في كل
عام تفشل
مصر في الوصول إلى اتفاق شامل بشأن مفاوضات
سد النهضة الإثيوبي يقربها أكثر
إلى الفقر المائي كأحد أسوأ الأزمات التي يمكن أن تواجهها أي دولة تعاني من نقص الموارد
المائية الصالحة للاستخدام.
ومنيت
مفاوضات سد النهضة بين مصر والسودان من جانب وإثيوبيا من جانب آخر بالفشل للعام الـ12
على التوالي، وألقيا باللوم على الأخيرة في عدم التوصل لاتفاق يحقق مصالح الأطراف الثلاثة؛
بسبب ما قالا إنه تعنت ومحاولة فرض الأمر الواقع وهو ما ترفضه الأخيرة.
وفشلت
مفاوضات الساعات الأخيرة نهاية الشهر الماضي التي استمرت نحو 4 أشهر، والتي استؤنفت
بعد أكثر من عامين من إعلان الفشل في التوصل إلى اتفاق ملزم بين دولتي المصب ودولة
المنبع في نيسان/ أبريل 2021.
في
19 كانون الأول/ ديسمبر 2023، أعلنت مصر أن "المسارات التفاوضية مع إثيوبيا قد
انتهت"، مؤكدة أنها سوف تراقب عن كثب عملية ملء وتشغيل سد النهضة، وأن مصر تحتفظ
بحقها المكفول بموجب المواثيق الدولية للدفاع عن أمنها المائي والقومي في حالة تعرضه
للضرر.
وأرجعت
وزارة الري فشل الاجتماع الأخير من المفاوضات بين الأطراف المعنية إلى "استمرار
ذات المواقف الإثيوبية الرافضة عبر السنوات الماضية للأخذ بأي من الحلول الفنية والقانونية
الوسط التي من شأنها تأمين مصالح الدول الثلاث".
مصر
تعاني من ندرة مائية
تأتي
مصر على رأس قائمة الدول القاحلة وتواجه ندرة حادة في المياه، فهي الأقل في معدل هطول
الأمطار بين دول العالم، في حين يتجاوز عدد سكانها الـ105 ملايين نسمة، وتعتمد على
نهر النيل بنسبة 98% لتوفير احتياجاتها من المياه لأغراض الشرب والزراعة والصناعة.
ويحتجز
سد النهضة المياه على النيل الأزرق، الفرع الرئيسي لنهر النيل، في منطقة "بني
شنقول-قمز" على بعد نحو 30 كيلومترا من الحدود مع السودان، ويبلغ طوله 1800 متر
وارتفاعه 145 مترا، ومن المقرر أن يخزن 74 مليار متر مكعب.
تراجع
حصة مصر من المياه يهددها بالجفاف، خاصة أن نصيب الفرد أقل من النسبة العالمية بحوالي
النصف، ويكلفها عشرات مليارات الدولارات على صورة محطات تحلية مياه على البحرين الأبيض
والأحمر، ومحطات أخرى لتنقية مياه الصرف الزراعي وإعادة تدويره.
إلى
جانب تلك الخسائر فإن ندرة الموارد المائية، أدى إلى استيراد مياه افتراضية في صورة
واردات غذائية بقيمة 15 مليار دولار سنويا، حسبما أفاد وزير خارجية مصر سامح شكري أثناء
كلمة له على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر الماضي.
سير مفاوضات سد النهضة
التسلسل
الزمني لبدء وسير وانتهاء المفاوضات وفشلها مرة تلو الأخرى مر بعدة محطات منذ تولي
رئيس النظام الحالي سدة الحكم في حزيران/ يونيو عام 2014 والتي كانت كالآتي:
حزيران/
يونيو 2014: اتفقت مصر وإثيوبيا على استئناف المفاوضات مرة أخرى.
أيلول/
سبتمبر 2014: عقد الاجتماع الأول للجنة ثلاثية (مصر وإثيوبيا والسودان) للتباحث حول
صياغة الشروط المرجعية للجنة الفنية وقواعدها الإجرائية والاتفاق على دورية عقد الاجتماعات.
تشرين
الأول/ أكتوبر 2014: اتفقت الأطراف الثلاثة على اختيار مكتبين استشاريين أحدهما هولندي
والثاني فرنسي لعمل الدراسات المطلوبة بشأن السد.
