نشر موقع
مركز البحوث التركي مقال رأي للكاتب سرهات أوراكشي سلط فيه الضوء على الوضع في
السودان والتحديات التي يواجهها.
وقال الكاتب، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن السودان يشهد صراعًا داخليًا عنيفًا بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ نيسان/ أبريل الماضي. وقد فشلت وساطة كل من الولايات المتحدة والسعودية في إنهاء الصراع، ولم يتمكّن كل من الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية للتنمية من التوصل إلى حلول فعالة. ونتيجة لذلك، ساءت الأوضاع الإنسانية للسودانيين مع استمرار الصراع الداخلي.
بالنظر إلى التوازن العسكري-السياسي في السودان، توجد صورة معقدة وصعبة الحل في الواقع. فبعد 8 أشهر من محاولات الجيش قمع تمرد قوات الدعم السريع، أصبح الجيش أكثر وضوحًا في رد فعله على العقل الاستراتيجي الخفي الذي يقف وراء التمرد، وهو الإمارات العربية المتحدة.
يتحدّث مسؤولو الجيش في تصريحاتهم عن شحنات الأسلحة التي يتم تسليمها لقوات الدعم السريع عبر تشاد. كما تستخدم الجهات التي تمثل الدولة لغة تحذير صارمة تجاه الفاعلين الخارجيين الذين يفتحون المجال العسكري أو الدبلوماسي لقوات الدعم السريع، ويستقبلون زعيم قوات الدعم السريع بحفاوة.
ورغم الخسائر الاستراتيجية الكبيرة التي تكبدها الجيش، فإن أهم عامل يمكّنه من البقاء هو تفوقه الجوي. ويمكن للجيش، للأسف، الحفاظ على مواقعه بفضل القصف الذي يتسبب في خسائر في صفوف المدنيين.
مع ذلك، لم تكن الأشهر الأخيرة مشرقة للغاية بالنسبة للجيش المدعوم من مصر. بشكل عام، يمثل الوضع في غزة عقبةً مهمة بالنسبة للسودان والجيش. فمصر، التي تحيط بها الصراعات من ثلاث جهات (ليبيا-السودان-فلسطين)، بدأت في إهمال السودان لأنها ركزت انتباهها على الحدود مع غزة.
أما قوات الدعم السريع، فهي تتبع في الأيام الأخيرة مسارًا أكثر نشاطًا، فقد استولت على ولاية الجزيرة، وهي موقع عسكري هام، بينما تحافظ على تفوقها في أربع من ولايات
دارفور الخمس. وفي ولاية الخرطوم، تستمر المواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع. وبدأت قوات الدعم السريع في إطلاق الصواريخ من مدينة مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، إلى الجنوب والشرق.
وذكر الكاتب أنه في حال وقوع مدن مثل كسلا والسنار في أيدي قوات الدعم السريع، فإن ذلك سيجعل الحدود مع إثيوبيا غير آمنة. ويبدو أن الاستراتيجية المحتملة لقوات الدعم السريع هي السيطرة على الحدود مع إثيوبيا من أجل الحصول على الدعم اللوجستي الخارجي.
في المقابل، تُعد ولاية الجزيرة العمود الفقري لزراعة السودان واقتصاده القائم على الزراعة. وفي الولاية، التي تقع في حوض خصب، تضطر القرى إلى الاتفاق مع قوات الدعم السريع أو حتى تقديم جنود لها من أجل ضمان أمنها. وتستمر قوات الدعم السريع في ممارسة سياستها المعتادة في النهب في هذه الولاية، حيث تقوم بنهب مخازن الأغذية التابعة للأمم المتحدة والممتلكات المدنية. وكانت الولاية حتى الآن ملاذاً آمناً لمن يغادرون الخرطوم، ولكن هذا لم يعد ممكناً. كما أن سيطرة قوات الدعم السريع على الخط الممتد من دارفور إلى الجزيرة يعني ضعف اتصال الخرطوم بالمناطق الجنوبية وخروج مناطق الحدود مع إثيوبيا عن السيطرة.
