يعتبر قرار إنشاء وكالة وغوث وتشغيل
اللاجئين
الفلسطينيين (
الأونروا) من قبل الأمم المتحدة في عام 1949، وانتشار خدماتها عام
1950 في خمس مناطق عمليات، اعترافا أمميا بقضية اللاجئين الفلسطينيين، وتاليا شاهدا
أساساي على عمليات الطرد والإبادة الجماعية عبر عشرات المجازر المرتكبة والموثقة، التي قامت بها العصابات الصهيونية وإسرائيل وجيشها الذي كانت نواته من تلك
العصابات، وأدت نكبة عام 1948 إلى طرد 850 ألف فلسطيني، كانوا يشكلون في العام
المذكور 61 في المائة من إجمالي عدد الفلسطينيين في وطنهم آنذاك، والمقدر بمليون و400
ألف فلسطيني.
مخرجات الإبادة الجماعية
تعد قضية اللاجئين الفلسطينيين من أهم مخرجات الإبادة
الجماعية، وباتت القضية الدولية الأطول عمرا خلال التاريخ المعاصر بين قضايا اللجوء
في العالم، رغم أن المجتمع الدولي أقر عام 1948 ضرورة وجوب عودتهم إلى ديارهم، كحق
ثابت من حقوقهم في تقرير مصيرهم. وفي 8 كانون الأول/ ديسمبر 1949 ولدت الأونروا، بموجب
قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302، وبدأت مزاولة أعمالها في الأول من أيار/
مايو 1950، بغية توفير الخدمات الإغاثية والصحية والتعليمية للاجئين الفلسطينيين في
59 مخيما، أنشئت لأجلهم في الأردن وسوريا ولبنان والضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع
غزة، ويعيش نحو ثلث اللاجئين بشكل عام في
المخيمات.
المعطيات المدونة والموثقة في سجلات الأونروا، يجب أن تكون بحوزة محكمتي العدل والجنائية الدوليتين، ومن شأن تلك الوثائق أن تكون دالة دامغة على ارتكاب إسرائيل وجيشها وقادتها عمليات إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني، حيث بات الطريق ممهدا لإدانة إسرائيل ومعاقبتها في نهاية المطاف.
يشكل اللاجئون الفلسطينيون المقيمون في الضفة الغربية والمسجلون
لدى الأونروا، ما نسبته 17 في المائة من إجمالي اللاجئين المسجلين لدى الوكالة، ويشكلون
نحو 26 في المائة من سكان الضفة. أما في قطاع غزة، فبلغت نسبتهم 25 في المئة من إجمالي
اللاجئين المسجلين في الأونروا، ويشكلون 76 في المائة من إجمالي سكان القطاع البالغ
2.3 مليون فلسطيني خلال العام الجاري (2024).
أما على مستوى الدول العربية، فقد بلغت نسبة اللاجئين الفلسطينيين
المسجلين لدى الوكالة في الأردن 39 في المائة من إجمالي عدد اللاجئين المسجلين في
الأونروا، في مقابل 9 في المائة في لبنان، وذات النسبة في سوريا.
ومن الأهمية الإشارة إلى أن حوالي 42 في المائة من مجمل السكان
في قطاع غزة وفي الضفة الغربية بما فيها القدس؛ هم من لاجئي عام 1948. هذه
المعطيات المدونة والموثقة في سجلات الأونروا، يجب أن تكون بحوزة محكمتي العدل
والجنائية الدوليتين، ومن شأن تلك الوثائق أن تكون دالة دامغة على ارتكاب
إسرائيل
وجيشها وقادتها عمليات إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني، حيث بات الطريق ممهدا لإدانة
إسرائيل ومعاقبتها في نهاية المطاف.
أرشيف ثري
زرت خلال عقد التسعينيات أكثر من مرة مركز التطوير في الأونروا
في دمشق، الذي كان مقره في منطقة الحجر الأسود إلى الجنوب الغربي من مخيم اليرموك،
وقد ساعدني المشرف على قسم التوثيق والمكتبة، الأخ الأستاذ الباحث كمال جبر، الذي
يقيم في السويد حاليا، واستطعت تصوير عشرات الوثائق الفلسطينية والاحتفاظ بها في
بيتي الكائن في مخيم اليرموك حتى عام 2012، وقد تضمنت صور كواشين ملكية للاجئين
الفلسطينيين في سوريا، تؤكد امتلاكهم لعقارات وأراضٍ في فلسطين، وكذلك وثائق ضريبية
عن الممتلكات، فضلا عن صور لصحف ودوريات كانت تصدر في فلسطين قبل نكبة عام 1948. وتمّ
الحصول على تلك الوثائق من خلال حملة قامت بها الأونروا في 120 مدرسة لجمع آلاف
الوثائق من ذرية اللاجئين وتجميعها في مركز التطوير.
وقد تكون الأونروا عممت فكرتها المذكورة في مناطق
عملياتها الخمس للحصول على مزيد من الوثائق؛ لإضافتها إلى أرشيف الأونروا الخاص
بها من الصور والمقتنيات التي تؤرخ لقضية اللاجئين الفلسطينيين والنكبة الكبرى. وطبعا
لنشاطها باتت الأونروا تمتلك أرشيفا ضخما سمعيا وبصريا يضم أكثر من نصف مليون مادة،
من صور "النيجاتيف" والصور المطبوعة والشرائح المصورة والأفلام وأشرطة
الفيديو، التي تغطي جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية للاجئين الفلسطينيين من
الرجال والنساء والأطفال، داخل المخيمات والتجمعات التي انتشرت في المنطقة
العربية، وذلك منذ بدايات النكبة الفلسطينية سنة 1948.
