أثار رفض الحكومة البريطانية استثمارات إماراتية على أراضيها
كونها خطر على الأمن القومي لبلادها، المخاوف على أمن
مصر، خاصة مع ما حصلت وتحصل عليه
الشركات والصناديق
الإماراتية من أصول مصرية عامة، وأراض، ومبان، وموانئ استراتيجية،
وصناعات تمس الأمن الغذائي، والأمن القومي المصري.
والجمعة الماضي، تعثرت صفقة استحواذ مجموعة "الإمارات
للاتصالات" على حصة في شركة "
فودافون"
بريطانيا مع رفض حكومة لندن للصفقة،
في خطوة فسّرتها بوجود مخاوف إزاء الأمن القومي، وذلك رغم أنها أعلنت الأربعاء الماضي،
موافقتها على الصفقة.
"خطر أمني"
وعلى الرغم من العلاقات الجيدة بين حكام أبوظبي وحكام لندن،
إلا أن الأخيرة قالت إن حصة مجموعة "الإمارات للاتصالات" في "فودافون"
تمثل خطرا على الأمن القومي في ما يتعلق بالعقود الحكومية والأمن الإلكتروني.
وبالتزامن مع الرفض البريطاني لصفقة "فودافون"،
فتحت حكومة لندن، الجمعة، تحقيقا جديدا في خطة تدعمها أبوظبي لشراء صحيفة "ذي
تلغراف" اليومية البريطانية والمالكة لمجلة "سبكتايتر" الأسبوعية.
ولأسباب تتعلق بالمصلحة العامة؛ قررت الحكومة البريطانية
التدخل في عملية الاستحواذ، وذلك رغم أن بنك "لويدز" البريطاني دائن لعائلة
باركلي، مالكة صحيفة "تلغراف" وعرضها للبيع في تشرين الأول/أكتوبر الماضي؛
لسداد نحو 1.2 مليار جنيه إسترليني.
"سوابق تجسس أبوظبي"
وبجانب المخاوف البريطانية، تتواصل الاتهامات للإمارات بالتجسس
على معارضين عرب وأجانب.
ففي نيسان/ أبريل 2023، كشف مختبر "سيتيزن لاب"
المختص بالأمن الإلكتروني وشركة مايكروسوف، عن برنامج تجسس إسرائيلي جديد طورته شركة
"كوا دريم" الإسرائيلية، استخدم في اختراق هواتف صحفيين ومعارضين ومنظمات
حقوقية، في 10 دول بقارات مختلفة باستخدام خوادم إنترنت أحدها في الإمارات.
وكشفت تقارير صحفية غربية عن دور شركة "إن إس أو"،
التي أنتجت برنامج التجسس "بيغاسوس"، الذي استخدمته الإمارات، والعديد من
الدول العربية وغيرها، في التجسس على المعارضين والنشطاء، وطالت تجسسه بعض الشخصيات
القيادية والزعماء.
ويتشابه الجدل البريطاني الإماراتي الحالي، إلى حد كبير مع
جدل شهده شباط/ فبراير 2006، حين صوت الكونغرس الأمريكي ضد منح "موانئ دبي"
العالمية، إدارة 6 موانئ أمريكية تحسبا للضرر بأمن الموانئ.
وأثار الرفض البريطاني للاستحواذ الإماراتي على "فودافون"
والتحقيق في صفقة "تليغراف"، مخاوف على الأمن القومي وللمصلحة العامة ببريطانيا،
حفيظة متابعين مصريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرين إلى تتابع صفقات الاستحواذ
الإماراتي على أملاك المصريين دون أي مراعاة لأبعاد الأمن القومي المصري.
وتمتلك "الإمارات للاتصالات"، 66 بالمئة من
"اتصالات مصر"، منذ 2007، بقيمة أصول نحو 55.4 مليار جنيه، وعدد مستخدمين
حوالي 31.6 مليون، وإيرادات 14.2 مليار جنيه بنهاية النصف الأول من 2023.
وحول دلالات رفض بريطانيا منح الإمارات حصة في "فودافون"
لديها وفي "تليغراف"، وماهية مخاوف حكومتها على أمن بلادها القومي، وعلاقة
الأمر باتهامات التجسس الموجهة للإمارات وأدوارها الدولية المريبة، تحدث خبراء
لـ"عربي21".
"وقعت بالفخ"
الأكاديمي المصري الدكتور عاصم الدسوقي قال
لـ"عربي21" إن "مصر وقعت في الفخ دون دراية"، متوقعا أن ذلك الفخ
سيقودها "إلى التبعية التامة للرأسمالية العالمية".
وألمح إلى أنه "لم يعد للمصريين ولا الأجيال القادمة
من شيء".
