتقده حمزة يوسف كذلك وموقف حزبه الداعم لإسرائيل، وتواطؤه مع رئيس مجلس العموم
البريطاني، لمنع التصويت على مشروع قرار قدمه الحزب الوطني الأسكتلندي لوقف إطلاق
النار في غزة، والذي كان من شأنه أن يظهر تمردا كبيرا في صفوف نواب حزب العمال
لتحدي موقف ستارمر، والتصويت لصالح مشروع الحزب الوطني الأسكتلندي.
وتعرض ستارمر لانتقادات واستقالات من حزبه بسبب موقفه الداعم
لإسرائيل، وذهابه إلى حد تبرير قرار إسرائيل بقطع الماء عن قطاع غزة المحاصر،
بدعوى "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، واعتبر موقف ستارمر فضيحة على
اعتبار خلفيته القانونية، كمحامي سابق ترأس النيابة العامة في
بريطانيا.
وفي تفسير موقف ستارمر الداعم لإسرائيل يقول رئيس التحرير التنفيذي
لصحيفة "إيفننغ ستاندرد" البريطانية، جورج تشيسترتون، إنه مثله مثل
ستارمر فإن ذلك راجع لـ"وجود زوجة يهودية وأقارب يهود". وأن "موضوع
إسرائيل سيكون مطروحا للنقاش في البيت وعلى طاولة الطعام"ز
وفي مقال له الصحيفة يقول تشيسترتون "لدى كير ستارمر أكثر من
سبب لدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها... سوف تتأثر العقلية السياسية لزعيم حزب
العمال أيضًا بحياته الشخصية. وسوف يتقوى قراره بالثبات عليه بسبب وجود زوجة
يهودية وأقارب يهود".
وكان ستارمر في حوار مع "جويش كرونيكل"(أقدم صحيفة يهودية
تواصل الصدور في بريطانيا والعالم) تحدث عن "الحفاظ على تقليد العشاء العائلي
ليلة الجمعة، حيث غالبًا ما ينضم إليه والد زوجته اليهودية للصلاة". وقال إن
الأمر "يتعلق بأن نكون أكثر انضباطًا، وأن نكون في المنزل مع أطفالنا
وعائلتنا".
وإلى جانب ستارمر يمكن ذكر نموذج وزيرة الداخلية البريطانية السابقة
سويلا برافرمان التي لها مواقف داعمة لإسرائيل ومعادية للمسلمين، حيث زعمت مؤخرا
أن "الإسلاميين يسيطرون الآن على بريطانيا" بسبب المظاهرات الحاشدة التي
تنظم في العاصمة لندن بشكل خاص ضد العدوان الإسرائيلي على غزة، والتي تضم متظاهرين
من مختلف الأعراق والأديان بينهم يهود، عكس ما تدعي برافرمان التي حاولت شيطنتها،
ومنعها لما كانت وزيرة للداخلية، قبل إقالتها بسبب هجومها على شرطة لندن التي تسمح
بهذه المظاهرات، واتهامها بالانحياز للفلسطينيين.
وسويلا واسمها الأصلي "إلين كاسيانا فرنانديز"، على الرغم
من أن والدتها هندوسية ووالدها مسيحي، فإنها تنتمي لطائفة بوذية مثيرة للجدل، عُرف
زعيمها بسجل سيء من الاعتداءات الجنسية المتكررة"، وهي متزوجة برايل برافرمان
اليهودي الصهيوني، المدير بفرع مجموعة "مرسيدس بنز" الألمانية، والذي
يصف نفسه بأنه "عضو فخور جدًا في الجالية اليهودية". وتم الاحتفال
بالزفاف في مجلس العموم في 2018. ورايل برافرمان، المولود عام 1975 كان انتقل إلى
المملكة المتحدة عندما كان مراهقًا من جنوب أفريقيا، وعاش سابقًا في إسرائيل.
وقالت سويلا برافرمان لصحيفة "جويش كرونيكل" (مرة أخرى!) إن لديها
"أفرادًا مقربين من العائلة يخدمون في جيش الدفاع الإسرائيلي".
وخلاصة القول تتحدث هذه المفارقة في
التعامل مع مأساة غزة بين الزوجة
اليهودية في حالة ستارمر والزوج اليهودي في حالة برافرمان، وبين الزوجة الفلسطينية
في حالة حمزة يوسف عن نفسها، في دليل آخر على ازدواجية المعايير الفاضحة.