في نيسان 1998 أعلن كل من جورج بوش وتوني بلير
العراق
دولة مارقة خارجة عن القانون، يقودها "متقمص لهتلر" (بحسب تعبيرهما) وأن
على حراس النظام العالمي احتواء تلك الدولة المارقة.
وبتاريخ 9 نيسان/ أبريل 2003 كان أول ما فعله جورج بوش
بمجرد علمه بسقوط بغداد أن اتصل من على ظهر حاملة طائرات أمريكية متجهة للمنطقة؛
بنتنياهو مبشرا ومباركا بسقوط بغداد وإتمام تنفيذ المهمة.
تهمة الدولة المارقة كانت قد كلفت الشعب العراقي
اليتيم ما يقارب المليونين ونصف المليون ضحية، عدا عن تحويل العراق لدولة فاشلة
بعد تسليمها لإيران وإقامة نظام "2 ضد 1" على يد بريمر، الحاكم الأمريكي
للعراق الذي لم يجد عنوانا للعرب السنة (كفئة عرقية ودينية) للمشاركة بالعملية
السياسية، وما زال العنوان مجهولا والجرح يُنكأ.
وبطبيعة الحال لحقت بالعراق باقي دول جوار
إسرائيل
الواحدة تلو الأخرى؛ سوريا بما يقارب المليون ضحية وتشريد أكثر من نصف السكان مع
فرض التقسيم كأمر واقع، بالإضافة لبقاء "ملك ملوك إسرائيل" في سدة الحكم
فيها، ولا ننسى مصر التي قلب فيها العسكر رأس المجن على صندوق الانتخاب وأسدلوا
الستار على بصيص الأمل بالمشاركة السياسية في الحياة العامة والتداول السلمي على
السلطة؛ والذي جاء تتويجا لنضال المصريين الشجعان على مدى عشرات السنين تحت نير
حكم العسكر الطويل الأمد. ولبنان الذي كان منارة الشرق تحول إلى أفشل وأقبح دولة في
الشرق الأوسط، بعد تنصيب حزب الله العابر للحدود قيّما عليه بقرار دولي غير معلن.
النتيجة التي لا بد من مواجهتها أن إسرائيل بوضعها الراهن لا تتحمل دولة قابلة للحياة على حدودها، والانصياع الغربي والأمريكي الأعمى لمشيئة الطبقة الحاكمة المتطرفة في تل أبيب خلّف كوارث وعذابات لا نهاية لها لشعوب دول الجوار، عدا الانهيار التام لمنظومة الحريات العامة وحقوق الإنسان
والنتيجة التي لا بد من مواجهتها أن إسرائيل بوضعها
الراهن لا تتحمل دولة قابلة للحياة إلى جوارها، والانصياع الغربي والأمريكي الأعمى
لمشيئة الطبقة الحاكمة المتطرفة في تل أبيب خلّف كوارث وعذابات لا نهاية لها لشعوب
دول الجوار، عدا الانهيار التام لمنظومة الحريات العامة وحقوق الإنسان.
في عام 2005 أصدرت الأمم المتحدة القرار 60/7 والذي
أوجبت بموجبه على كل العالم أن يحتفي بذكرى المحرقة الألمانية لليهود، وفرضت يوم
27 كانون الثاني/ يناير من كل عام موعدا لإحياء هذه الذكرى.
لكن هذه العام وقبل يوم واحد من موعد إحياء ذكرى
المحرقة حدث ما لم يكن بالحسبان، فقد أصدرت محكمة
العدل الدولية قرارا أعلنت فيها
اختصاصها للنظر في القضية المرفوعة من دولة جنوب أفريقيا على إسرائيل بتهمة اقتراف
جرائم إبادة جماعية، وطالبت إسرائيل بوقف أعمال الإبادة في
غزة.
إعلان محكمة العدل الدولية اختصاصها للنظر في الدعوى
بموجب المادة 9 من معاهدة منع الإبادة الجماعية ومطالبة إسرائيل بوقف الإبادة؛
يعني إهدار جميع الدفوع التي تقدم بها المحامون الإسرائيليون، سواء لجهة عدم
اختصاص المحكمة على اعتبار أن جنوب أفريقيا ليست طرفا فيي النزاع، أو لجهة أن
الجرائم التي أقدم عليها الجيش الإسرائيلي كانت دفاعا مشروعا عن النفس، أو لجهة أن
تلك الجرائم لا ترقى لمستوى جرائم الإبادة، أو لجهة أن الإبادة الجماعية علامة
فارقة مميزة ومسجلة باسم اليهود والمحرقة.
وهكذا أسبلت أعلى محكمة دولية في العالم وصف الإبادة
الجماعية على الأفعال الجرمية التي أقدمت عليها إسرائيل في غزة بحق الشعب
الفلسطيني على مدى الأشهر الأربعة المنصرمة، ذلك أن المادة 9 من الاتفاقية تنص على
اختصاص محكمة العدل الدولية في كل ما يتعلق بتفسير أو تطبيق اتفاقية حظر الإبادة
الجماعية، بما في ذلك النزاعات المتصلة بمسؤولية دولة ما عن إبادة جماعة عرقية أو
دينية، وعن كل ما يتعلق بتحديد الأفعال التي تعتبر أفعال إبادة جماعية.
السؤال المطروح الآن ما هي الخطوة التالية وماذا علينا
أن نفعل؟
أولا: فيما يتعلق بأوصاف الاشتراك الجرمي بالإبادة
الجماعية المنسوب للولايات المتحدة الأمريكية، فقد تم تحريك الدعوى العامة في
ولاية كاليفورنيا من قبل مركز الدفاع عن الحقوق الدستورية والقانونية بحق كل من
الرئيس جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، على اعتبار أن أمريكا وقعت على
اتفاقية حظر الإبادة الجماعية مع تحفظ بأن تتم محاكمة الأمريكيين المنسوب لهم هذا
الجرم الشنيع داخل أمريكا لا خارجها.