"ممارسات محل شك"
من جانبه، قال الباحث في الاقتصاد السياسي والتنمية والعلاقات
الدولية الدكتور مصطفى يوسف: "الحكومة البريطانية كأي حكومة منتخبة ديمقراطيا،
وبها توازن بين السلطات تراعي متطلبات الأمن القومي لبلادها".
وفي حديثه لـ"عربي21"، لفت إلى ما أثير عن دورها
في اغتيال القيادي في حركة حماس، محمود المبحوح، في كانون الثاني/ يناير
2010، وكذلك ما قيل عن تجسس الهلال الأحمر الإماراتي على المقاومة الفلسطينية عام
2008، وما تنشره تقارير صحفية عن ضلوع حكومة الإمارات في تنسيق أمني خطير مع حمدان
دقلو (حميدتي) في السودان، وخليفة حفتر في ليبيا.
وكذلك ما أثير عن أنشطة تمويل مشبوهة يقوم بها سفير الامارات
في واشنطن يوسف العتيبة، وعلاقاته مع رجل الأعمال الماليزي "جو لو" المتهم
الرئيسي في فضيحة الصندوق السيادي الماليزي عام 2015.
يوسف، مدير المركز الدولي للدراسات التنموية، أكد أن
"كل هذه العوامل تجعل الإمارات محل شك ومراجعات كثيرة من أي سلطة أو حكومة تحترم
نفسها وتحترم شعبها".
"تزدهر مع هؤلاء"
وقال إن "الإمارات تزدهر علاقتها السياسية مع الحكومات
الفاسدة واللصوص والانقلابيين"، مذكرا بأن "الحكومة المصرية منذ قيام الجمهورية
الجديدة عقب انقلاب 3 يوليو 2013، باعت حصصا في شركات استراتيجية وبنوكا وشركات أسمدة
وموانئ".
وتحدث عن خطورة "استيلاء الإمارات على معامل التحاليل
في مصر، مثل (المختبر) وعلى الكثير من المستشفيات ومؤسسات العناية بالصحة"، موضحا
أن ذلك قد "يؤدي إلى جعل الأمن القومي والأمن الصحي للمصريين عرضة للانكشاف أمام
إسرائيل والإمارات، بجانب سيطرتهم على الاقتصاد المصري، وودائعهم التي يمكن سحبها في أي
لحظة".
ويرى الخبير الاقتصادي المصري أن "الموضوع عميق ومهم،
خاصة أن المشروع الإماراتي للسيطرة على مفاصل الصناعة والزراعة والتعليم والصحة في
مصر واضح جدا".
وألمح إلى أن "لهم سيطرة ووصولا أيضا، لكل الملفات الطبية
عبر السيطرة على المختبرات ومعامل التحليل".
كذلك أشار إلى "السيطرة الإماراتية على الموانئ المصرية،
وإماتة مشروع محور قناة السويس الذي كان سيغلق لهم مينائي (جبل علي) بدبي و(خليفة)
بأبوظبي"، ملمحا أيضا إلى "السيطرة الإماراتية على شركات الأسمدة المصرية".
"يخدم هؤلاء"
وقال يوسف، إن "بريطانيا رفضت سيطرة الإمارات على فودافون
لأن ذلك به خطورة على الأمن القومي، لأن الإماراتيين يتجسسون ويتعاملون مع شركة القرصنة
الإسرائيلية (NSO)، التي تقوم باختراقات ومدانة ومجرمة بكثير من الدول".
وعن رفض صفقة "تليغراف"، أوضح أن "هناك رفضا دوليا دائمل لمسألة الاستحواذ على وسائل الإعلام والاتصالات والبترول والمصارف، وفي كندا
مثلا، لا تقبل باستحواذ شخص أو مجموعة على نسبة أكبر من 10 بالمئة، ولو وصل 20 بالمئة
لا يمكن أن تمر الصفقة".
"إمبراطورية كبيرة"
ومع سيطرة السيسي على البلاد، سيطرت الإمارات على الكثير
من الشركات والأصول المصرية الهامة والاستراتيجية، مشكلة إمبراطورية اقتصادية داخل
البلاد، وهو ما تحاول رصده "عربي21"، عبر تسلسل زمني.
21 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، اشترت مجموعة "ADQ" الصندوق السيادي التابع لإمارة أبوظبي، حصصا بـثلاث شركات حكومية
هي "إيثيدكو" و"الحفر الوطنية" و"إيلاب"، في صفقة بقيمة
800 مليون دولار.
وقبل تلك الصفقة بيوم واحد، أقرت شركة "سيدي كرير"
للبتروكيماويات اتفاقية استحواذ لشركة "ألفا أوركس ليمتد" التابعة لـ"ADQ" الإماراتية على 30 بالمئة من (إيثيدكو) لإنتاج الايثيلين.
