سلط موقع أمريكي، الضوء على حالة الصمت التي
تشهدها مدن الداخل
الفلسطيني المحتل عام 1948، إزاء حرب
الإبادة الجماعية التي
يرتكبها جيش
الاحتلال الإسرائيلي في قطاع
غزة.
وقال موقع "
موندويس" الأمريكي؛ إن
هناك تطورا في الوضع السياسي لفلسطينيي
الداخل المحتل، منذ حركة الاحتجاج المعروفة
بـ"انتفاضة الوحدة"، وصولا إلى الصمت السائد حاليا، مشيرا إلى أنه
رغم نضالهم من أجل حقوقهم، إلا أنهم يشعرون بالإحباط تجاه العجز عن تحقيق تقدم
ملموس.
وأضاف الموقع، في مقال للكاتب محمد كدان،
وترجمته "
عربي 21"، أنه رغم ما أثاره الواقع المرير لسفك الدماء في غزة
من غضب حول العالم، يبقى هناك تساؤل حول سبب صمت فلسطينيي الـ48، خلال حرب الإبادة
الجماعية هذه؛ موضحا أن الإجابة لا تكمن في "تكتيكات التخويف القوية التي
تتبعها إسرائيل، بل أيضا في المسار التاريخي للفكر والممارسة السياسية
الفلسطينية".
صمت مدوي
وذكر أن الإبادة الجماعية الحالية في غزة، التي
بدأت في أعقاب هجوم المقاومة على مستوطنات غلاف غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر،
شكلت صدمة للحركة السياسية العربية الفلسطينية داخل إسرائيل، ولكن بدلا من ترجمة
هذه الصدمة إلى أفعال، أدت إلى صمت مدوي حتى بعد أشهر من الإبادة الجماعية، وهذا
يعكس التدهور السياسي الذي شهده فلسطينيو الداخل المحتل على مدى عقود.
وتابع الموقع قائلا: "ترتبط إحدى الإجابات
بالأجندة والرؤية السياسية بين فلسطينيي الـ48، وفي السيناريو الذي يعدهم جزءا من المعارضة الإسرائيلية"، مؤكدا أن "استراتيجية المعارضة وضعتهم في
موقف الرد المستمر على السياسات الإسرائيلية، والقوانين العنصرية التي يحشدون من
أجل إلغائها".
ولفت إلى أن إحدى أهم المحطات الحاسمة في هذه
القصة، هي الانتفاضة الشعبية في أيار/ مايو عام 2021، عندما تم التخلي عن
استراتيجية "المعارضة"، واندلعت "انتفاضة الوحدة" في جميع
أنحاء فلسطين التاريخية، وانضم إليها بشكل بارز وغير متوقع فلسطينيو الـ48، بعد
عقود من التدجين السياسي.
واستدرك: "لكن فشل تلك اللحظة في تطوير
حركة سياسة، يساعد في تفسير الصمت الحالي لفلسطينيي الـ48، وهذا أمر مأساوي؛ لأن
الإبادة الجماعية التي تتكشف في غزة، هي حرب على الوجود الفلسطيني في كل
مكان".
رعب لإسرائيل
وأفاد الموقع بأن وجود الفلسطينيين طالما شكل
رعبا لإسرائيل منذ قيامها في أيار/مايو 1948؛ حيث أنشأت المليشيات الصهيونية
إسرائيل من خلال السلب والتطهير العرقي للسكان الأصليين عام 1948، بينما فرضت
الحكم العسكري على الفلسطينيين الذين بقوا داخل حدود ما أصبح يسمى "إسرائيل".
وقد تم فرض الحكم العسكري لعدة أسباب؛ حيث هدفت
إسرائيل إلى اختلاق هوية جديدة، هوية "العربي الإسرائيلي"، وقد أدت هذه
الهوية المعاد صياغتها إلى انهيار مجتمع الفلاحين الفلسطينيين وإخضاع سبل عيشهم
للدولة، كما سعت إسرائيل إلى إعادة تشكيل القيادة السياسية وولاءات هؤلاء
الفلسطينيين، الذين أصبحوا مقيدين بخطوط الدولة وروحها، وتم شرح هذه العملية
باستفاضة في الكتاب المبدع لأحمد سعدي، واصفا إياها بأنها ظاهرة "المراقبة
الشاملة".
