نشرت مجلة "
ذي نيشين" مقالا لجوشوا فرانك، أشار فيه إلى أن الوحشية بالنسبة لإسرائيل هي الهدف من حملتها ضد
غزة، مؤكدا أن هدف دولة
الاحتلال من قصفها للقطاع هو جعله مكانا غير صالح للعيش بنهاية حملتها العسكرية التي لا ترحم.
وقال الكاتب في المقال الذي ترجمته "عربي21"، إنه "في الفضاء الجميل لشاطئ وسط غزة، وعلى بعد ميل واحد من مخيم الشاطئ الذي سوي بالأرض الآن، كانت هناك أنابيب سوداء ملقاة على الأرض وضعها الجنود قبل أن تختفي تحت الأرض، وهي صورة بثتها وزارة الدفاع الإسرائيلية، وتظهر أعدادا من الجنود وهم يضعون الأنابيب وما يبدو محطات ضخ، لضخ المياه من البحر المتوسط إلى الأنفاق تحت الأرض".
وأضاف أن الخطة، كما تشير تقارير، ترمي لإغراق الشبكة الواسعة من الأنفاق التي يقال إن "حماس" بنتها وتستخدمها في عملياتها. ولفت إلى أن رئيس هيئة أركان الاحتلال هيرتسي هاليفي قال: "لا أريد الحديث عن التفاصيل، ولكنها تضم متفجرات للتدمير ووسائل لمنع ناشطي ’حماس’ من استخدام الأنفاق والإضرار بالجنود" و"أي وسيلة تعطينا التميز على العدو [الذي يستخدم الأنفاق] وحرمانه من هذا الرصيد يعني أننا نقوم بإعادة تقييم هذا، وهذه فكرة جيدة".
وذكر المقال أنه "في الوقت الذي تقوم فيه إسرائيل بفحص استراتيجية إغراق الأنفاق، فإن هذه ليست المرة الأولى تتعرض فيها أنفاق ’حماس’ للتخريب باستخدام المياه. ففي عام 2013 قامت مصر بإغراق الأنفاق التي تستخدمها ’حماس’ لتهريب البضائع والأسلحة بين البلدين ولأكثر من عامين، واستخدمت مصر مياه البحر المتوسط في العملية، ما تسبب في دمار على البيئة في غزة، وأصبحت المياه الجوفية ملوثة بالأملاح، وأصبحت مشبعة بالأوحال وغير مستقرة، ما أحدث انهيارات أرضية وقتل أعدادا كبيرة من الناس".
وأوضح أنه "عندما تصبح التربة مشبعة بالمياه الملحية ومياه الشرب ملوثة، فإنه يصعب على الناس استخدامها. وستؤدي استراتيجية إسرائيل ضد ’حماس’، وبدون شك إلى نفس الضرر الذي لا يمكن إصلاحه". وقالت جوليان شيلنغر، الباحثة في جامعة توينتي في هولندا: "من المهم أن نضع في ذهننا، أننا لا نتحدث فقط عن مياه مشبعة بالملح، فمياه البحر ملوثة بفضلات لا يمكن معالجتها والتي تصب في نظام الصرف الصحي بغزة والذي يعاني من مشاكل وخلل".
وقال الكاتب، إن "هذا بالطبع يبدو جزءا من أهداف إسرائيل، ليس تفكيك قدرات ’حماس’ العسكرية فقط، ولكن تلويث المياه الجوفية الملوثة أصلا من مياه الصرف الصحي المتسربة من الأنابيب المتآكلة".
وأضاف أن المسؤولين الإسرائيليين كانوا واضحين في أنهم سيتأكدون من عدم صلاحية غزة للعيش عندما يتوقفون عن عملياتهم العسكرية.
ولفت إلى أن وزير حرب الاحتلال، يوآف غالانت، قال: "نحن نقاتل حيوانات بشرية ونتصرف بناء على هذا" و"سنمحو كل شيء وسيندمون".
وذكر المقال أنه "في حال كان الدمار غير كاف، حيث دمر القصف العشوائي نسبة 70% من مباني غزة، فإن إغراق الأنفاق بالمياه المالحة سيتسبب في أضرار بنيوية لما تبقى من المباني بشكل يجعل من إصلاحها مستحيلا. ويقول عبد الرحمن التميمي، مدير مجموعة خبراء المياه
الفلسطينيين إن إغراق الأنفاق بالمياه المالحة سيؤدي إلى تراكم الملح وانهيار التربة بشكل يقود إلى هدم آلاف البيوت الفلسطينية. ونتيجته ستكون أكبر صدمة، فقطاع غزة سيصبح خاليا من السكان ولن يتم التخلص من الآثار البيئية للحرب إلا بعد 100 عام".
