أثار إقرار مجلس النواب
المصري الأحد الماضي،
مشروع قانون "حماية المنشآت الحيوية" الذي يمنح ضباط القوات المسلحة
صلاحية الضبط القضائي، الانتقادات واعتبره البعض تغولا جديدا من
الجيش على صلاحيات
الشرطة ووزارة الداخلية، وعلى أدوار مأموري الضبط القضائي التابعين لوزارات العدل
والتموين.
ويحل القانون محل قانون "اشتراك القوات
المسلحة في مهام حفظ وحماية المنشآت الحيوية" لعام 2013، وقانون "تأمين
وحماية المنشآت العامة والحيوية" الصادر لعام 2014، وسط غليان مكتوم في الشارع المصري جراء تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد وتدهور الأحوال المعيشية إلى مستويات غير مسبوقة.
"الضبط القضائي"
ووفقا للقانون الذي تم إقراره بعد أسبوع من عرض
الحكومة له على
البرلمان، فإن القوات المسلحة تتولى معاونة أجهزة الشرطة والتنسيق
الكامل معها لتأمين وحماية المنشآت والمرافق العامة والحيوية مثل شبكات الكهرباء،
وخطوط أنابيب الغاز، وحقول النفط، والسكك الحديدية، والطرق، والموانئ، والكباري.
ويمنح القانون ضباط القوات المسلحة وضباط الصف
الذين يصدر بتحديدهم قرار من وزير الدفاع سلطة الضبط القضائي والصلاحيات المرتبطة
بها، والمقررة لمأموري الضبط القضائي وفقا لأحكام قانون الإجراءات الجنائية.
ما يعني وفق مراقبين، أن القانون الذي جرى
إقراره بجلسة واحدة للبرلمان ودون اعتراضات عليه، وفق مواقع محلية، منح أفراد
الجيش الحق في تفتيش المحال والمخازن والسيارات ومصادرة ما بها.
المثير، أن القانون يمنح رئيس الجمهورية أو من
يفوضه تحديد اﻷعمال التي تهدد "المقومات الأساسية للدولة ومقتضيات اﻷمن
القومي"، وهي العبارة التي رآها مراقبون مبهمة، ومطاطية وغير محددة المعالم،
وتفتح الباب لأي تغول من الدولة ومن الجيش على المؤسسات والأفراد.
"محاكمات عسكرية"
وفي جانب آخر، أقر البرلمان، في ذات الجلسة بعض
التعديلات على "قانون القضاء العسكري"، في تغيير نص على خضوع الجرائم
التي تقع على المنشآت والمرافق العامة والحيوية وجميع أنواع الخدمات التي تسري
عليها أحكام القانون، لاختصاص القضاء العسكري.
وقرر التعديل إخضاع مرتكبي جرائم السلع
التموينية للقضاء العسكري.
الأمر الذي رأى فيه مراقبون انتقاصا من أدوار
القضاء المدني والتغول على صلاحياته وسلطاته وتوسيعا لأدوار القضاء العسكري، ووضع
المدنيين تحت التصرف العسكري بالقبض والاعتقال، وتحت طائلة الأحكام العسكرية الصعبة
المراجعة.
خاصة أن القانون أشرفت عليه الذراع القانونية الشهيرة للجيش، مساعد وزير الدفاع للشؤون الدستورية والقضاء العسكري اللواء ممدوح
شاهين، مهندس أغلب القوانين طوال عهد السيسي.
ورأى حقوقيون في قانون "حماية المنشآت
الحيوية" وبنوده وتعديلات "قانون القضاء العسكري"، تغولا جديدا على
الحريات، خاصة مع منح الجيش صلاحيات قد تدفع قواته للتعامل الخشن مع المدنيين خلال
القبض عليهم وأثناء إحالتهم للمحاكمة العسكرية ذات الاختصاصات والنصوص والأحكام
غير المناسبة لمحاكمة المدنيين.
"احتراب أهلي"
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي استفز إقرار
قانون "تأمين وحماية المنشآت"، وتعديلات "قانون القضاء
العسكري"، العديد من المتابعين، الذين انتقدوا الأمرين وراحوا في استقراء ما
خلفهما من أهداف تخدم النظام وتضر بالمصريين.