وفي أيلول/ سبتمبر 2023، أعلن "بنك مصر"، إطلاق
شركة مدفوعات إلكترونية، بالشراكة مع شركة "&e مصر"، الإماراتية
برأسمال 16.17 مليون دولار وبحصة إماراتية 60 بالمئة.
3 آب/ أغسطس 2022، استحوذت شركة "شيميرا للاستثمار"
الإماراتية 56 بالمئة من أسهم "بلتون المالية القابضة"، مقابل 20 مليون دولار.
وفي 2 تموز/ يوليو 2022، واستحوذت مجموعة "موانئ أبوظبي"
الإماراتية على 70 بالمئة من شركتي "ترانسمار" و"ترانسكارجو" للنقل
البحري، بـ140 مليون دولار.
وفي 14 تموز/ يوليو 2022، استحوذت شركة "أغذية"
الإماراتية على 60 بالمئة من "أبو عوف" المصرية للقهوة والوجبات الخفيفة.
28 تموز/ يوليو 2022، استحوذت "أدنوك" الإماراتية
على 50 بالمئة من "توتال إنرجيز" للوقود، في صفقة بلغت 186 مليون دولار،
واعتبرها مراقبون تعادل نصف عدد محطات الوقود بمصر.
وفي نيسان/ أبريل 2022، باعت مصر حصصا بـخمس شركات لها للقابضة
"ADQ" الإماراتية مقابل 1.8 مليار دولار، ليرتفع إجمالي عدد الشركات
التي استحوذ عليها الصندوق السيادي الإماراتي لـسبع شركات خلال عام 2022.
والشركات هي: "البنك التجاري الدولي"، وشركتي
"موبكو" و"أبوقير للأسمدة"، و"فوري" للتكنولوجيا المالية،
و"الإسكندرية لتداول الحاويات"، و"سوديك" و"آمون" للأدوية.
وفي 27 كانون الأول/ ديسمبر 2021، استحوذت مجموعة مستشفيات
"كليوباترا" المملوكة لشركة أبراج كابيتال الإماراتية على مجموعة "ألاميدا
"الإماراتية للرعاية الصحية.
وفي قطاع الصحة، تمتلك الشركات الإماراتية 15 مستشفى، ونحو
100 معمل تحاليل ومركز أشعة، فيما تتحكم في إنتاج الأدوية في سوق تقدر قيمتها بأكثر
من 45 مليار دولار.
وفي النصف الأول من 2021، اشترت (ADQ) الحصة الكاملة لشركة
"بوش هيلث" الكندية في "آمون للأدوية" المصرية بمقابل 740 مليون
دولار.
وفي 7 نيسان/ أبريل 2021، جرى الإعلان عن استحواذ كبرى شركات
إنتاج الأغذية والمشروبات بالإمارات "أغذية"، على حصة الأغلبية في شركة الإسماعيلية
للاستثمار الزراعي "أطياب" المصرية.
وفي 20 كانون الثاني/ يناير 2021، استحوذ بنك "أبوظبي
الأول" على كامل حصة بنك "عودة" في مصر، ما جعل البنك الإماراتي أحد
أكبر البنوك الأجنبيّة العاملة بمصر من حيث الأصول.
هناك خمسة بنوك إماراتية تعمل في مصر، هي: "أبوظبي الأول"،
و"أبوظبي التجاري"، و"الإمارات دبي الوطني"، و"أبوظبي الإسلامي"،
و"بنك المشرق"... لتصبح الجنسية الإماراتية صاحبة العدد الأكبر للبنوك الأجنبية
بالقطاع المصرفي المصري.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2020، اشترت (ADQ)، الإماراتية حصة مجموعة "اللولو العالمية"، بسلاسل
"الهايبر ماركت"، و"السوبر ماركت" في مصر.
ومنذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، أقامت مصر والإمارات منصة
استثمارية مشتركة بقيمة 20 مليار دولار بمجموعة من القطاعات والأصول، يديرها صندوق
الثروة السيادي المصري وصندوق أبوظبي السيادي.
في الشهر ذاته، حصلت "موانئ دبي العالمية" على
أرض صناعية بالمنطقة الصناعية بمحور قناة السويس بمساحة 35 كيلومترا مربعا.
وفي أيلول/ سبتمبر 2022، كشفت دراسة لمجموعة "عشرة طوبة
للدراسات العمرانية" عن سيطرة الحكومة الإماراتية على نسبة 6.16 بالمئة، من أراضي
القاهرة الكبرى، مشيرة إلى ارتفاع قيمة استثمارات الإمارات بالقاهرة ووصولها عام 2027، إلى 35 مليار دولار.