وبالمحصلة، يقول التميمي في تصريحاته للمقال، إن دولة الاحتلال تدمر البيئة في غزة وبدأت بتدمير حقول الزيتون فيها. وكانت غزة تنتج في كل عام 5,000 طن من زيت الزيتون من 40,000 شجرة. وتزامن موسم الزيتون العام الماضي مع بداية الحرب، وهو موسم ينتظره الفلسطينيون لأنه يجلب لهم الأمل والزرق والسعادة. وكانت نسبة زيت الزيتون من اقتصاد غزة العام الماضي، هي 10% من مجمل الاقتصاد، 30 مليون دولار.
وبالطبع ترك الزيتون العام الماضي على أشجاره ودمرت إسرائيل الأراضي الزراعية، عبر سياسة الأرض المحروقة. وتظهر صور الأقمار الاصطناعية أن نسبة 22% من الأراضي الزراعية في غزة باتت يبابا. ويقول أحمد عودة من خزاعة: "لقد تحطمت قلوبنا على المحصول" و"لا نستطيع الري أو العناية بالأرض، وبعد كل حرب مدمرة ندفع آلاف الشواقل للتأكد من نوعية محصولنا وصلاحية الأرض للزراعة"، بحسب ما نقل المقال.
وقال الكاتب إن الحرب التي شنتها دولة الاحتلال على غزة تركت أثرها المدمر وأكثر من 23,000 قتيل، معظمهم من النساء والأطفال، لافتا إلى أنه "منذ 1967 اقتلعت إسرائيل أكثر من 800,000 شجرة لبناء المستوطنات في الضفة الغربية أو لأغراض تقول إنها أمنية أو مجرد انتقام صهيوني. وحصاد الزيتون عادة معروفة في منطقة الشرق منذ أقدم الأزمنة، ومن هنا فاقتلاع أشجاره مرتبط بالتغيرات المناخية التي لا رجعة فيها، ومحو التربة وتخفيض المحاصيل، كما قالت مجلة مراجعة ييل في 2023".
وشدد على أن اقتلاع أشجار الزيتون هو تدمير للبيئة الفلسطينية، فأشجار الزيتون هي ملجأ لأنواع عدة من الطيور، مثل الخصيري والغراب المقنع وطائر الشمس. وهي مهمة للبيئة، حيث كتب سايمون عواد عمر في عدد المجلة الأردنية للتاريخ الطبيعي عام 2017 أنه "يمكن اعتبار حقول الزيتون في فلسطين فضاء ثقافيا مصمما كنظام عالمي زراعي بسبب الجمع بين التنوع البيولوجي والثقافة والقيم الاقتصادية". وشجرة الزيتون القديمة هي شهادة عن الفلسطينيين وتوقهم للحرية.
ووفقا للمقال، فإنه إلى جانب تلويث التربة، تلوث إسرائيل غزة من الأجواء، حيث وثقت "أمنستي إنترناشونال" وصحيفة "واشنطن بوست" حالات عدة لاستخدام الفسفور الأبيض. ويقول روبرت بيب، البروفيسور في جامعة شيكاغو إن "غزة هي واحدة من أكثر الحملات العقابية المكثفة في التاريخ" و"هي تقف براحة على قمة مربع حملات القصف وللأبد".
ويرى الكاتب أنه لم يحصل أبدا في تاريخ الحروب أن كشف مرتكبو الجريمة عن نواياهم، وهو ما ورد في ملف جنوب أفريقيا المقدم لمحكمة العدل الدولية في لاهاي، كما حدث في غزة. ومثلما حاول الرئيس الإسرائيلي إسحاق هيرتسوغ وضع مبرر للمذابح ضد الفلسطينيين "كل الأمة هناك مسؤولة [عن 7 تشرين الأول/ أكتوبر] وكل هذا الخطاب عن عدم معرفة المدنيين أو عدم تورطهم، غير صحيح بالمطلق. كان بإمكانهم الانتفاض أو مقاتلة نظام الشر"، وفقا للمقال.
واختتم الكاتب مقاله بالقول: "لم نشهد حملة عسكرية دعمها الرئيس الأمريكي جو بايدن وفريق السياسة الخارجية تم فيها ارتكاب العنف ويحدث في الوقت الحقيقي في الإعلام ومنصات التواصل. فغزة، سكانها وأرضها عانوا منها على مر القرون، لكن الحملة الأخيرة لوثت أرضها وحولتها إلى منطقة غير قابلة للحياة وستظهر آثارها على الأجيال القادمة".