وقال السياسي المصري، مجدي حمدان، إن
"إقحام الجيش من خلال قانون (حماية المنشأت)، ومنح أفراد الجيش الضبطية
القضائية وتفتيش المحلات والمخازن، هو صناعة لصدام بين الجيش والشعب ودخول البلاد
في حالة احتراب أهلي".
ووصف ضابط أمن الدولة السابق، هشام صبري،
القانون والتعديل بأنها "أحدث قوانين القرصنة المصرية"، معتبرا أنها
"قرصنة على ممتلكات المصريين"، مؤكدا أنها "مؤشر على حالة
الذعر عند السيسي، وأعوانه".
"إلى الطريق المحزن"
وفي رؤيته، قال السياسي المصري الدكتور عمرو
عادل: "من المهم أولا: تحديد الأوزان النسبية للقوة والسلطة في مصر، ومن
المهم إدراك أن القانون وربما الدستور في مصر يعبر فقط عن هشة التوازنات، فهو ليس
قيما مطلقة يحترمها الجميع".
رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري
المعارض، أضاف لـ"عربي21": "كذلك المؤسسات في مصر تعاني من ترهل
وعدم استقلالية وسيطرة من المؤسسة العسكرية وخاصة المؤسسات غير الأمنية، مثل
المؤسسات المالية والقضائية".
وتابع: "وتبقى المؤسسات الأمنية في صراع
قوة مع المؤسسة العسكرية؛ ولكن بعد انقلاب 3 يوليو الأخير، استسلمت المؤسسات
الأمنية للمؤسسة العسكرية وزاد توغل العساكر في سيطرتهم على هذه المؤسسات".
ويرى ضابط الجيش المصري السابق، أن "هذا
التوغل يُضعف المؤسسات مع طول الوقت، ويقلل من كفاءتها، ويقلل من قدرتها على الدخول
في صراعات السلطة".
وأكد أنه "مع غياب قواعد دستورية واضحة
تحدد مهام وحدود كل مؤسسة تصبح القوة هي الحكم، ويصبح من الطبيعي هيمنة القوة
الأكبر على كافة الأمور".
ويعتقد أنه "مع توقع خروج الأمر عن
السيطرة في مصر نتيجة الكثير من العوامل؛ تصبح حتمية سيطرة مؤسسة القوة الأعلى على
كل شيء في مصر طبيعيا للغاية"، متوقعا أن "يزداد هذا التوغل ليس فقط على
المؤسسات ولكن على الأفراد في كل الأمور".
وختم عادل، بالقول إن "رواية (1984)
للبريطاني جورج أورويل، ستصبح حقيقة إذا مددنا الخط على استقامته في مصر؛ فالتفرد
بالسلطة والفاشية المطلقة بمصر تغري السلطة بالمزيد من السيطرة، وربما الطريق
المتاح المحزن لمصر وشعبها الآن هو الدخول بفوضى عارمة، ربما لن ينجو منها أحد".
"انتقاص لحق المدنيين"
وفي تعليقه لـ"عربي21"، على القانون
والتعديلات، أشار السياسي المصري وليد مصطفى، إلى عدة نقاط أولها، أن "جملة
(أقر مجلس النواب) للقانون جملة غير صحيحة لأنه مجلس لا يُقر، وفقط ينفذ الأوامر".
عضو حزب "الوسط" المصري المعارض،
أضاف: "وثانيا، فإن محاكمة المدنيين بالمحاكم العسكرية ووفقا لقوانينها
مرفوضة تماما ومهما كان السبب، فالمدني لا يصح محاكمته عسكريا، ويحاكم فقط أمام
قاضيه الطبيعي".
ولفت إلى أنه "حتى لو كان الأمر متعلقا
بعمل عسكري، فيحاكم مدنيا، وإن جرى خلاف بينه وبين فرد ينتمي للمؤسسة العسكرية
وخارج مكان ووقت عمل فرد الجيش، فيجب أن تكون المحاكمة أمام قضاء مدني"،
مؤكدا أن "ما يحدث كارثة واعتداء على حق المدنيين".