وأشار الكاتب إلى أن مقاتلي قوات الدعم السريع، الذين قاموا بعمليات دموية في دارفور، ارتكبوا جرائم تطهير عرقي ضد السكان المحليين، حيث قتلوا من بقي منهم وأجبروا البقية على النزوح. وقد سيطرت قوات الدعم السريع على أربع مناطق من دارفور باستثناء الفاشر. وتحوّل المناخ إلى حسابات قبلية، مما جعل الوضع خطيرًا للغاية على المجموعات العرقية المختلفة غير العربية التي تعيش في دارفور.
العملية الدبلوماسية
في الوقت الذي كانت تجري فيه الأحداث العسكرية، اتجهت قوات الدعم السريع أيضًا إلى عملية دبلوماسية. فقد قام محمد حمدان دقلو، الذي أُقيل من منصبه الثاني في المجلس السيادي، بزيارة دول الجوار محميًا بحصانة أمنية مقدمة من الإمارات العربية المتحدة، ويعرض صورة مؤيدة للسلام. في هذا الإطار، قام قائد قوات الدعم السريع الملقب بـ "
حميدتي" بجولة أفريقية واسعة شملت غانا وأوغندا وإثيوبيا وكينيا وجيبوتي وجنوب أفريقيا ورواندا.
وذكر الكاتب أن هذه الجولة الدبلوماسية كانت تطورًا بالغ الأهمية بالنسبة لحميدتي، على الرغم من ماضيه الإجرامي، حيث التقى بشخصيات مهمة في القارة مثل بول كاغامه وسيريل رامافوزا لمناقشة مستقبل السودان.
وبينما كان اجتماع حميدتي-بورهان وجهًا لوجه في جيبوتي، التي تشغل حاليًا رئاسة الهيئة الحكومية الدولية للتنمية، على جدول الأعمال مرة أخرى، كان من أهم محطات الجولة لقاء حميدتي مع التشكيلات المدنية السودانية في إثيوبيا. والتقى حميدتي بتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدّم) ووقّع مع رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، الذي يمثل هذه المجموعات، إعلانًا في أديس أبابا.
وأشار الكاتب إلى أن الإمارات العربية المتحدة وشركاءها يقفون وراء هذه المناورات الدبلوماسية لقوات الدعم السريع. وفي السنوات الأخيرة، اعترفت إثيوبيا، التي تتعاون بشكل وثيق مع الإمارات، بأرض الصومال التي لا تتمتع باعتراف دولي، وبدأت في محاولة فتح قاعدة عسكرية في ميناء بربرة. وتصبح الصورة المعقدة أكثر تعقيدًا عند النظر إلى علاقة الإمارات مع قوات الدعم السريع وتأثيرها في السودان.
دخول البلاد في دوامة "البلقنة"
أوضح الكاتب أن البلقنة هي استعارة جيوسياسية تشير إلى تقسيم بلد إلى أجزاء صغيرة. والسيناريو الأكثر خطورة الذي ينتظر السودان في حال عدم تمكن الأطراف من تحقيق التفوق وفشل مبادرات الوساطة هو دخول البلاد في دوامة البلقان.
وفي ظل وجود هيكل إداري يسيطر عليه الجيش ومؤيّدو النظام السابق الذين يدعمونه، من شمال الخرطوم إلى سواحل البحر الأحمر وصولاً إلى الحدود المصرية، وهيكل إداري يسيطر عليه قوات الدعم السريع والعناصر المدنية التي تتفق معها، من خط دارفور إلى كردفان وجنوب الخرطوم، وهيكل إداري عرقي آخر على خط كسلا وحدود جنوب السودان، يبدو أن السودان على شفا انقسام كامل. وبعد استقلال جنوب السودان في سنة 2011، يقف السودان الآن أمام احتمالين: إما إعادة تأسيس سيادته على الأراضي المتبقية أو التعرض لبلقنة مأساوية.