وأضاف الموقع أن أحد الأهداف الاستعمارية للحكم
العسكري بين عامي 1948 و1966 هو ما سمي بـ"استراتيجية الاستيعاب"
للفلسطينيين، وربطهم ماديًا ورمزيًا بدولة إسرائيل، من خلال خلق سردية خاصة بهم
منفصلة عن بقية الشعب الفلسطيني، وقد اشتملت هذه الرواية على ماضٍ وحاضر ومستقبل
منفصل، ما دفعهم إلى إنشاء برنامج ورؤية سياسية، وكانت الرؤية السياسية الوحيدة
المسموح بها في تلك الفترة، هي التي يقودها الحزب الشيوعي الإسرائيلي.
ومن المؤكد أن هذا لم يكن من دواعي سرور
الصهاينة، الذين فضلوا تقويض وجود الشيوعيين كقوة سياسية معارضة، ولكن بما أن
الخطاب الشيوعي تم تصميمه بعناية ليتناسب مع المعايير الصهيونية المتمثلة في
الاعتراف بالوطن اليهودي وحقهم السياسي في إقامة دولة في فلسطين، فقد تمكن
الشيوعيون من دخول الحياة السياسية الإسرائيلية.
وتابع الموقع أن البرنامج السياسي للحزب الشيوعي
الإسرائيلي اعتمد على ركيزتين أساسيتين، كانت الأولى هي "النضال من أجل المساواة"
كأقلية قومية داخل إسرائيل؛ حيث كان الشعار السياسي الأساسي للحزب في العقدين
الأولين يدعو إلى "وقف السياسة القمعية الوطنية" للدولة، واقتصرت مطالبه
على التغييرات داخل دولة إسرائيل وبنيتها، وكان الدور الشرعي الوحيد للعمل السياسي، يُنظر إليه على أنه النضال من أجل المساواة في الحقوق داخل إسرائيل، وقد أعاقت هذه
الرؤية السياسية المصغرة أي مستقبل سياسي مناهض للصهيونية يمكنه مواجهة أسس الدولة
العرقية الدينية.
وتضمنت الركيزة الثانية للبرنامج السياسي للحزب
الشيوعي التعبير عن الهوية العربية الفلسطينية من خلال وسائل ثقافية محدودة؛ حيث
دعا الحزب الشيوعي بعد تأسيس دولة إسرائيل في عام 1948 إلى إنشاء دولة عربية إلى
جانبها على أساس خطة التقسيم التي أصدرتها الأمم المتحدة في عام 1947، متغاضيا عن
طبيعتها الاستعمارية الاستيطانية والتطهير العرقي الذي حدث في الفترة من أواخر عام
1947 إلى عام 1949.
وأكد الموقع أن هذا التركيز على إظهار الهوية
العربية الفلسطينية مع الإيمان بحق الصهيونية في إقامة دولة عرقية قومية، أدى إلى
توتر بين التعبير عن تلك الهوية الثقافية والإطار السياسي للمواطنة الإسرائيلية،
فقد أدى هذا الالتزام المزدوج إلى ظهور مثقفين وروائيين وشعراء، مثل محمود درويش،
الذي عبر عن الهوية العربية الفلسطينية مع تمسكه بالخط الحزبي، لكن التوتر الناتج
عن تلك الازدواجية أدى أيضا إلى انشقاق بعض هؤلاء المثقفين، وأبرزهم درويش الذي
ترك الحزب الشيوعي للانضمام إلى الحركة الوطنية الفلسطينية في بيروت.
فهم التاريخ السياسي
واستمر هذا التوتر في التفاقم داخل الحزب، وبرز
ذلك من خلال هيمنة القوى العربية المعارضة على الحزب الشيوعي العراقي في عام 1965
وما تلا ذلك من تشكيل "القائمة الشيوعية الجديدة" (راكاح)، ووصلت هذه
التوترات إلى ذروتها عندما انفصلت مجموعة عربية عن الحزب الشيوعي الإسرائيلي، بسبب
خلاف حول المواقف السياسية لحركات التحرر الوطني العربية والحركات القومية العربية
المعارضة للصهيونية والإمبريالية، وشمل ذلك الخلافات حول دعم الناصرية في مصر،
وجبهة التحرير الوطني في الجزائر، والثورة العراقية، وغيرها، ووصف فصيل من قادة
الحزب الشيوعي اليهوديين هذه الحركات والأنظمة الثورية المختلفة، بأنها معادية
للسامية وعارضت موقف الاتحاد السوفييتي المناهض للصهيونية، وأدت هذه الخلافات إلى
انقسام في الحزب عام 1965؛ حيث احتفظ الفصيل اليهودي الصهيوني باسم الحزب الشيوعي
الإسرائيلي، بينما احتفظ الفصيل القومي العربي باسم "راكاح"، ولكن بحلول
أواخر الثمانينيات، اختفى الصهاينة اليهود التابعون للحزب الشيوعي الإسرائيلي،
وهكذا استعاد "راكاح" اسمه القديم.