وأشار ثالثا، إلى أن ذلك التعديل "ينزع من
صلاحيات ومهام القضاء المدني ويمنحها للقضاء العسكري"، معتبرا أنها "سبة
في وجه القضاء المصري الذي اعتادها، وظل صامتا لأكثر من 30 سنة على تلك السبة منذ
أن قام حسني مبارك (الرئيس الأسبق) بتحويل قضايا السياسيين إلى المحاكم العسكرية".
وأوضح أنه كان "بزعم أن المحاكم المدنية
غير كافية وتتأخر في قراراتها، بالرغم من أن شيوخ القضاء المصري أكدوا أن القضاء
قادر على نظر جميع القضايا؛ وأنه لو تم ضم آلاف القضاة في الهيئات القضائية
كالنيابة الإدارية وقضايا الدولة ومجلس الدولة ومفوضي الدولة لمنصة القضاء، فلن
يحدث تأخير بنظر القضايا".
وأكد مصطفى، أن "المشكلة الحقيقية
والأزلية أن القضاء يُصدر آلاف الأحكام والسلطة التنفيذية لا تنفذها، وملايين
المصريين لديهم أحكاما تُنصفهم ولكن الجهة التنفيذية تضرب بأحكام القضاء عرض
الحائط، وهذه سبة ثانية في وجه القضاء يصمت عليها".
وفي تعليقه حول دور التعديل القانوني في ضبط
الأسواق قال السياسي المصري: "الأهم من قرار المحكمة المدنية أو
العسكرية بحجة ضبط الأسواق، أن تكون هناك سياسة اقتصادية وسياسة تشريعية واضحة
للدولة".
ويعتقد أنه "عندما تكون هناك قوانين
طبيعية وسياسة اقتصادية عادلة شفافة تتيح الاستثمار الحر الطبيعي، سنجد استثمارات
كبيرة وإنتاج كاف وسلع متوفرة وفرص عمل واستقرار للجنيه مقابل العملات الأجنبية".
وأضاف: "بدلا من تقنين كيفية القبض على
المصريين أو إرهابهم أو مصادرة بضائعهم أو سرقتهم تحت بند المصادرة أن تراجع
الحكومة -لا أعني الوزراء لأنهم مجرد موظفين كمجلس النواب- سياساتها الاقتصادية،
وكيف جرت البلاد إلى هذا المستنقع، وكيف أدت إلى انهيار الجنيه والعملة".
المعارض المصري المقيم في أمريكا، لفت إلى أنه
"عندما يأتي مستثمر لمصر يجد مشكلات كبيرة منها أن القضاء يمكن أن يصدر بحقه
أحكاما دون سبب"، ملمحا إلى حبس العديد من رجال الأعمال ومصادرة أموالهم ضاربا
المثل برجل الأعمال صفوان ثابت.
وتابع: "يجد رجل الأعمال قوانينا تصادر
الأموال، وأخرى تتغيير بشكل دائم، مع احتكار المؤسسة العسكرية لكافة الأنشطة
الاقتصادية، فهنا لا أحد سيستثمر ولن تستقر الأسواق، ولو وضعنا فوق عمل كل
تاجر 10 ضباط ومجندين لن يفعلوا شيئا، لأن الوضع الاقتصادي سيئ، والبضائع تتغير
قيمتها كل لحظة مع تغير قيمة العملة كل لحظة".
وختم بالقول: "مصر إلى أسوأ ما يتخيله الجميع
مع شخص واحد يأمر والجميع ينفذ".
"أدوات غاشمة للردع"
وعلى الجانب الآخر، قال الباحث والخبير
الاقتصادي المصري الدكتور أحمد البهائي، لـ"عربي21"، إن "كل من
يتابع يوميات الاقتصاد المصري يعلم جيدا مدى حجم المأساة التي يمر بها الاقتصاد
الوطني".
وأضاف: "تلك المأساة الراجعة في مقامها
الأول إلى فشل الحكومة، وسوء الإدارة والتخطيط، وأخطاء ارتكبها النظام بتدخله في
توزيع قطاعات الاقتصاد الكلي".
وأكد أنه "مع ذلك فإن علينا أن نعترف بأنه لم
يعد هناك متسع من الوقت لإعادة تصحيح المسار الاقتصادي، بما تملكه السلطات المعنية
وخاصة السلطة النقدية والمالية من أدوات اقتصادية معهودة، بل يجب قبل ذلك أولا
الضرب بيد من حديد".
