نشرت صحيفة "
موند أفريك" الفرنسية
تقريرًا، تحدثت فيه عن دور دولة
الإمارات العربية المتحدة في إقليم
شرق أفريقيا،
حيث تمارس نفوذًا واسعًا في السودان وإثيوبيا واليمن.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته
"عربي21"، إن شرق أفريقيا (السودان وإثيوبيا واليمن)، الذي غالبًا ما
يتجاهله المجتمع الدولي، متروك لطموحات الإمارات، التي تعتمد على المليشيات
المسلحة دون هوادة، بما في ذلك قوات الدعم السريع التابعة للجنرال السوداني
المتمرد محمد حمدان دقلو، المعروف باسم "
حميدتي".
وأوردت الصحيفة أن الضربات التي شنها الأمريكيون
ضد الحوثيين في اليمن، والحرب على غزة وسقوط آلاف الشهداء، حجبت الثغرات التي تهز
شرق أفريقيا من ليبيا إلى البحر الأحمر.
وأبرزت الصحيفة أن العملية الجوية البحرية واسعة
النطاق التي قام بها الأنجلو-أمريكيين ضد الحوثيين في اليمن لا يمكن أن تجعلنا
ننسى الضربات القاتلة التي تعرض لها هؤلاء الانفصاليون من قبل السعوديين
والإماراتيين.
في هذه الحرب التي تم تجاهلها منذ فترة طويلة،
تمكنت الإمارات من الاعتماد على مليشيات الجنرال السوداني "حميدتي".
وكقائد لمليشيات "قوات التدخل السريع"، يقف "حميدتي" وراء
عشرات الآلاف من القتلى في دارفور وتشاد منذ سنة 2003، والمذبحة التي ارتكبت بين
سنتي 1997 و2000 ضد السكان المدنيين في اليمن، وأخيرا "حرب الجنرالات"
التي جعلت السودان في حالة من الفوضى منذ نيسان/ أبريل 2023.
وأشارت الصحيفة إلى أن الكثير من التدخلات
الوحشية التي قام بها "الجنرال المجرم" لم تكن ممكنة إلا بفضل الدعم المالي
والدبلوماسي الهائل من دولة الإمارات، التي أصبحت خبيرة في فن ممارسة الحرب
بالوكالة.
إثيوبيا حليفة
الإماراتيين
لم يقتصر الأمر على قيام الإماراتيين بتقديم
بيادقهم في السودان؛ حيث فشل الإثيوبي آبي أحمد علي، الذي أثار الكثير من الآمال
بوصوله إلى منصب رئيس الوزراء سنة 2018 على رأس ثاني أكبر دولة في أفريقيا من حيث
عدد السكان، في انتخابه مرة أخرى وتعزيز سلطته، ما تسبب في وفاة ما بين 500 ألف
ومليون شخص في سنة 2018 في مقاطعة تيغراي. ولم تكن هذه الانتهاكات ممكنة إلا بفضل
الدعم بالسلاح والمساعدات من قبل محمد بن زايد، الذي يحكم الإمارات.
وسمحت الضمانة الإماراتية لرئيس الوزراء
الإثيوبي بإبادة مئات الآلاف من المدنيين دون أدنى عقوبة من الغرب. ومؤخرا، قام
البنك الدولي بصرف 135 مليون دولار أمريكي لتزويد المناطق النائية في البلاد
بالكهرباء. كما تم أيضا التكفل بسد إثيوبيا الضخم، الذي يهدد دول المصب، بما في
ذلك مصر.
سباق حميدتي إلى البحر
الأحمر
وبفضل الدعم الثلاثي من الإمارات وإثيوبيا
وتشاد، أصبح للجنرال حميدتي الآن مطلق الحرية في محاولته، إن لم يكن للاستيلاء على
السلطة في السودان، فإنه على أي حال، لتقسيم بلد مستنزف بشكل كبير.
والجدير بالذكر أن حوالي 40 ألف رجل من قواته،
التي تم حشدها في اليمن، عادوا إلى بلادهم، ويحاولون منذ نيسان/أبريل 2023 هزيمة
الجيش النظامي للجنرال عبد الفتاح البرهان وأجهزة المخابرات الموروثة من دكتاتورية
عمر البشير.
وهكذا أصبح "حميدتي" لاعبًا جيوسياسيًّا
حاسما في شرق أفريقيا، على الرغم من جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان المسجلة
على مدى العقد الماضي.
