مرت الذكرى الـ 30 على
مجزرة الحرم الإبراهيمي في مدينة
الخليل بالضفة الغربية، والتي نفذها مستوطن متطرف
بحق المصلين أثناء صلاة فجر الـ 15 من شهر رمضان، 25 شباط/فبراير 1994.
كيف وقعت المجزرة؟
دخل المتطرف باروخ غولدشتاين، أحد مستوطني
مستوطنة كريات أربع، أكبر بؤرة استيطانية في مدينة الخليل، والتي تلتهم جزءا كبيرا
من أراضيها، مسلحا ببندقية رشاشة، وبعدد كبير من مخازن الذخيرة، على مرأى من جنود
الاحتلال، إلى الحرم الإبراهيمي في الخليل، خلال صلاة الفجر.
وقام غولدشتاين، بانتظار لحظة سجود المصلين،
وقام بفتح نيران رشاشه بكثافة تجاههم، واستمر بإطلاق النار لمدة تصل إلى 10 دقائق،
استشهد خلالها قرابة 29 مصليا.
ورغم امتلاكه السلاح وإطلاقه النار، تمكن عدد
من المصلين من الهجوم على المتطرف القاتل، والإيقاع به أرضا، وإبراحه ضربا، حتى
تمكنوا من قتله على الفور.
جنود الاحتلال، الذين يتدخلون بعنف ضد
الفلسطينيين، في أي تحرك بالمنطقة عادة، تركوا غولدشتاين ينفذ مجزرته، بكل أريحية،
وقال شهود المجزرة إن إطلاق النار استمر 10 دقائق، ورغم أن جنود الاحتلال ونقاط
مراقبتهم قريبة من البوابة، لم يتدخلوا، سوى بعد الهجوم على القاتل،
والإطاحة به.
وأقدم الجنود على إغلاق بوابة الحرم، لمنع
إخراج المصلين المصابين، وفرضوا حصارا على المكان، لمنع إنقاذهم من قبل أهالي
الخليل الذين هرعوا بعد علمهم بأنباء وقوع المجزرة خلال صلاة الفجر.
بل قاموا بإكمال المجزرة، بحق كل من حاول إسعاف
مصابين، ونقلهم إلى المستشفيات، إضافة إلى استهداف جنازات
الشهداء التي انطلقت
صباح ذلك اليوم لمواراتهم، ما رفع حصيلة الشهداء إلى 50 شهيدا.
وتفجر الغضب نتيجة المجزرة، واشتعلت المواجهات
الواسعة، في الخليل والأراضي الفلسطينية، واجهها الاحتلال بإطلاق الرصاص الحي، ما
أدى إلى سقوط 10 شهداء لترتفع الحصيلة إلى نحو 60 شهيدا، فضلا عن مئات المصابين.
من هو باروخ غولدشتاين؟
هو أحد المستوطنين المتطرفين، من مستوطنة كريات
أربع، تتلمذ في مدارس صهيونية دينية على يد متطرفين من حركة كاخ الإرهابية، وكان
معروفا بتطرفه تجاه المسلمين والفلسطينيين خصوصا، وهجومه على الحرم الإبراهيمي ليس
الأول.
قبل المجزرة بأشهر، حاول غولدشتاين، تنفيذ
اعتداء على الحرم الإبراهيمي، بواسطة مواد كيماوية حارقة، لكن محاولته فشلت، فضلا
عن محاولته افتعال مشكلات والاعتداء على المصلين مرارا، رغم تقديم شكاوى بحقه
لسلطات الاحتلال لوقفه، لكن الجواب كان التجاهل.
تلقى غولدشتاين،
تدريبات عسكرية، داخل معسكرات للمستوطنين المتطرفين، وفي الولايات المتحدة، التي
تخرج منها طبيبا.
خلال المجزرة هاجمه
اثنان من المصابين برصاصه، وتمكن أحدهما من الإطاحة به أرضا، والآخر أفقده الوعي
بواسطة مطفأة حريق، قبل أن يتمكن بقية المصلين من الإجهاز عليه وقتله.
تحول غولدشتاين، إلى
"قديس" لدى المستوطنين المتطرفين، وقاموا بدفنه في مستوطنة كريات أربع،
وتحول قبره إلى مزار للمتطرفين في المستوطنة.
