- "
الشرق الأوسط منذ 1973 لم يشهد وضعا خطيرا مثل
الوضع الذي نواجهه الآن" (تصريح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن- 30 كانون
الثاني/ يناير 2024).
- "الشرق الأوسط أكثر هدوءا اليوم مما كان عليه منذ
عقدين" (مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان في منتدى مجلة أتلانتك- 29
أيلول/ سبتمبر 2023).
هل تتحول الحروب الصغيرة فجأة إلى حروب عالمية، أم أنها
تتسع شيئا فشيئا وبطريقة متدرجة قبل أن تصل ذروتها وتصبح اقليمية أو عالمية؟
الحرب الصهيونية على
غزة والتي لا تزال مستمرة منذ أكثر
من 116 يوما مع هدنة قصيرة لأيام قلائل لم تكن حصرية في غزة، بل إنها تتسع وتخرج
من غلاف غزة إلى غلاف جنوب لبنان، ثم غلاف رفح المصرية، ثم غلاف اليمن جنوبي
الجزيرة العربية ثم غلاف المنطقة الحدودية بين الأردن وسوريا والعراق (حيث تقع
قاعدة التنف الأمريكية)، وغلاف سوريا وغلاف العراق، ثم غلاف الأردن حيث القاعدة
الأمريكية "تاور تي 22".
الحرب الصهيونية على غزة والتي لا تزال مستمرة منذ أكثر من 116 يوما مع هدنة قصيرة لأيام قلائل لم تكن حصرية في غزة، بل إنها تتسع وتخرج من غلاف غزة إلى غلاف جنوب لبنان، ثم غلاف رفح المصرية، ثم غلاف اليمن جنوبي الجزيرة العربية ثم غلاف المنطقة الحدودية بين الأردن وسوريا والعراق (حيث تقع قاعدة التنف الأمريكية)، وغلاف سوريا وغلاف العراق، ثم غلاف الأردن
الحروب لا تتسع ما بين عشية وضحاها وإن شاركت فيها قوى
عظمى في بدايتها على سبيل الدعم، كما جرى بعد طوفان الأقصى، حيث شاركت عدة دول
كبرى في العدوان على غزة ولكن هذه الدول كانت حريصة على أن يكون الدعم والمجهود
الحربي داخل غزة حتى تحقق دولة الكيان أهدافها المعلنة آنذاك، وهي القضاء على حماس
وتحرير الأسرى، لكن لم يتم تحقيق أيا منها ويبدو أنها لن تتحقق مع صمود المقاومة.
اليوم نرى ونشاهد الحرب في البحر الأحمر واستهداف الحوثيين
للسفن التي تمتلكها دول عظمى، ولا أحد يستطيع وقف قرار تعطيل الملاحة المرتبطة
بالكيان الصهيوني، وحتى أمريكا العظمى فشلت في تشكيل تحالف دولي لمواجهة اليمنيين
في البحر الأحمر، وتبين أن الدول الكبرى في الإقليم رفضت المشاركة في التحالف
الجديد؛ ربما خشية اتساع غير محسوب للحرب وحتى لا تصل إلى غلاف السعودية والإمارات
على سبيل المثال.
الحرب وصلت إلى استهداف القوات الأمريكية في الأردن دون
خوف من عقوبة أو ردة فعل أقوى دولة في العالم، والمشكلة ليست فقط في استهداف
القوات الأمريكية في الأردن والعراق وسوريا، بل في زيادة الغضب العربي من حكومات
تلك الدول ومن جرأة الشعوب على التواجد الأمريكي في عالمنا العربي، ما ينذر بمخاطر
أكبر خصوصا بعد جرأة المقاومة الفلسطينية على غزو دولة الكيان في 7 تشرين الأول/ أكتوبر
2023 في عملية طوفان الأقصى.
على مدار حروب الكيان الصهيوني على أهلنا في غزة خلال
السنوات العشرين الماضية؛ لم يتكن هناك احتمالية كبرى لتوسعة نطاق الحرب سوى عبر
جبهة جنوب لبنان ومن خلال صواريخ حزب الله وعلى نطاق محدود زمانا ومكانا، اليوم الصورة
مختلفة والطريقة مختلفة والنتائج مختلفة أيضا، كيف؟
1- الحرب اليوم هي الأطول على غزة وعلى أي دولة عربية في
تاريخ الصراعات المسلحة مع الكيان الصهيوني، وهذا يزيد من الغضب والتململ ومن
العواقب.
2- الحرب اليوم تشمل عدة جبهات وبطرق مختلفة ما بين إغلاق
جزئي لمرور السفن في البحر الأحمر وتعطيل الماكينة الاقتصادية للعدو ولحلفائه (حرب
اقتصادية).
3- الحرب اليوم تشتمل على إطلاق صواريخ بعيدة المدى
وطائرات مسيرة موجهة ليس في اتجاه الكيان الصهيوني، بل وصلت للقواعد الأمريكية في
ثلاث دول هي العراق والأردن وسوريا.
4- الحرب اليوم وصلت إلى ساحات محكمة العدل الدولية وغدا
ستصل إلى محكمة الجنايات الدولية عبر دول عربية وغير عربية، أوروبية وأمريكية
لاتينية (حرب قانونية).