ويرى أنه "قد يتطلب الأمر في بعض الأحوال استخدام
أدوات غاشمة لردع وتحجيم المخربين والمنتفعين والاحتكاريين، وقد يكون ذلك بإصدار
قوانين مؤقتة سريعة لفترة محدودة، يعاد ويصدق عليها البرلمان والسلطة التشريعية
وليس السلطة التنفيذية كل 3 أشهر".
وأوضح أنه "يقوم على تنفيذها جهات معينة
تمتلك صلاحيات كالضبطية القضائية، مشاركة مع الضبط القضائي لوزارة العدل، تبدأ بـ3
أسواق، أولها: سوق السلع والخدمات، وثانيها: سوق العملات، وأخيرا سوق الذهب".
وأكد أنه "يمكن أن تصل حدة القانون إلى
(التأميم البيعي) لتلك الجهات المتلاعبة بالاقتصاد، بأن تُباع ممتلكات تلك الشركات
أو الأشخاص بعد المصادرة فورا، في مزاد علني إلى أشخاص آخرين، وذلك بعد نفاذ قانون
الضبطية ومخالفة القانون وإثبات الاحتكار".
وتابع: "ومن هنا نقول إن الوضع الاقتصادي
جد حرج للغاية، ويتطلب تدخلا سريعا، ولم يعد هناك رفاهية الاختيار، ومنها الذي
يمنح ضباط من قوات المسلحة معينين قضائيا صلاحية الضبط القضائي، بعد فشل الشرطة،
ووزارة التموين، في ضبط الرقابي للأسواق".
وختم بالقول: "مما يضع كثيرا من التساؤلات
وعلامات الاستفهام حول دور تلك الجهات في القيام بمهامها للحد من تلك التلاعبات
بالأسواق، والتي قد تصل إلى حد التواطؤ معهم".
"لمواجهة وضع جلل"
واعتبر متابعون أن القانون خطوة نحو
"عسكرة المجتمع بالكامل"، مؤكدين أن "محاكمة المدني أمام المحاكم
العسكرية تهديد مباشر للشعب"، فيما رأى البعض أنها "قوانين ضد قوة غليان
الشارع نتيجة سوء الأوضاع الاقتصادية، وإطلاق ليد القوات المسلحة للتعامل مع
المظاهرات من بدايتها، وليس كملاذ أخير".
وقال البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إن
التعديل يأتي لمواجهة "وضع جلل في مصر"، معتقدين أن تعديل "قانون
تأمين وحماية المنشآت الحيوية والمرافق مقدمة لفرض الأحكام العرفية تحت مظلة
قانونية"، وأنه "استعداد لما هو قادم من مجاعة وندرة بالسلع، مما قد
يحدث عنه من فوضى واقتحام لمخازن السلع".
وألمحوا إلى أن الأوضاع الاقتصادية قد تقود إلى
"ثورة لن تبقي ولن تذر"، فيما رآه آخرون أنه يأتي تحسبا لاتخاذ الحكومة
"قرارات عنيفة اقتصاديا"، في إشارة إلى احتمال "تخفيض قيمة الجنيه".
ويرى البعض أن الأمر لن يخلو من استفادة
الحكومة عبر تقنين "سرقة المخازن والسلع بالقانون، ملمحين إلى عمليات توقيف
الشرطة و"الشركة الوطنية للطرق" التابعة للجيش لسيارات المواد الغذائية
من سكر وزيوت وأرز، ومصادرتها.
وأشار البعض إلى الاستفادة المادية للقضاء
العسكري من تلك القضايا، واستفادة ضباط الجيش وأفراده ومجنديه بالحصول على أجر
مضاعف، مشيرين إلى أن القرار يورط العسكريين في فرض الإتاوات والرشى المتورط فيها
بعض الموظفين المدنيين بتقديم تسهيلات للتجار والتغاضي عن أعمال مخالفة للقانون.
لكن، آخرين يعتقدون أن قرار الضبط القضائي يعد
خطوة نحو تغول حقوقي جديد بحق المصريين ولكنه هذه المرة على يد قوات الجيش التي لا
تعرف إلا التعامل الخشن.