والآن، استولت "قوات التدخل السريع"
التابعة لحميدتي، على غرب السودان وكل الخرطوم تقريبا. ويتجهون الآن نحو الشرق،
وسيطروا في نهاية سنة 2023 على مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة.
علاوة على ذلك؛ من الممكن أن تتمكن هذه
الميليشيات العنيفة للغاية، المدعومة من حلفائها الإماراتيين، من الوصول إلى البحر
الأحمر قريبا والاستثمار في بورتسودان. ويتناسب هذا تمامًا مع إستراتيجية محمد بن
زايد المستمرة للسيطرة على الموانئ الأفريقية والعربية، على الرغم من الفشل الذي
تعرض له في جيبوتي؛ حيث سيطر الصينيون على منشآت الموانئ من خلال إقامة قاعدة
عسكرية.
العلاقة بين حفتر
وحميدتي
في ليبيا، بدأت الإمارات تتصور هزيمة المشير
حفتر. وقد يسمح لهم هذا السيناريو بإعادة العديد من المقاتلين الليبيين الموالين
لهم إلى السودان لتعزيز هجوم "قوات التدخل السريع" التابعة للجنرال
حميدتي باتجاه المحيط الهندي.
وأضافت الصحيفة أن حفتر وحميدتي يرتبطان أيضا
بعالم تهريب الكبتاجون والذهب والمواشي والسيارات المسروقة. بالنسبة لحفتر، فإن
"انتصار قوات التدخل السريع" يوفر له الفرصة لإدامة دوره في هذا
الاقتصاد غير المشروع، الذي يعد أمرًا ضروريًّا في العلاقة بين ليبيا وتشاد
والسودان. في المقابل؛ قد يكون الوصول إلى بورتسودان بديلًا لفقدان الساحل الليبي،
الذي يتم مراقبته بشكل متزايد من قبل الطائرات العسكرية الحكومية من طرابلس.
إريتريا معزولة وإيران
بالمرصاد
من جانبه؛ لا يرى الرئيس الإريتري أسياس أفورقي،
الذي تم الاعتراف به من قبل الرئيس الأمريكي بيل كلينتون في التسعينيات من بين
"قادة النهضة" في القارة الأفريقية، والذي أصبح ديكتاتورًا شرسا،
بالضرورة أنّ تقدم الإمارات نحو البحر الأحمر أمرًا جيدًا.
ولكن كيف يمكن التصرف في ظل التنافس الداخلي
المتزايد على السلطة في أسمرة؟
بالتالي، هي عالقة بين إثيوبيا، التي تم التوقيع
معها على اتفاق سلام هش بعد الحرب على الحدود الدموية بين سنتي 1998 و2000،
والجارة السودانية القوية، ولا تستطيع إريتريا الصغيرة أن تخاطر بالقتال على هذه
الجبهات، بينما يسعى جزء من شبابها إلى الفرار من البلاد.
فقط إيران، التي تحافظ على دعمها للحوثيين في
البحر الأحمر، يمكنها التأثير على نتائج الحرب الأهلية السودانية، حيث يدرك
الجنرال عبد الفتاح البرهان، الزعيم الحالي "للانتقالي" في السودان،
جيدًا أن مرشدي طهران لوحدهم هم الذين ما زالوا قادرين على مساعدته في قلب توازن
القوى في مواجهة تمرد منافسه الجنرال حميدتي.
ولهذا السبب؛ أعاد العلاقات الدبلوماسية مع
إيران في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 قبل أن يتوجه إلى السعودية في تشرين الثاني/نوفمبر
لطلب المساعدة مرة أخرى.
هؤلاء الحلفاء أصبحوا
أعداء
وهكذا، ترى كل من السعودية والإمارات أن الحرب
تشكل فرصة لتوسيع نفوذهما في المنطقة. من جهتهم؛ يدعم السعوديون حكومة عبد الفتاح
المعترف بها دوليًّا، بينما يميل الإماراتيون نحو زعيم المتمردين والرجل الثاني
السابق في النظام.
من جانب آخر، لا يأمل العاهل الإماراتي في تحقيق
نصر كامل "لقوات الدعم السريع"، وهو أمر غير محتمل على أي حال، نظرًا
لقوة وشرعية عبد الفتاح. لكن السيناريو المحتمل سيكون مشابها للوضع في ليبيا، حيث
تتصارع مجموعات متنوعة من أجل مناطق النفوذ على مساحة شاسعة من الأراضي في حالة من
"لا حرب ولا سلام" ، حيث سيكون السكان المدنيون في شرق أفريقيا أول
ضحاياها.