لجنة شمغار
على الرغم من وقوع الفلسطينيين ضحية لاعتداء
المتطرف غولدشتاين، واستشهاد العشرات، قام الاحتلال بإغلاق الحرم الإبراهيمي 6
أشهر، بذريعة التحقيق فيما جرى، وشكل لجنة أطلق عليها اسم شمغار، وبعد أشهر أعلنت
توصيات مجحفة، أهمها تقسيم الحرم بين المسلمين واليهود، وخنق الفلسطينيين في
البلدة القديمة من الخليل، عبر منح اليهود حصة كبيرة ونصب الحواجز بداخلها، ومنع
الفلسطينيين من المرور من كثير من الأحياء والطرقات، وباتت حصة اليهود في الحرم
أكثر من 60 بالمئة، ومنحتهم صلاحية منع رفع الأذان بصورة متكررة.
وقام الاحتلال لاحقا بتركيب كاميرات مراقبة،
وبوابة إلكترونية لخنق الفلسطينيين وشل حركتهم وأغلق كلا من خان الخليل ومنطقة
شاهين وشارع الشهداء، أبرز شوارع الخليل القديمة، وقام بتقسيم المنطقة بالكامل،
وتهجير الكثير من سكان البلدة القديمة.
يحيى عياش والثأر
للشهداء
على إثر المجزرة
الوحشية، بحق المصلين في الحرم، قرر القائد في كتائب القسام، الشهيد المهندس يحيى
عياش، تنفيذ سلسلة عمليات انتقاما من قتل المصلين.
وتمثلت عمليات
"الثأر" لشهداء الحرم الإبراهيمي، بتنفيذ عمليات فدائية، ضد أهداف
ومستوطنين للاحتلال، في المناطق المحتلة عام 1948 وهي كالتالي:
عملية العفولة: قام الشهيد
رائد زكارنة من كتائب القسام، بقيادة سيارة مفخخة، وتفجيرها في محطة باصات بمدينة
العفولة المحتلة، ما أدى إلى مقتل 9 مستوطنين وإصابة 50 آخرين، في 6 نيسان/أبريل
1994.
عملية الخضيرة: نفذ
الشهيد عمار عمارنة، من كتائب القسام، عملية فدائية، فجر خلالها حزاما ناسفا، داخل
حافلة نقل للمستوطنين، في مدينة الخضيرة بالداخل المحتل، قتل فيها 5 مستوطنين وجرح
32 آخرون.
عملية فاكسمان:
قامت مجموعة من كتائب
القسام، في 9 تشرين أول/ أكتوبر 1994، بأسر الجندي نحشون فاكسمان، وقام أحد قادة القسام
في حينه محمد الضيف (القائد العام لكتائب القسام حاليا) بالخروج بمقطع مصور،
وإعلان وقوع الجندي أسيرا بيد الكتائب، ووضع قائمة مطالب من أجل الإفراج عنه،
أبرزها الإفراج عن الشيخ أحمد ياسين، والقياديين في المقاومة اللبنانية مصطفى
الديراني وعبد الكريم عبيد، وعدد كبير من الأسرى الفلسطينيين من القسام والفصائل
الأخرى، بمهلة أقصاها 4 أيام.
لكن الاحتلال تمكن من
الحصول على معلومة، قادت إلى المكان الذي تحتفظ فيه القسام، بالجندي الأسير، في
بلدة بير نبالا قرب القدس المحتلة، وقام في 14 من الشهر ذاته، بتطويق البيت،
وكلف وحدة رئاسة الأركان "سييرت ميتكال" بتنفيذ الاقتحام لاستعادة
الجندي، وكان أحد أفرادها رئيس الأركان الحالي للاحتلال هرتسي هاليفي.
لكن العملية كانت
فاشلة، حيث قتل قائد المجموعة المقتحمة، إضافة إلى مقتل الجندي نحشون فاكسمان،
وأصيب عدد آخر من الجنود، ودار اشتباك عنيف مع مقاتلي القسام، الذين استشهدوا
جميعهم وعددهم 3.
عملية شارع ديزينغوف:
قام المقاتل في القسام، صالح صوي نزال، بعملية فدائية عبر تفجير نفسه في حافلة
للمستوطنين، بوسط تل أبيب، ما أدى إلى مقتل 22 مستوطنا وإصابة 42 آخرين.
عملية سلاح الجو: نفذ
الشهيد أسامة راضي، أحد مقاتلي القسام، عملية فدائية، في 25 كانون أول/ديسمبر
1994، فجر خلالها حزاما ناسفا، بحافلة مليئة بضباط وجنود من سلاح جو الاحتلال،
تكتم فيها على خسائره، واكتفى بالاعتراف بنحو 13 إصابة منها خطيرة.