نقلت صحيفة الواشنطن بوست عن عدد من المسؤولين
والخبراء في القضية
الفلسطينية؛ أن معركة طوفان الأقصى الأخيرة سببها اتفاقيات
أبراهام التي همّشت القضية الفلسطينية وركزت على معالجة العرَض وهو تحسين العلاقات
بين الكيان الصهيوني وبعض الدول العربية، حيث أرادت الاتفاقيات القفز على الحقائق
وتجاهل جذر المشكلة الفلسطينية بمعالجة الهامش والحواشي، وتناسي المتن وهو معاناة
الفلسطينيين في مواجهة احتلال منذ عام 1948، بالإضافة إلى الشعوب العربية
والإسلامية التي تعد من متن القضية الفلسطينية، بخلاف الحكام الذين لا يهمهم سوى
كراسيهم ولذا حتى الهامش لم يبلغوه ولم يصلوه.
لقد قال عضو اللجنة المركزية لمنظمة فتح عباس زكي إن
اتفاقيات أبراهام كانت أحد الأسباب التي أدت إلى عمليات طوفان الأقصى؛ لكونها
همّشت القضية الفلسطينية، وفضلت التعاطي بين إسرائيل وبعض الدول العربية من خلال
بوابة التطبيع، ونقلت الصحيفة عن عضو مجلس الشيوخ عن الديمقراطيين كريس مورفي؛ أنك
لا تستطيع أن تؤمنّ إسرائيل من خلال العمل الديبلوماسي مع الدول السنية.
اليوم نواجه نفس المشكلة ليس في فلسطين والعراق واليمن ولبنان، وإنما في بقاع عدة، بحيث أن واشنطن تفضل التعامل مع عصابات وأقليات طائفية، تقمع أغلبية انتفضت بوجه التهميش والحرمان، وتخال واشنطن أنها بذلك ستنجح وتحقق أهدافها في سحق هذه الأغلبية، كما أفلحت من قبل وعلى مدى عقود بقمع هذه الأغلبية، وطمس هويتها، وإسكات صوتها، ولكن على أيدي أقلية استبدادية شمولية ديكتاتورية عسكرية
ولعل هذا ليس بجديد، فحين نفذ تنظيم القاعدة هجماته في
نيويورك وواشنطن كان حديث زعيم التنظيم أسامة بن لادن يتركز يومها على جذر الخلاف
العربي- الإسلامي مع الغرب وأمريكا تحديدا، وهو القضية الفلسطينية، بحيث استذكر
أسامة بن لادن في كلماته التي لا تزال ترنّ في أذن الكثيرين يوم كان جالسا مع
الظواهري في جبال أفغانستان؛ عما جرى للفلسطينيين من ظلم وعدوان خلال السنوات
الماضية وتحديدا حين احتلت قوات الصهاينة ثاني عاصمة عربية (بيروت) خلال الاجتياح
الصهيوني عام 1982، الذي قاده وزير الدفاع الصهيوني يومها إرييل شارون، وظلت
كلماته تعكس كل ما نقوله اليوم حين ردد بأنه لن تعيش أمريكا في سلام حتى نعيشه
واقعا في فلسطين.
وحين سعت أمريكا للتخلي عن الأفغان بعد أن دعمتهم في
مواجهة الاحتلال السوفياتي بين عامي 1979 و1990، كانت النتيجة ما رأيناه ولمسناه
في أفغانستان، إذ إن الزلزال الأفغاني سريعا ما كانت هزاته الارتدادية قد وصلت إلى
نيويورك وواشنطن ولندن ومدريد من خلال بروز تنظيم القاعدة وتنفيذ عملياته في هذه
الدول، بعد أن سعت واشنطن وغيرها إلى حرمان الأفغان من النصر ضد السوفييت، بفرض
أجندات الآخرين ورجالهم في أفغانستان، وترك الدول الإقليمية تعبث بمصير الشعب
الأفغاني، فكان الانتقام من خلال ظهور حركة طالبان الأفغانية، وتنظيم القاعدة،
ودفعت بذلك أمريكا ثمنا باهظا ولا تزال تدفع نتيجة سياساتها القاصرة، وتفضيلها
الأسلوب التكتيكي على الاستراتيجية البعيدة المدى، وإلّا فلو كانت تعاملت مع حركات
مثل أحزاب المجاهدين التي عرفت سياساتها وقادتها لكان أفضل لها من تعاملها مع
حركات جديدة عليها، وأكثر تشددا ممن تعاملت معهم في السابق، ولكن تلك هي محصلة
السياسات التكتيكية القاصرة.