ثانيا: تنص المادة 5 من الاتفاقية على أن تتعهد الدول
الأطراف المتعاقدة أو الموقعة على الاتفاقية على أن تتخذ التدابير التشريعية
اللازمة لضمان إنفاذ أحكام هذه الاتفاقية، وبالأخص النص على عقوبات جنائية ناجعة
تنزل بمرتكبي هذه الجريمة، وبالتالي فإنه على دول العالم الانضمام لدولة جنوب
أفريقيا في القضية المنظورة أمام محكمة العدل الدولية بالإضافة لاتخاذ إجراءات
تشريعية بحق مقترفي تلك الجريمة (قطع العلاقات الدبلوماسية، سحب السفراء.. إلخ).
ثالثا: بموجب المادة 8 من الاتفاقية لأي من الأطراف
المتعاقدة أن تطلب من أجهزة الأمم المتحدة المختصة اتخاذ ما تراه مناسبا من
التدابير لمنع وقمع أفعال الإبادة الجماعية، وبالتالي على دولة جنوب أفريقيا أن
تلجأ لمجلس الأمن باعتباره (مع الأسف) مسؤولا عن حفظ السلم والأمن الدوليين، لكن وباعتبار
أن أحد أعضاءه الدائمي العضوية متهم بالاشتراك بذات الجرم ويحاكم الرئيس ووزير
الخارجية حاليا أمام محاكم كاليفورنيا، فمن غير الممكن أن تجمع الولايات المتحدة
الأمريكية بين صفتي المتهم والحكم في ذات الوقت، لذلك وجب اللجوء بمثل هذه الحالة
لصيغة "الاتحاد من أجل السلام" وإحالة الملف برمته للجمعية العامة للأمم
المتحدة، أسوة بما حدث إبان التصويت الروسي بموضوع أوكرانيا.
آن الأوان وبعد ستة وعشرين عاما من إعلان جورج بوش وتوني بلير العراقَ دولة مارقة بإرادة منفردة منهما، أن نعلن نحن شعوب الأرض المحبة للسلام والساعين للحرية والديمقراطية والمساواة بين البشر؛ بأن إسرائيل هي الدولة الوظيفية المارقة وليس العراق العظيم، لكن هذه المرة ليس بإرادة منفردة من طغاة متجبرين ذوي أيدي ملطخة بالدم والذين زعموا في لحظة تاريخية مخزية من عام 1998 أنهم حماة النظام العالمي الذي تبين أنه مفعم بالظلم والتحييز، وإنما بحكم صادر عن أعلى مرجعية قضائية معترف بها دوليا
وفي مثل هذه الحالة تحل الجمعية العامة للأمم المتحدة
محل مجلس الأمن الدولي، وبالتالي فمن المفترض أن القرار الصادر عن الجمعية العامة
لا يحمل صفة التوصية وإنما الإلزام بموجب الفصل السابع، على اعتبار أن الجمعية
العامة حلت محل مجلس الأمن من جهة، ولأننا بمواجهة إصدار تدابير تمنع جريمة إبادة
جماعية تحدث الآن تحت سمع العالم وبصره، وبالتالي فمن المفترض أن تتخذ بمواجهتها
تدابير حاسمة.
رابعا: المادة 8 من الاتفاقية أوجبت على الأطراف
المتعاقدة أن تطلب من أجهزة الأمم المتحدة المختصة اتخاذ ما تراه مناسبا من
التدابير لمنع وقمع أفعال الإبادة الجماعية، وعليه فقد آن الأوان لتقديم طلب من
دولة جنوب أفريقيا وبقية الدول الموقرة المنضمة للادعاء العام إلى جانب جنوب
أفريقيا؛ للأمين العام للأمم المتحدة لتعديل مكانة دولة الاحتلال الإسرائيلي من
دولة عضو بعضوية ناقصة (على اعتبارها لم تقم بتنفيذ شروط قبولها كعضو دائم بالأمم
المتحدة والتي منها) احترام الوضع الخاص بالقدس، التقسيم، عودة اللاجئين، وقف
الاستيطان.." إلى مراقب حالها كحال دولة فلسطين اليوم، وبذلك نكون قد خطونا
الخطوة الأولى باتجاه علاج عقدة التفوق الاستعلائي لدى الفئة الفاسدة الحاكمة في
تل أبيب.
خامسا: وهي الأهم، لأنها تتعلق بإصلاح حركة التاريخ. فقد
آن الأوان وبعد ستة وعشرين عاما من إعلان جورج بوش وتوني بلير العراقَ دولة مارقة
بإرادة منفردة منهما، أن نعلن نحن شعوب الأرض المحبة للسلام والساعين للحرية والديمقراطية
والمساواة بين البشر؛ بأن إسرائيل هي الدولة الوظيفية المارقة وليس العراق العظيم،
لكن هذه المرة ليس بإرادة منفردة من طغاة متجبرين ذوي أيدي ملطخة بالدم والذين
زعموا في لحظة تاريخية مخزية من عام 1998 أنهم حماة النظام العالمي الذي تبين أنه
مفعم بالظلم والتحييز، وإنما بحكم صادر عن أعلى مرجعية قضائية معترف بها دوليا بما
يعبر عن ضمير ووجدان الإنسانية وفي لحظة تاريخية مدعاة للفخر والاعتزاز.