وبشكل عام، استطاعت الأونروا جمع وتوثيق 430 ألف صورة
فوتوغرافية، وكذلك عشرة آلاف صورة مطبوعة، إلى جانب صناعة 85 ألف شريحة عرض وخمسة
وسبعين فيلما وثائقيا، فضلا عن 1190 شريط فيديو، وقامت الأمم المتحدة للتربية
والعلم والثقافة "اليونسكو" خلال عام 2009، بإدراج توثيق الأونروا
للاجئين ونكبتهم وحياتهم في المخيمات ضمن ذاكرة العالم، في اعتراف أممي بقيمته
التاريخية. وبغرض الحفاظ على الوثائق كافة من التلف مع مرور الوقت، قامت وكالة
"الأونروا" بإنجاز مشروع الرقمنة (الديجيتال) والإعلان عنه مطلع آذار/ مارس
2022، ليس فقط لإنقاذ المواد الموثقة والمؤرشفة بشكل علمي، بل لكونه مصدرا مهما
يؤرخ لتاريخ فلسطين ونكبة عام 1948 وحياة اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات، التي
كانت وما تزال شاهدا دولي على عمليات الإبادة الجماعية التي قامت بها إسرائيل،
ولهذا فإن المخيمات الفلسطينية خزان للثورة المستمرة حتى النصر والعودة إلى الوطن.
المخيمات
تعد المجازر التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في قطاع
غزة والضفة الغربية بما فيها القدس على مدار الساعة منذ تشرين الأول/ أكتوبر
الماضي، وخاصة في المخيمات القائمة هناك؛ امتدادا لمجازرها المرتكبة بحق الشعب
الفلسطيني منذ عام 1948 وقبله، في وقت تأكد فيه أن المخيمات الفلسطينية المنتشرة
في إطار مناطق عمليات الأونروا الخمس، شواهد دامغة على عمليات الإبادة التي قامت
بها إسرائيل، حيث احتضنت تلك المخيمات اللاجئين الفلسطينيين الذين فروا من المجازر
الصهيونية والإسرائيلية خلال عام 1948.
وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا وسجلاتها ووثائقها، تعد الشاهد الدولي على نكبة 1948 ومسؤولية إسرائيل عن عمليات طرد الفلسطينيين والسيطرة على ديارهم وأرضهم وممتلكاتهم، وهذا يعد بحد ذاته عملية إبادة جماعية مكتملة الأركان. ولأن الأونروا وأرشيفها وسجلاتها، شواهد أممية على عمليات الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل، سعت وتسعى الدولة المارقة منذ اتفاقيات أوسلو مع أمريكا إلى شطبها وتغييبها بغرض طمس الحقيقة.
رغم تراجعها، تتنوع الخدمات التي تقدمها الأونروا للاجئين
المسجلين لديها، ما بين التعليم والصحة والإغاثة والخدمات الاجتماعية، وتغطي كل المخيمات
الفلسطينية التي تتعرف بها، والبالغ عددها 58 مخيما، تلك المخيمات التي تنتشر
جغرافيا بواقع 12 مخيما في لبنان و10 في الأردن و9 في سوريا و27 في الأراضي الفلسطينية،
بواقع 19 مخيما في الضفة الغربية و8 في قطاع غزة الذي لا تتجاوز مساحته 364 كيلومترا مربعا. كما تدير الأونروا نحو 900 منشأة بين مدرسة وعيادة صحية ومركز تدريب مهني، يعمل
فيها حوالي 30 ألف موظف وموظفة في مناطق عمليات الوكالة في كل من الأردن ولبنان وسوريا
والضفة الغربية وقطاع غزة؛ الذي سقط فيه العشرات من موظفيها بين شهيد وجريح.
هناك 703 مدارس، ما يعني أن البرنامج التعليمي الذي تديره
الأونروا يعد من أكبر برامج الوكالة، ويستحوذ على أكثر من نصف ميزانيتها المقدرة
بنحو مليار 200 مليون دولار سنويا. ويعد قرار إنشاء الأونروا من قبل الأمم المتحدة
في عام 1949، وانتشار خدماتها في عام 1950 واستمرارها حتى العام الجاري 2024، اعترافا
أمميا بقضية اللاجئين الفلسطينيين ونكبتهم الكبرى، كنتيجة مباشرة لإنشاء إسرائيل
على حساب وطنهم وممتلكاتهم.
ومن نافل القول، أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين
الفلسطينيين الأونروا وسجلاتها ووثائقها تعد الشاهد الدولي على نكبة 1948
ومسؤولية إسرائيل عن عمليات طرد الفلسطينيين والسيطرة على ديارهم وأرضهم وممتلكاتهم،
وهذا يعد بحد ذاته عملية إبادة جماعية مكتملة الأركان. ولأن الأونروا وأرشيفها
وسجلاتها شواهد أممية على عمليات الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل، سعت
وتسعى الدولة المارقة منذ اتفاقيات أوسلو مع أمريكا إلى شطبها وتغييبها بغرض طمس
الحقيقة، وتاليا تغييب شاهد دولي على الإبادة الجماعية التي قامت بها إسرائيل.