أكد الناشط اليساري
التونسي عز الدين الحزقي،
أنه لم يستغرب عدم تفاعل الاتحاد العام التونسي للشغل بجدية مع رسالة المعتقلين
السياسيين المتهمين بـ "التآمر على أمن الدولة"، لأنه يعتقد أن
اتحاد الشغل
كباقي المنظمات الشريكة له في الحصول على جائزة نوبل للسلام جزء من الانقلاب
الذي نفذه الرئيس قيس سعيد على المسار الديمقراطي في 25 من تموز / يوليو 2021.
وقال الحزقي في تصريحات خاصة لـ
"عربي21": "منذ البداية كنت على يقين بأن الاتحاد العام التونسي
للشغل هو جزء من الانقلاب الذي يقوده قيس سعيد على التجربة الديمقراطية، ولذلك
رأيت في رسالة المعتقلين السياسيين له، مجرد موقف لإثبات هذه القناعة ولإحراج
قيادته لا غير".
وأضاف: "المنظمات الأربع التي خاطبها
المعتقلون السياسيون وهي: الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل، رئيس الاتحاد
التونسي للصناعة والتجارة، رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، عميد
المحامين، مؤيدون للانقلاب، وهم منقلبون، وضد
الديمقراطية وضد الحريات.. لقد أعطتهم الثورة هدية لا يستحقونها، وهي جائزة نوبل
للسلام.. هم ضد الأمن والسلام، هذه هي طبيعتهم".
وأكد الحزقي أن معركة طوفان الأقصى التي تقودها
حركة المقاومة الإسلامية "حماس" تمثل تحولا تاريخيا بكل المقاييس، وأنها
حولت العالم الحر بأغلبيته إلى فلسطين، بعد أن حطمت أسطورة الجيش الذي لا يقهر،
وقدمته على حقيقته باعتباره مجرم حرب ومتهما بالإبادة الجماعية.
وأضاف: "معركة طوفان الأقصى كما عرت الكيان الغاصب وداعميه وأظهرتهم على
حقيقتهم إلى شعوبهم المنحازة بغالبيتها لصالح فلسطين، فإنها أيضا حاصرت أنظمة
الاستبداد وأعداء الحرية والديمقراطية في منطقتنا العربية، ومنها تونس".
وهاجم الحزقي بشدة
المواقف السياسية الرسمية
في تونس من القضية الفلسطينية، وقال: "على المستوى الرسمي تبين بالدليل حجم
الزيف والكذب الذي لطالما ردده قادة الانقلاب عن أن التطبيع خيانة وعن مناصرة فلسطين،
حتى إذا جاء وقت الجد لم يتم اتخاذ أي خطوة سياسية على الأرض، لا في محكمة العدل الدولية
ولا في أي من المنظمات الدولية ذات الصلة".
وأشار الحزقي إلى أن "الشعب التونسي بمقدار تفاعله مع القضية
الفلسطينية وانحيازه للمقاومة الصادقة التي تقودها "حماس" فإنه يحجم عن
المشاركة في التظاهرات الشعبية ليس جبنا، وإنما لأنه لا يريد أن يعطي التزكية
لقيادات سياسية تتاجر بالقضية الفلسطينية وتسعى لاستخدامها من أجل تكريس انقلابها
على الديمقراطية".
وقال: "من العجيب والمثير للاستغراب وما يؤكد نفاق طبقتنا
السياسية بما فيها الموقف الرسمي وكذلك النقابات، أنها قضت عشرة أعوام هي عمر
ثورتنا التونسية وهي تخاصم الإسلام السياسي وتتآمر عليه، وهي اليوم تستقبل قيادات
حماس وتتحدث بالكلام عن دعمها للمقاومة التي تقودها حماس.. إنه منتهى السخف
والاستبلاه الذي لم يعد ينطلي على أحد".
وأعرب الحزقي في ختام تصريحاته لـ "عربي21"، عن افتخاره
بابنه جوهر بن مبارك المعتقل منذ نحو عام بتهمة التآمر على أمن الدولة، وهي نفس
التهمة التي قال بأنه حوكم بها هو نفسه عام 1972.
وأضاف: "أنا فخور بابني جوهر وأنظر فيه شبابي وحلمي وحلم
الأجيال الذي تمثله معركة طوفان الأقصى التي تكتب تاريخا جديدا، وهي تبعث برسالة
إلى أنظمة الاستبداد بأن تستعد للرحيل كما سيرحل الاحتلال.. وأن المستقبل
للحرية"، وفق تعبيره.
وكان الأمينُ العام للاتحاد العام التونسي
للشغل نور الدين الطبوبي قد أعلن أول أمس في تصريحات صحفية بمناسبة الذكرى 78
لتأسيس الاتحاد بأن المنظمة الشغيلة لا تتدخل في الشأن القضائي داعيا القُضاة إلى
إصدار أحكام عادلة وعدم فَبركة الملفات السياسية حسب قوله.