آذار/
مارس 2015: وقع السيسي ونظيره السوداني السابق عمر البشير ورئيس وزراء إثيوبيا السابق
هايلي ديسالين في العاصمة السودانية الخرطوم وثيقة "إعلان مبادئ سد النهضة".
تموز/
يوليو 2015: عقدت في العاصمة السودانية الخرطوم الجولة السابعة لاجتماعات اللجنة الفنية
التي أصدرت بيانا يتضمن قواعد وأطر عمل المكتبين الاستشاريين الدوليين.
أيلول/
سبتمبر 2015: انسحب المكتبان الاستشاريان لـ"عدم وجود ضمانات لإجراء الدراسات
بحيادية".
كانون
الأول/ ديسمبر 2015: وقع وزراء خارجية مصر والسودان وإثيوبيا على وثيقة الخرطوم التي
تضمنت التأكيد على اتفاق إعلان المبادئ، وتضمن ذلك تكليف مكتبين فرنسيين بتنفيذ الدراسات
الفنية الخاصة بالمشروع.
شباط/
فبراير 2016: إثيوبيا تؤكد أنها لن تتوقف عن بناء سد النهضة.
أيار/
مايو 2017: الانتهاء من التقرير المبدئي حول سد النهضة، واندلاع خلاف بين الدول الثلاث
على التقرير.
تشرين
الثاني/ نوفمبر 2017: وزير الري المصري يعلن عدم التوصل لاتفاق بعد رفض إثيوبيا والسودان
للتقرير المبدئي.
تشرين
الثاني/ نوفمبر 2017: الحكومة المصرية تعلن أنها ستتخذ ما يلزم لحفظ "حقوق مصر
المائية".
شباط/
فبراير 2020: استضافت واشنطن، جولة مفاوضات جديدة حول سد النهضة الإثيوبي، تجمع وزراء
الخارجية والري في دول مصر والسودان وإثيوبيا، بمشاركة ممثلين من وزارة الخزانة الأمريكية
والبنك الدولي، بوصفهم مراقبين.
نيسان/
أبريل 2021: فشل مفاوضات "الفرصة الأخيرة" بين مصر والسودان وإثيوبيا في
عاصمة الكونغو كينشاسا.
آب/
أغسطس 2022: أديس أبابا تعلن الملء الرابع.
حزيران/
يونيو 2023 اتفق السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، على البدء بمفاوضات
"عاجلة" للاتفاق على ملء سد النهضة وقواعد تشغيله.
كانون
الأول/ ديسمبر 2023: مصر تعلن فشل المفاوضات مجددا.
"الوضع
كما هو عليه"
في تقديره
لسير عملية التفاوض، يقول عضو اللجنة الوطنية المصرية لدراسة آثار سد النهضة الإثيوبي
سابقا، ومستشار البرنامج الإنمائي للأمم بشأن مياه النيل، محمد محيي الدين، إن
"إثيوبيا اعتمدت منذ البداية سياستين، الأولى هي المماطلة والتسويف، الثانية،
هي فرض الأمر الواقع وتجاهل الأطراف الأخرى وهما دولتي المصب، وهذا يجعل إثيوبيا أقرب
من أي وقت مضى في تحقيق أهدافها".
وبشأن
النتائج المخيبة للآمال مع نهاية كل جولة تفاوض، أوضح لـ"عربي21":
"المجتمع الدولي وخاصة الأفريقي لم يقف إلى جانب في مصر ويساندها في الحفاظ على
حصتها في مياه نهر النيل الذي يعد المصدر الرئيسي للمياه، وكل محاولات الدولة في محاولة
الضغط على إثيوبيا من خلال الاتصالات الإقليمية أو الأفريقية أو حتى الدولية بما فيها
واشنطن ومجلس الأمن الدولي فشلت ولم تسفر عن أي نتيجة".
وقدر
الخبير المصري الدولي أن "تزيد تكلفة فشل المفاوضات من حجم أزمة نقص المياه من
ناحية والأزمة الاقتصادية؛ لأن البدائل مكلفة لتعويض أي نقص في المياه بسبب زيادة سعة
التخزين السنوية لسد النهضة البالغة 74 مليار متر مكعب، وسوف تتحمل مصر وحدها فاتورة
باهظة من الأموال والجهد ويعرض أمنها المائي والغذائي للخطر".