5- الحرب اليوم اتسع نطاقها داخل الكيان الصهيوني نفسه،
فمن ناحية هناك صراع سياسي في مجلس الوزراء، وآخر حربي في مجلس الحرب، وثالث
مجتمعي مع أهالي الأسرى والمحتجزين، ورابع بين المتطرفين والأقل تطرفا، كما اتسع
نطاقها ووصل إلى خلافات حادة مع الشريك والممول الأول للحرب وهي أمريكا، وبات رئيس
الوزراء الصهيوني خطرا على مستقبل حاكم البيت الأبيض الأمريكي وحزبه في الانتخابات
المقبلة.
6- الحرب اليوم انتقلت إلى شوارع وميادين الدول الأوروبية
الكبرى الداعمة للكيان مثل ألمانيا وبريطانيا التي أعلن وزير خارجيتها ديفيد
كاميرون عن أنها تدرس الاعتراف بدولة فلسطين، وهو تطور جديد ولافت جدا، كما أن
موقف دولتي إسبانيا وبلجيكا في أوروبا يعتبر موقفا متقدما جدا ومختلفا مع الموقف
الأمريكي، ناهيك عن موقف البرلمان الأوروبي المطالب بوقف إطلاق النار (حرب الشعوب
أو الشوارع).
7- كل ذلك يعني أن حرب الشوارع لم تعد قاصرة على حمل السلاح
والقتال من بيت إلى بيت، بل هي حرب ضغط الشارع على الساسة والقادة العكسريين وهو
أمر جديد أيضا.
8- الحرب اليوم تشترك فيها المقاومة في لبنان والمقاومة
في العراق، وإذا دققت النظر فستجد أن العراق فيه قواعد عسكرية مثله مثل سوريا والأردن
والكويت وقطر والإمارات، ما يعني أن الجنود الأمريكان باتوا في مرمى نيران
المقاومة في المنطقة وهو أمر غير مسبوق.
9- الحرب اليوم وإن لم تشترك فيها جيوش عربية نظامية إلا أن القوات
غير النظامية قد شبّت عن الطوق وأصبحت ندا قويا؛ ليس لقوات الكيان الصهيوني بل
للقوة الأمريكية والبوارج والسفن الغربية في المنطقة. وأعتقد أن الحروب المقبلة
كلها ستكون حروب قوات غير نظامية أو مليشياوية إن صح التعبير، وهذا يعني أن هذه
الحروب ستكون خارج نطاق السيطرة وعصية على المحاسبة أيضا.
10- الحرب اليوم منتشرة في الصحافة والتلفزيونات وعبر
السوشيال ميديا بطريقة فضحت الممارسات الصهيونية والأمريكية الغربية ضد شعب أعزل،
وبدا واضحا أن الدعم الأمريكي السابق لدولة الكيان بات على المحك في مواجهة وعي
الشعوب ورفضها لما يجري (حرب الإعلام).
هي بالطبع غير كل الحروب السابقة، ونهايتها في رأيي المتواضع ستكون مختلفة عما قبلها حتى ولو تم وقف إطلاق النار في غزة، فالحرب لم تعد في غزة ولا في فلسطين وحدها، بل هي حرب متعددة الاتجاهات والدوافع والمحاور والمناطق
11- الحرب اليوم تتسع داخل المجتمعات العربية وخصوصا دول
الجوار الفلسطيني وغيرها، فأمام العجز والصمت أو ما يراه البعض خيانة وتآمرا زاد
الاحتقان وارتفعت الأصوات المنددة بالنظم والمطلبة برحيلها أو تعديل سلوكها المؤيد
لدولة الكيان أو الصامت عن فعل أي شيء لوقف عدوانها، ما وضع هذه النظم أمام خيارات
محدودة وصعبة؛ فإما التجاوب ولو بشكل بسيط مع الشعوب أو الصدام الحتمي القادم بلا
محالة وإن تأخر.
12- الحرب اليوم ليست فقط إقليمية بمعنى أن نطاقها داخل الإقليم،
بل هي قيد التطور وربما تتسع لتكون قارية بامتياز أو حتى عالمية بعد أن تقدمت دولة
جنوب أفريقيا بشكواها التي قبلتها محكمة العدل الدولية الجمعة الماضية، مما شجع
دولا أخرى خارج القارة مثل كولومبيا وبوليفيا في أمريكا اللاتينية على تكرار
النموذج بالشكوى أمام محكمة الجنايات الدولية.
الحرب اليوم غير قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وهي
بالطبع غير كل الحروب السابقة، ونهايتها في رأيي المتواضع ستكون مختلفة عما قبلها
حتى ولو تم وقف إطلاق النار في غزة، فالحرب لم تعد في غزة ولا في فلسطين وحدها، بل
هي حرب متعددة الاتجاهات والدوافع والمحاور والمناطق. الحرب اليوم جمعت الشعوب
ووحدت الأمم وفرقت الأعداء، وأيقظت الضمير الإنساني الذي كان مخدرا بشعارات وهمية
مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان الذي خرج ويخرج من تحت الركام ليرى بنفسه أن من
يقتله هو ذاته من يرفع شعار حماية حقوق الإنسان.