وأوضح الموقع أن هاتين الركيزتين اللتين يقوم
عليهما الحزب الشيوعي الإسرائيلي لهما أهمية حاسمة في فهم التاريخ السياسي اللاحق
لفلسطينيي الـ48، وتشكيل معظم التيارات السياسية داخل مجتمعهم، وخاصة تلك التي
تعمل داخل الكنيست الإسرائيلي.
ومع ذلك، فإن بعض حركات فلسطينيي الـ48 لم تخضع
لهاتين الركيزتين اللتين تسببتا في تحجيم مساحات واسعة من المخيلة السياسية
لفلسطينيي الـ48، لكن هذه الحركات التي تتعارض مع النهج السائد للحزب الشيوعي
الإسرائيلي تعرضت للاضطهاد والحظر في إسرائيل؛ حيث تم حظر حركة الأرض في عام 1959،
ومنظمة الجبهة الحمراء في عام 1973، والحركة الإسلامية الشمالية في أواخر عام 2015.
وأفاد الموقع بأنه رغم وجود هذه التيارات
المعارضة، إلا أن ركائز الحزب الشيوعي الإسرائيلي تغلغلت في الخطاب السياسي
لفلسطينيي الـ48، وتجاوزت الحزب الشيوعي وأصبحت جزءا من أطر العديد من الأحزاب
السياسية "العربية الإسرائيلية".
وأحد الأمثلة على ذلك، هو حزب "التجمع
الوطني الديمقراطي"، الذي رغم تعرضه للاضطهاد في عام 2016، إلا أنه لم يُحظر
أو يخضع للمحاكمة، وهو ما يمكن إرجاعه إلى مواقف الحزب السياسية المرنة واعترافه
بالخطاب السياسي الإسرائيلي، ومن الجدير بالذكر أن الحزب وافق باستمرار على مفهوم
تقرير المصير اليهودي في فلسطين، وهو ما يتماشى مع النهج الذي اتبعه الحزب الشيوعي
الإسرائيلي، رغم أن برنامجه يسعى إلى تحويل إسرائيل إلى ديمقراطية لجميع مواطنيها.
إن هذه المعاملة التمييزية للأحزاب السياسية
الفلسطينية من قبل الدولة الإسرائيلية، بما في ذلك الحظر المنهجي للحركات التي لا
تتوافق مع الحدود السياسية الصهيونية، تعدّ إحدى الطرق التي تم من خلالها ترسيخ
هذه الحدود وإنفاذها. ثم طالبت الدولة بألا تعمل الأحزاب السياسية العربية إلا
داخلها، وإلا فإنها ستتعرض للقمع. وطالما شاركت الأحزاب السياسية العربية في نظام
يتطلب الولاء المسبق لدولة عرقية دينية تنزلها إلى مرتبة مواطنين من الدرجة
الثانية، فقد انتهى بها الأمر إلى إضفاء الشرعية السياسية على إخضاعها.
التحول في أيار/ مايو 2021
وأشار الموقع إلى أنه مع الأخذ بعين الاعتبار
الفروق التاريخية التي أدت إلى حالة الشلل السياسي الحالية بين فلسطينيي الـ 48،
دعونا نعيد النظر في انتفاضة الكرامة، أو "انتفاضة الوحدة" في أيار/
مايو 2021، لفهم عقلية المتظاهرين؛ حيث فاجأ الفلسطينيون في إسرائيل الدولة
الاستعمارية الاستيطانية عندما اندلعت أعمال شغب ضد مراكز الشرطة، وأحرقوا وهاجموا
ما تسميه الدولة "المدن المختلطة" مثل عكا وحيفا واللد، التي شهدت
"أزمة أمنية"، مما يشكل تحديا لسيادة الدولة من الداخل، لأول مرة منذ
تأسيسها. وتجلى ذلك في المقاومة الشرسة للتوسع الاستيطاني، وهدم منازل
الفلسطينيين، وعملية إبعادهم عن وطنهم عبر العنصرية الممنهجة في كل المجالات.
وذكر أن انخراط فلسطينيي الـ48 في أحداث أيار/
مايو 2021 برفض الإطار "المعارض" السائد للعمل السياسي. ولم يكن لدى
الأحزاب السياسية الفلسطينية المشاركة في الكنيست الإسرائيلي أجندة لخلق بديل
للنظام السياسي الصهيوني، ما قوّض رؤيتها لمستقبل سياسي خارج إسرائيل على الدعوة
إلى العودة الدورية إلى الوضع الراهن.