اليوم نواجه نفس المشكلة ليس في فلسطين والعراق واليمن
ولبنان، وإنما في بقاع عدة، بحيث أن واشنطن تفضل التعامل مع عصابات وأقليات
طائفية، تقمع أغلبية انتفضت بوجه التهميش والحرمان، وتخال واشنطن أنها بذلك ستنجح
وتحقق أهدافها في سحق هذه الأغلبية، كما أفلحت من قبل وعلى مدى عقود بقمع هذه
الأغلبية، وطمس هويتها، وإسكات صوتها، ولكن على أيدي أقلية استبدادية شمولية
ديكتاتورية عسكرية، متناسية أن التاريخ غير التاريخ والزمان غير الزمان، وإن كان
المكان نفسه وعينه، فهذه القنابل الموقوته ستنفجر بوجه واشنطن وغير واشنطن يوما
ما، وقد يكون قريبا.
اليوم في سوريا نرى هدوء ما قبل العاصفة، حيث رأينا
خلال سنوات الجمر الماضية من الثورة السورية تواطؤ الكثير من الدول والجهات على
الشعب السوري وثورته، كما تآمر على ثورات الربيع العربي ورموزه في مصر واليمن
والعراق وليبيا وتونس، ولكن نرى معه أيضا تراكم الغضب والحقد على كل ما هو ظالم
يسعى لتهميش المظلوم والمحروم، وتهميش قضيته المحقة، وفرض أجندات الآخرين.
استفادت هذه الأنظمة الظالمة والمدعومة من قبل المحتلين الأجانب من الدرس، أم أن الخطأ هو الخطأ والسياسة هي السياسة؟ للأسف لم يتغير شيء، الشيء الوحيد الذي تغير هو الشعوب، حيث خرج المارد من القمقم ولن يعود إلى سابق عهده
فماذا تظن واشنطن وموسكو والصين وطهران وغيرها من
الدول الظالمة المجرمة بحق الشعوب العربية والمسلمة، أن تنتج مخيمات التشرد التي
تسببت فيها، والتي بلغ ضحاياها الملايين؟ وماذا تظن هذه الدول الظالمة أن تنتج
مقابر الشهداء التي احتوت جثامين ملايين الشهداء نتيجة إجرامها واحتلالها وتواطئها
مع القوى الظالمة المحلية؟ هل تظن أن ذلك سينتج سلاما واستقرارا".. قد ينتج
سلام مقابر!!!
ولا تزال الأنظمة المستبدة تُمنن نفسها فتقول إن ما في
سوريا يختلف عما في ليبيا، وأن ما في الأخيرة يختلف عما في مصر، فهكذا أخبرنا حكام
هذه الدول، حتى صحوا فجأة ليجدوا أنهم منفصلين عن الواقع والحقيقة، فقدر الحياة
وسنتها أن ينتفض المظلوم على الظالم ولو بعد حين، فقد صحت هذه الأنظمة مع باكورة
ثورات الربيع العربي على زلزال بقوة عشر درجات سياسية على مقياس ريختر.
ولكن التساؤل الكبير: هل استفادت هذه الأنظمة الظالمة
والمدعومة من قبل المحتلين الأجانب من الدرس، أم أن الخطأ هو الخطأ والسياسة هي
السياسة؟ للأسف لم يتغير شيء، الشيء الوحيد الذي تغير هو الشعوب، حيث خرج المارد
من القمقم ولن يعود إلى سابق عهده.