يَأتي هذا التصريح تفاعلا مع رسالة تهنئة
تلقاها الاتحاد من المُعتقلين السياسيين في ما يعرف بقضية التآمر على أمن الدولة
تضمنت دعوة لتدخل المُنظمات الوطنية في هذا الملف.
والاتحاد العام التونسي للشغل هو أقوى منظمة
مدنية تونسية، ويضم ما لا يقل عن 80 في المائة من موظفي الدولة، وتأسس قبل 10
سنوات من استقلال تونس عن الاستعمار الفرنسي.
ويتهم منتقدون الاتحاد بمحاولة إمساك العصا
من المنتصف، في ظل توقيفات لشخصيات، بينهم نقابيون، وأزمات سياسية واقتصادية
واجتماعية، فيما طرح الاتحاد مع مكونات أخرى من المجتمع المدني أواخر عام 2022
مبادرة لحوار وطني، وحشد احتجاجات ضد بعض سياسات رئيس البلاد قيس سعيد.
لكن سعيد رفض هذه المبادرة، قائلا إن
"الحوار يتم في البرلمان، وهي مهمة المشرّع المتمثلة في المصادقة على مشاريع
القوانين".
ويرى مراقبون أن نفوذ الاتحاد برز بعد ثورة
2011، التي أطاحت بالرئيس آنذاك زين العابدين بن علي (1987-2011)، ولكنه يشهد
تقلصا منذ أن شرع سعيد في إجراءاته الاستثنائية في يوليو/ تموز 2021.
وقال عضو المكتب التنفيذي للاتحاد سامي
الطاهري في تصريحات للأناضول اليوم: إن الاتحاد "يتجنب التصادم"؛ لأن
البلاد "لا تحتمل"، لكنه لن يقبل بتواصل "تدمير وتفكيك
الدولة"، وإن اضطر إلى خيار التصادم "فلن يتردد"، نافيا وجود حالة
خوف أو ملفات بيد السلطة تدين الاتحاد.
وفي حين أكد سياسي معارض وجود تراجع في دور
الاتحاد منذ عام 2021، متهما السلطة بأنها لا تؤمن بالأجسام الوسيطة، أكد نقابي
سابق ضرورة أن يتمسك الاتحاد بالاستقلالية حتى لا تجد السلطة ثغرة وتتهمه بالتسييس.
وأضاف الطاهري: أن "الذكرى 78 لتأسيس
الاتحاد تتميز هذا العام بمؤشرين كبيرين، الأول حرب الإبادة الواقعة في فلسطين ضد
الشعب الفلسطيني من قِبل الكيان الصهيوني (إسرائيل) والقوى الأمريكية والبريطانية
والأوروبية".
وتابع: "أما الثاني فهو الوضع الداخلي
في تونس الذي تأثر بأزمة امتدت منذ 2021 إلى الآن وكانت لها تبعات على مستوى شلل
الحياة السياسية وتدهور الوضعين الاقتصادي والاجتماعي".
الطاهري قال إن "الحرب على غزة والوضع
الداخلي يجعلان من دور الاتحاد ذا أهمية ونحن نحتفل بالذكرى تحت شعار
"الاتحاد في خدمة المقاومة في فلسطين" كما كان منذ 1948 وسيواصل على
هذا، باعتبار أن هذه القضية هي القضية الأم والرئيسة للتونسيين وأغلب العرب، ما
عدا النظام الرسمي العربي".
وأضاف أن "الاتحاد سيلعب دوره في توضيح
الأزمة التي تعيشها البلاد وطرق حلها ومن أهم السبل هو الحوار الوطني والتشاركية
بين كل مكونات المجتمع؛ فهذه أزمة داخلية وإقليمية وعالمية لا يمكن الخروج منها
برأي واحد وفكر واحد".
وشدد على أهمية الاتحاد، وأردف الطاهري:
"جاء الوقت ليعي الجميع أن هذه الأزمة لا بد أن نخرج منها مشتركين، وهنا يأتي
دور الاتحاد في أن يقنع ويؤثر كي تحاول السلطة والمعارضة ومكونات المجتمع المدني
أن تجد حلولا للأزمة".
وفي يوليو/ تموز 2021، شرع سعيد في إجراءات
استثنائية، بينها حل مجلسي القضاء والنواب وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية وإقرار
دستور جديد عبر استفتاء وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، ومن المقرر إجراء
انتخابات رئاسية في وقت لاحق من العام الجاري.
وتعتبر قوى تونسية هذه الإجراءات
"انقلابا على دستور الثورة (دستور 2014) وتكريسا لحكم فردي مطلق"، بينما
تراها قوى أخرى مؤيدة لسعيد "تصحيحا لمسار ثورة 2011".