وأدى ذلك إلى ضمور المؤسسات السياسية الفلسطينية، وانخفاض نسبة المشاركة في الفعاليات التي نظمتها الأحزاب. وحتى خارج الأحزاب
السياسية الرسمية، كانت المسيرات التضامنية مع القدس والشيخ جراح التي دعت إليها
لجنة المتابعة العليا واللجان الشعبية، لديها إقبال متواضع يتراوح بين 30 إلى 50
فردا. ثم، في 10 أيار/ مايو 2021، حدث تحول كبير. ما الذي أثار هذا التغيير؟
في ذلك الصباح المشؤوم، بدأت القوات الصهيونية
توغلا في المسجد الأقصى؛ بهدف تطهيره ممن يعدونه "مخربين وإرهابيين".
وأعقب ذلك مواجهات أدت إلى إصابة أكثر من 300 شخص، مما أثار استياء عميقا لدى الأوساط والمجتمعات الفلسطينية كافة. وساهم رفض إسرائيل وقف أعمالها العدائية في
القدس في تصعيد المقاومة الفلسطينية في غزة، وأعقبه عدوان شامل على القطاع الساحلي.
وتابع الموقع قائلا: "هذا الحدث أدى إلى
زيادة التوترات مع فلسطيني الـ 48، وبلغت ذروتها في بدء احتجاجات واسعة النطاق
ومظاهرات حاشدة واشتباكات في وقت لاحق من ذلك اليوم. قاد الاحتجاجات في المقام
الأول شباب غير منظمين وغير حزبيين، وهم جيل كامل حُرم من هويته السياسية
الفلسطينية، لكن مشاعره الدينية والوطنية دفعته إلى مواجهة الشرطة، وتباينت مدة
هذه الاشتباكات بين المدن، حيث استمرت حوالي أربعة أيام حسب الظروف المحلية".
واستمرت المواجهات التي يقودها الشباب مع مراكز
الشرطة في الانتشار كالنار في الهشيم. وبدأت مظاهر "الثورة الحقيقية"
تظهر في الشوارع، تضامنا مع القدس وضحايا القصف الوحشي في غزة. وهو ما لم يرضِ
الأحزاب العربية "المنضبطة" مثل الحزب الشيوعي الإسرائيلي، التي لم
تؤيد بعضها ما أسمته "أعمال العنف غير المجدية" التي تجاوزت نهج
"المعارضة فقط".
وبدلا من ذلك، قادت أصوات الشباب المظاهرات، ثم
الإضراب، ثم الأنشطة الشعبية. كل ذلك تحت عنوان الوحدة السياسية للفلسطينيين من
النهر إلى البحر وما وراءه. بعبارة أخرى، بدأنا نشهد مجموعة فلسطينية تؤسس
لمشاعر سياسية تقترب من "التحرير"، التي ارتبطت بفلسطينيي الضفة
الغربية وغزة والشتات. ولهذا السبب نطلق عليها اسم "انتفاضة الوحدة".
ولفت الموقع إلى أنه على الجانب الآخر، انحرف
الحزب الإسلامي الجنوبي، بقيادة منصور عباس، عن موقف "المعارضة فقط" من
خلال الدعوة إلى الاندماج الكامل في الدولة الصهيونية. وكانت تصريحات عباس، بما في
ذلك الاعتراف بشرعية "يهودية" دولة إسرائيل، والتعبير عن التضامن مع
"مأساة" المحرقة، بمنزلة خروج عن معالجة المحنة التاريخية التي يعيشها
عرب اللد منذ نكبة سنة 1948، دون أي اعتبار لما تبقى من الفلسطينيين الذين يعانون
عقودا طويلة من المعاناة.
وبدلا من تأطير أحداث أيار/ مايو باعتبارها
استجابة متجذرة في المظالم التاريخية، بدا أن نهج عباس ينحرف عن القيم المشتركة،
والمواطنة، والاندماج. وكان تحالفه مع الحكومة الإسرائيلية بقيادة نفتالي بينيت
ويائير لابيد، اللذين رفضا الحق الفلسطيني في إقامة دولة على أساس حدود سنة 1967،
بمنزلة تحول كبير. وقد وُصف بينيت، على وجه الخصوص، بأنه مؤيد فاشي لضم المنطقة
(ج) في الضفة الغربية.
وقدم عباس رؤية سياسية متميزة تتجاوز الركائز
المذكورة أعلاه، مع إعطاء الأولوية للاحتضان الكامل للمواطنة الإسرائيلية والتوافق
مع الأجندة السياسية، دون إعطاء الاعتبار الواجب لهويته العربية الفلسطينية. وقد
أدى هذا النهج إلى نزع التسييس بين العرب، حتى في القضايا المتعلقة بمطالب
المساواة الاجتماعية في إسرائيل، بما في ذلك الفرص الاقتصادية والتخطيط الحضري
والإسكان والتعليم.
عكس حظوظ انتفاضة الوحدة
وعدّ الموقع أن تشكيل "القائمة العربية
الموحدة" بقيادة منصور عباس في حزيران/ يونيو 2021، بعد شهر واحد فقط من
انتفاضة الوحدة بعد قمعها العنيف من قبل السلطات الإسرائيلية، كان بمنزلة خطوة
كبيرة إلى الوراء في الوعي السياسي الفلسطيني. في جوهر الأمر، أدى نهج القائمة
الموحدة إلى الإخلال بالتوازن السياسي الذي أنشأه الحزب الشيوعي الفلسطيني في سنة
1965، والانتقال من الحفاظ على الهوية العربية الفلسطينية والاستقلال إلى
الاستيعاب الكامل.
وقد تجلى ذلك بشكل ملموس في تشكيل الحكومة
الائتلافية المناهضة لنتنياهو، التي تم التوقيع عليها مع رئيسين للوزراء: نفتالي
بينيت، المعروف بآرائه اليمينية والضمية، ويائير لابيد، وهو سياسي من يمين الوسط
من النخبة الإسرائيلية. وكلا الزعيمين لا يعترفان بالحقوق الفلسطينية ويدعمان
استمرار الاحتلال.
وكان من المقرر أن تكون تلك الحكومة الائتلافية
قصيرة الأجل، حيث عاد نتنياهو إلى السلطة بحلول نهاية سنة 2022 في الحكومة الأكثر
يمينية في تاريخ إسرائيل. وفي الوقت نفسه، ظلت الأحزاب السياسية العربية في حالة
من الضمور السياسي، حيث يعكس اتجاه منصور عباس عجز استراتيجيات "المعارضة
فقط"، التي عفا عليها الزمن للحزب الشيوعي العراقي عن تقديم برنامج سياسي قابل
للتطبيق للمجتمع الفلسطيني. وفي غياب مثل هذا المشروع السياسي، فإن صعود القائمة
العربية الموحدة ليس بالأمر المفاجئ.
وفي كثير من النواحي، عكست انتفاضة الوحدة
استياء الشباب غير المسيس وغير المنظم من هذا الوضع، ولكن بما أن الثورة الشعبية
لم تسفر عن تشكيل أي حركة سياسية أساسية أو منظمة جماهيرية، فقد تغير المجال
السياسي في المجتمع الفلسطيني سنة 1948. ببساطة عادت إلى وضعها الافتراضي. وهذا ما
يفسر صمت فلسطينيي 48 اليوم، بينما تواصل إسرائيل الإبادة الجماعية في غزة.
وبين الموقع أن العقلية السياسية السائدة لدى
الأحزاب العربية الفلسطينية في الكنيست، غير قادرة على فهم التداعيات الاستراتيجية
لهذه الإبادة الجماعية على جميع الفلسطينيين. إن القوى السياسية التي تدعي أنها
تمثل الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، غير قادرة بشكل مأساوي على
إدراك أن ما يحدث في غزة سيكون له صدى لدى جميع الفلسطينيين، بما في ذلك
"مواطنو" إسرائيل. وقد وثّق مركز "عدالة" بالفعل مدى ضعف
الفلسطينيين في إسرائيل منذ بدء حرب الإبادة الجماعية.
واختتم الموقع تقريره بالقول؛ إن الحرب على غزة
تعدّ في الأساس حربا على الوجود الفلسطيني في كل مكان، وهي تنطوي على إعادة هيكلة
الحدود لكل فصيل فلسطيني من خلال أساليب مثل الطرد القسري، أو الاستيعاب، أو طمس
هويته السياسية. والنتيجة النهائية هي القضاء على الشعب الفلسطيني. وفي غياب رؤية
سياسية بديلة تقاوم عملية التصفية الاستعمارية الصهيونية، فإن المواطنين
الفلسطينيين في إسرائيل سيواجهون المصير الدنيء نفسه، مثل إخوانهم وأخواتهم
الفلسطينيين.